الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

بعد استغلاله لصوت أم كلثوم.. موسيقيون يرفضون عبث الذكاء الاصطناعي بالتراث

  • مشاركة :
post-title
أم كلثوم

القاهرة الإخبارية - إنجي سمير ـ إيمان بسطاوي

نقابة الموسيقيين: خطوة لا يمكن تقبلها نهائيًا وتستدعي وقفة
صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات: لا يمكن استغلال تراث أم كلثوم إلا بالرجوع لنا
جمعية المؤلفين والملحنين: تمثيل بأصوات المطربين الراحلين

تُشكّل الأعمال الإبداعية الغنائية المصرية جزءًا كبيرًا من هوية الوطن، يرتبط الفرد بها، وتزيد درجة هذا التعلّق كلما مرت سنوات على المنجز الفني، الذي يتحول إلى موروث يدعو للفخر، لكن مع محاولة التكنولوجيا الحديثة تحت مسمى "الذكاء الاصطناعي" إعادة تقديم هذه الأعمال بشكل جديد، لم ينقسم الرأي بين مؤيد ومعارض، بل اتفق أغلب الموسيقيين ومسؤولي الصناعة في مصر على رفض هذا التدخل.

المستويات المتقدمة التي وصل لها استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في كل المجالات، منها الموسيقى أحدثت حالة كبيرة من الاستنكار على مستوى العالم، إذ تتيح التقنية إعادة استغلال التراث، ووضع بصمات مطربين راحلين على أغنيات جديدة، لتنتقل الأزمة بدورها إلى مصر، بعدما أعلن الملحن المصري عمرو مصطفى، استخدام صوت كوكب الشرق المطربة أم كلثوم، لتقديم أغنيات جديدة ووضع بصمة صوتها عليها، وهو ما اعتبره الكثيرون تعديًا صريحًا على التراث، وسط تراشق التصريحات بين طرفي النزاع حول من يملك التصرف في تراث أم كلثوم واستغلاله.

بعد وقت وجيز من إعلان عمرو مصطفى استغلال صوت أم كلثوم على أغنيات جديدة، خرج المنتج المصري محسن جابر، مُهددًا أي شخص يحاول التعدي على هذا التراث باعتباره المالك الوحيد لهذا الإرث الموسيقي الكبير.

امتلاك التراث

شركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات برئاسة نادية مبروك، استنكرت استخدام صوت أم كلثوم أيضًا، إذ قالت في تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية": "نحن المالك الوحيد لحق استغلال تراث أم كلثوم، ونؤكد فيه امتلاكنا لكل التسجيلات الصوتية لأم كلثوم وفقًا لحكم قضائي بات، وأي شخص يرغب في التعاون للاستفادة من مُصنف أم كلثوم عليه الرجوع لشركة صوت القاهرة؛ فنحن الجهة الوحيدة التي تمتلك تراثها ويمكننا الاتفاق على شكل الاستفادة من هذا المصنف بمقابل مادي، لأن هناك ورثة تكون لهم حصة وأموال من هذا التحصيل، والشركة باعتبارها مالكة لتراث أم كلثوم فلها حقوق ولا يجوز التعدي عليها".

وحول استخدام الذكاء الاصطناعي في الموسيقى تقول: "أرفض استخدامه لأنه لن يولد الإحساس البشري الذي يخرج من الشخص، فتقنيات الذكاء الاصطناعي وصلت لمستويات متقدمة في العالم، وكان يتم استغلاله بشكل إيجابي مثلما رأينا في استخدام تقنية الهولوجرام، لكن هذا لا يُمثّل اعتداءً على تراث المطرب لأننا عندما استخدمناه مع أم كلثوم كانت الناس تراها أمامها من خلال استخدام أغنيتها القديمة دون العبث بها، بينما استخدام صوتها مع أي ملحن كان سيجعل الأمر غريبًا على مسامع الجمهور، ولا نستطيع أن نتقبلها لأم كلثوم، وأنا شخصيًا لا أفضّل استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الأصوات الموسيقية".

رفض وموقف موحد

الاعتراض على استخدام التراث الموسيقي في الذكاء الاصطناعي وصل أيضًا إلى نقابة الموسيقيين المصرية، إذ أبدى الدكتور عاطف إمام، عضو مجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية، اعتراضه على استخدام أصوات الفنانين الكبار أمثال أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وغيرهم، ليقول عن ذلك في تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية": "لا يمكن العبث بتراث كبار المطربين والتعدي على حقوقهم فكل الأساتذة والمطربين الكبار مثل محمد رشدي ومحمد العزبي ومحمد قنديل لا يمكن أن نستخدم أصواتهم أو نستغلها، وأنا كرجل موسيقى لا أوافق على استغلال هذا التراث وإعادة إنتاجه من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، فالتراث يُقدم كما هو ويعيش مدى الحياة".

وتنتظر نقابة الموسيقيين عقد اجتماع لمجلس الإدارة خلال الأيام المقبلة، للاستقرار على موقف موحد بخصوص هذا الأمر، حسبما يؤكد عاطف إمام، مشددًا على الرفض نهائيًا لاستغلال حقوق الغير، خاصة من المطربين الكبار الراحلين.

اعتداء على الحق الأدبي وتمثيل بصوت الراحلين

ويرصد فوزي إبراهيم، عضو مجلس إدارة جمعية المؤلفين والملحنين المصرية، طريقتين في كيفية استغلال أصوات الفنانين باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ يقول لموقع "القاهرة الإخبارية": "هناك أكثر من طريقة لاستخدام الذكاء الاصطناعي منها تقديم أغنية لمطرب بصوت فنان آخر، بينما الطريقة الأخرى تتمثل في تقديم أغنية جديدة بلحن وتوزيع وكلمات جديدة وتركيب صوت مطرب معروف عليها، ووضع بصمة الصوت على أغنية جديدة لمطرب كبير راحل مثلما رأينا في استخدام صوت أم كلثوم ومحاولة تنفيذ أغنية جديدة بصوتها".

يضيف فوزي إبراهيم، أن الحالة الأولى من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي تمثّل اعتداءً صريحًا على الحق الأدبي، فمثلًا يجوز أن أقوم باستخدام أغنية معروفة لمطربة معروفة مثل شيرين عبدالوهاب وأضع عليها بصمة صوت مطربة أخرى، فهو يمثل اعتداءً على الحق الأدبي، ولا بد أن يعود للمؤلف والملحن للحصول على الموافقة منه أولًا، لأن المادة 143 من قانون 82 لعام 2002، قانون الملكية الفكرية تنص على أنه من حق المؤلف الرجوع له إذا تم تعديل أي مصنف أو التحوير فيه بما يراه المؤلف تشويهًا له ولسمعته، فهذا يمثل جريمة كبرى، كما أن هناك إشكالية أخرى وهو أن الذكاء الاصطناعي أحيانًا يكون غير قادر على الوصول لطبقة صوت المطرب وهذا يعتبر عبثًا.

وتابع: "الحالة الثانية من استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الأصوات، استغلال صوت مطرب راحل ووضع بصمة الصوت على أغنية جديدة بكلمات ولحن جديد فهذه الحالة أسوأ بكثير من الأولى، لأن المطرب في حياته هو من يختار النص واللحن بدليل أن عبدالحليم حافظ كان يدقق في اختيار كلماته حتى مع الشاعر الراحل نزار قباني، وأيضًا أم كلثوم كانت تقف على كلمة واحدة وتعدلها مع الشاعر الراحل بيرم التونسي، لذا فإن استخدام الحالة الثانية أراه تشويهًا وتمثيلًا بصوت الميت، كما أن الورثة ليس من حقهم التبرع بصوته لأنهم لا يملكون التبرع بأعضائه".

وأشار فوزي إبراهيم إلى أن جمعية المؤلفين والملحنين ستتدخل في حال الاعتداء على حق المؤلفين والملحنين، مضيفًا أن واقعة استغلال صوت أم كلثوم تُعد اعتداءً على صوت المطرب وبالتالي هذا دور نقابة الموسيقيين.

أصوات غير متطابقة

تؤكد الناقدة الموسيقية الدكتورة ياسمين فراج، أن مقطع الأغنية التي تم تنفيذه مؤخرًا بالذكاء الاصطناعي للفنانة الراحلة أم كلثوم جاء شبيهًا بصوت كوكب الشرق لكنه غير متطابق، ومن الوهلة الأولى شعرت أنه صوت يقلد المطربة الراحلة وأن هناك شيئًا مختلفًا، والمتمرس على السمع هو من يدرك هذا الاختلاف، موضحة أن عمل صوت المطربين أمر ليس جيدًا، خاصة أن هناك مشكلات أخرى تتعلق بهندسة الصوت، لكن في الوقت نفسه علينا أن ندرك أننا حاليًا أمام أمر واقع، وعلى سبيل المثال هناك أغنية "Heart on my sleeve"، أُنشئت أخيرًا بواسطة الذكاء الاصطناعي وحققت نجاحًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتابعت قائلة: "نحن أمام موجة جديدة فرضت نفسها ولن تقتصر على الموسيقى الأوروبية فقط، لكن سيمتد للمنطقة العربية ومن المحتمل أن يتم عمل أغنيات بأصوات المطربين الراحلين، ما يعني أن هناك طفرة تكنولوجية جديدة وموضة وستنتشر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيُقدم المستمع في العالم على الاستمرار في سماع الموسيقى التكنولوجية أم لم تكن هناك براعة في الموسيقى التي تكون من صناعة الإنسان؟.. هذا هو التحدي الحقيقي".