بطاقية مائلة على رأسه.. وجلباب بحبل ملفوف على خصره، وأسلوب فكاهي ساخر وصوت مميز، صنع الفنان محمود شكوكو شخصية لا تشبه أحدًا من أبناء جيله، ولم يستطع أحد أن يقلده ليصبح إحدى أيقونات الكوميديا والمونولوج الساخرة.
قبل 101 عام ولد شكوكو بمنطقة الدرب الأحمر، في مثل هذا اليوم عام 1912 قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وبين فرحة بقدوم المولود الجديد، واختلاف على اسمه، طارت مناقشة حادة، إذ رغب جده أن يسميه شكوكو، بينما أراد والده تسميته محمود، ليستقر الأمر على تسميته في شهادة الميلاد اسمًا مركبًا ويصبح هو واسمه علامة متفردة، ليعلق على ذلك في لقاء تلفزيوني: "العائلة كلها مشتق اسمها من شكوكو، وطُلب مني تغيير اسمي، لكنني رفضت وكنت وقتها مركب سِن ذهب في فمي فخلعت هذا السن الذهبي ورفضت تغيير اسمي".
من نجار يعمل مع والده لأشهر منولوجست وكاركتر عرفته السينما المصرية، إذ كان يشدو بصوته الجميل المميز في المناسبات العامة ليسمعه محمد فتحي الذي كان يشغل منصب رئيس الإذاعة وقتها، ويقول شكوكو عن ذلك: "كنت في مناسبة موجود بها كروان الإذاعة محمد بك فتحي، واكتشف موهبتي، وكنت وقتها أعمل مع والدي في مهنة النجارة وفي الوقت نفسه كانت هناك محاولات للعمل مع الفنان علي الكسار لكنني لم أصل لمرحلة الاحتراف وقتها، وتركت ورشة النجارة واشتغلت في الفن واستمررت فيه".
كان شكوكو يهيم على وجهه في الموالد الشعبية يتنقل بينها، ليكون أول أجر تقاضاه عن عمله قرشين، وقال عنها: "كنت أغني في الموالد الشعبية وتقاضيت قرشين في أول مرة غنيت فيها بمولد شعبي، وحبي للفن والغناء كان يحركني رغم أنني كنت أكسب أموالًا جيدة من مهنتي في النجارة، إذ كنت أحصل في اليوم الواحد على 25 قرشًا، ورغم احترافي لم أغلق الورشة لكنني تركتها لشقيقي لإدارتها".
ذاع صيت شكوكو في الأحياء الشعبية بسبب غنائه الدائم في الأفراح، ورغم أن الجمهور عرفه في البداية بالبدلة الزرقاء وليس بالجلباب الذي اشتهر به، ويقول عن ذلك: "لم ارتد الجلباب إلا عندما ذهبت إلى منطقة روض الفرج وغنيت وقتها أغنية "ورد عليك وفل عليك"، وهذه الأغنية كُتبت لي خصيصًا، وقمت بغنائها في الإذاعة لكنني كنت أمسك في يدي ورد بدلًا من العصاية التي أمسكتها في أول مونولوج في فرح لأحد الفتوات، فكان لابد وقتها أن أمسك العصاية بدلًا من الورد".
كان شكوكو واحدًا من أشهر المونولوجيستات، وحفر لنفسه اسمًا مميزًا وقتها، لأنه يقدم لونًا شعبيًا مختلفًا عن أقرانه آنذاك، وقدّم عددًا كبيرًا من الأغاني التي حفر بها اسمه مثل "الحلو يا هوه، ورد عليك، جرحوني وقفلوا الأجزاخانات، واحدة وواحدة يساوى اتنين"، وغيرها الكثير والكثير من الأغاني التي ستظل شاهدة على كاريزما مميزة.
قدّم شكوكو عددًا كبيرًا من الأفلام التي ساهمت في زيادة شهرته مثل "عنتر ولبلب" الذي تصدر فيها بطولة العمل ليكون أجمل ما قدمه شكوكو عام 1952، كما قدّم أفلامًا خلال الفترة من 1944 حتى منتصف السبعينيات، التي بدأها بأدوار بسيطة في أفلام مثل "نور الدين والبحارة الثلاثة"، و"شارع محمد علي"، ثم توالت الأعمال حتى إنه كان يُقدم في العام الواحد نحو 10 أفلام ومنها "المعلم بلبل"، و"عودة طاقية الإخفاء"، ليصل رصيده لنحو 100 فيلم سينمائي، بينما قدم مسلسلًا واحدًا فقط في الدراما التلفزيونية، الذي حمل اسم "ألف ليلة وليلة" .
يقول "شكوكو" عن بداياته في دخول مجال التمثيل السينمائي: "كان أول فيلم ظهرت فيه هو "أحب البلدي" إخراج حسين فوزي وبطولة أنور وجدي وتحية كاريوكا، وقدمت فيه أغنية "الحارس الله" و"ورد عليك"، وحققت شهرة كبيرة، وكنت أحصل في البداية على أدوار بسيطة جدًا، ثم حصلت على أدوار البطولة في بعض الأفلام".
شكّل شكوكو مع الفنان الراحل إسماعيل ياسين ثنائي مميز، وقدما سويًا أشهر الأفلام مثل "ليلة العيد"، وكانا أشهر دويتو يقدم المونولوج مثل "الحب بهدلة"، و"القرد"، وغيرهما، فأحب الجمهور طلتهما على الشاشة سويًا لدرجة أنهما كانا يطلبان في الأفلام ليكونا أحد عناصر نجاح العمل بأغانيهما التي تدخل البهجة على النفوس، ليكون شكوكو نجمًا صنع أسطورته في عالم الفكاهة والمونولوج بموهبته في عالم الفن رغم أنه كان أمُيا في فترة طويلة من حياته، ليرحل بعد أن تجاوز السبعين عامًا، وتظل سيرته العطرة حاضرة بأعماله وضحكته التي لا تنسى.