على مدى السنوات الثلاث الماضية يتصاعد الاهتمام في الأوساط السياسية والبحثية العالمية بوسائل اعتراض جوي تلاءم التغير في ساحة المعارك الجوية التي أعقبت الحرب الروسية الأوكرانية والتصعيد الإسرائيلي الإيراني على هامش حرب غزة، وما أثبتته المُسيَّرات الانتحارية من فعالية في استنزاف شبكات الطاقة والإمدادات اللوجيستية واستهداف القادة السياسيين والعسكريين للخصوم، وهو ما عزز الحاجة لتطوير وسائل اعتراض أرخص وأكثر كفاءة تتعامل مع تهديد المُسيَّرات التي باتت وسيلة إغراق تستنزف ذخائر الدفاع الجوي، تتمثل في أسلحة الطاقة الموجهة. وفي سياق الحرب مع "حزب الله" اللبناني، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في مايو 2025 إسقاط نحو 40 مُسيَّرة انتحارية من الجبهة الشمالية مع الحزب باستخدام مدافع ليزر في أول نشاط عملياتي فعلي، بينما أجرت العديد من الدول الغربية اختبارات على منظومات ليرز عالية الطاقة لإدماجها في الخدمة الفعلية بين أعوام 2027 و2029.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي آفاق توظيف أسلحة الليزر في مواجهة التهديدات الجوية والتحديات والعوائق التي تواجه تلك المنظومة في البيئات العملياتية المختلفة.
أنماط التوظيف
مع استمرار الاختبارات لتشغيل منظومات ليزر عالي الطاقة في بيئات عملياتية مختلفة، يسابق عدد من الدول الغربية الزمن لإدماج تلك المنظومات بريًا وبحريًا بين عامي 2027 و2029، بينما تسعى إسرائيل لنشر "الشعاع الحديدي" بحلول نهاية العام الجاري.
(*) أنظمة مستقلة: تشمل أنظمة قيد الاختبار من المخطط دمجها في أحد مجالات القتال، ويأتي في مقدمتها المجال البحري لردع التهديدات العابرة للحدود والموجهة للملاحة الدولية وممرات التجارة العالمية، حيث تخطط المملكة المتحدة، بالتعاون مع شركات إم بي دي ايه "MBDA" وليوناردو "Leonardo" وكينيتك "Qinetiq"، لدمج منظومة "دراجون فاير" على مدمرات "تايب 45" بحلول عام 2027، بينما تشير راينميتال الألمانية إلى تعاونها مع إم بي دي إيه "MBDA" لتصنيع سلاح ليزر لصالح البحرية الألمانية من المخطط أن يدخل الخدمة الفعلية على الفرقاطة "زاكسن" بحلول 2029.
وعلى صعيد المنصات البرية، تعمل أنظمة الليزر التي تنتجها شركة رايثون مع الجيش الأمريكي في الخارج منذ عام 2019، سواء كمنصات مستقلة أو مدمجة على المركبات العسكرية وطائرات الأباتشي، بما في ذلك منظومة "DE MSHORAD" قصيرة المدى، وفقًا لموقع الشركة. كما يخضع النظام للاختبار على أربع مدرعات سترايكر ضمن نطاق عمليات القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ومنذ 2018 تُطوِّر روسيا أسلحة ليزر لمواجهة تهديدات الطائرات المسيرة؛ أولها منظومة "بريزفت peresvet"، وأعلنت في سياق حرب أوكرانيا مايو 2022 عن تطوير منظومات الليزر عالي الطاقة وتجربتها في مسرح عمليات الحرب الأوكرانية إلى جانب العمق الروسي، ومنها منظومة "زاديرا Zadira" القادرة على تدمير أهدافها حتى ارتفاع 3.1 ميل حسب التصريحات الروسية (نائب رئيس الوزراء حينها يوري بوريسوف).
(*) طبقة مدمجة في منظومة متكاملة: وتشمل دمج تلك الأنظمة ضمن طبقات الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل، ويأتي في مقدمتها إسرائيل، التي تخطط لدمج منظومة "الشعاع الحديدي" في منظومتها الدفاعية بنهاية العام الجاري لتعمل في مواقع انتشار منصات صواريخ "القبة الحديدية" تحت مظلة قيادة وسيطرة موحدة تعالج بيانات التهديد الجوي وتحدد آليات اعتراضه، إما عبر الليزر وإما بصواريخ "القبة الحديدية". ويأتي على رأس المشروعات الطموحة للدفاع الجوي والصاروخي المتكامل مشروع "القبة الذهبية" الذي دفعت به إدارة الرئيس دونالد ترامب؛ لحماية أجواء الولايات المتحدة من التهديد الصاروخي للخصوم الذين يملكون قدرات صاروخية عابرة للقارات وتفوق سرعة الصوت، وتشمل طبقة فضائية وثلاث طبقات أرضية، من بينها طبقة من أسلحة الليزر.
دوافع التطوير
برزت أسلحة الطاقة الموجهة (Directed Energy Weapon systems) ضمن مبادرة الدفاع الإستراتيجي الطموحة في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان ضد التهديدات الصاروخية السوفييتية، ورغم ما أثارته تلك المبادرة من انتقادات ووصفها بـ"حرب النجوم"، إلا أنها احتفظت بطابعها الإستراتيجي في أوساط دوائر السياسية الأمريكية، خصوصًا مع تبني الإدارة الجمهورية الحالية مبادرة دفاعية متكاملة لحماية السماء والأراضي الأمريكية انطلاقًا من الفضاء الخارجي عبر سلسلة من القدرات التسليحية المختلفة؛ في إطار ما يُعرف بـ"القبة الذهبية".
وعلى وقع التحديات العملياتية التي خلَّفها الاعتماد المتزايد على الطائرات المُسيَّرة في ساحات المعارك من أوكرانيا وغزة إلى إيران واليمن والسودان، بات الاتجاه لتطوير أسلحة الطاقة الموجهة جزءًا رئيسيًا من منظومات الدفاع الجوي في المدى المنظور، وتضمين ذلك في رؤى ووثائق الدفاع الاستراتيجي.
(&) مواجهة التهديدات المركبة: يبدو أن الدافع الرئيسي لتطوير أسلحة الليزر في عدد من الدول- من بينها إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة والصين وبريطانيا وألمانيا- هو مواجهة مجموعة من التهديدات التي كشفت عنها تكتيكات الحرب الروسية الأوكرانية التي سرَّعت من الحاجة لتطوير تلك الأنظمة لمواجهة تهديد المُسيَّرات الانتحارية التي تمثل العمود الرئيسي في عمليات إغراق الدفاعات الجوية بوسائل قتالية صغيرة الحجم ورخيصة التكلفة، لإحداث فجوات قاتلة في منظومات الدفاع الصاروخي للدولة المُستهدَفة واستنزاف ذخائرها؛ تمهيدًا للهجوم الجوي والصاروخي الرئيسي. وتكمن أهمية تطوير منظومات الليزر في معالجة تلك التهديدات عبر إعمار أجهزة الاستشعار بوسائل تناسب طبيعة التهديد بكفاءة وفعالية وهامش خطأ ضئيل، خاصة إذا ما عملت تحت مظلة منظومة دفاعية متعددة الطبقات تحت قيادة وسيطرة موحدة تحلل طبيعة التهديدات والآليات الملائمة لاعتراضها، ومنها تتبع واعتراض الصواريخ بسرعة تعادل سرعة الضوء قبل توجهها للهدف. وأعلنت إسرائيل، نهاية مايو 2025، إسقاط نحو 40 مُسيَّرة انتحارية على الحدود الشمالية مع لبنان باستخدام مدافع ليزر. وتستخدم أسلحة الليزر في تأمين مجموعة واسعة من الأهداف الحيوية، في مقدمتها القواعد والأصول العسكرية والبحرية والبنية التحتية الحيوية، وصولًا لتأمين الأقمار الاصطناعية في الفضاء الخارجي.
(&) معالجة نقاط الانكشاف (سلاسل الإمداد): يمثل استهداف سلاسل الإمداد العسكرية تهديدًا حرجًا في أوقات النزاع، مما يعرض الدولة المُستهدَفة للانكشاف ويعرقل خططها الدفاعية في مواجهة أي هجوم جوي من خلال قطع خطوط الإمداد أو تدمير البنية التحتية الحيوية المعنية بإنتاج وتخزين الذخائر الدفاعية. ومن هذا المنطلق فإن الاعتماد المستقبلي على الليزر عالي الطاقة سيُقلِّص من الضغط على اللوجيستيات والإمدادات والتصنيع العسكري؛ بتقليص الاعتماد على توفير الذخائر القاتلة وتعزيز المدى العملياتي دون الحاجة لإعادة الإمداد بالذخائر.
(&) التكلفة والعائد: يخدم إدماج أسلحة الليزر عالي الطاقة في منظومات الدفاع الجوي بالمنصات الأرضية والبحرية والجوية وحتى الفضاء الخارجي، في تقليص تكلفة إعادة ملء وإمداد الذخائر في الدفاعات الصاروخية التقليدية. وتشير صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن تكلفة الاستهداف بالليزر من منظومة "الشعاع الحديدي" تبلغ 0.5 دولار مقابل 50 ألف دولار لصاروخ منظومة "القبة الحديدية". وفي المقابل تبلغ تكلفة الاستهداف الواحد من منظومة "دراجون فاير" البريطانية نحو 10 جنيهات إسترلينية مقابل الاعتراض الصاروخي الذي يُكلِّف مئات الآلاف من الجنيهات، حسب موقع حكومة المملكة المتحدة.
تحديات متعددة
على الرغم مما تتنبأ به أسلحة الطاقة الموجهة من تحولات ثورية في ساحة المعارك عبر تقليص النفقات على إنتاج الذخائر ومعالجة انكشاف سلاسل الإمداد العسكرية، إلا أنها ومنذ بدء الاهتمام الأمريكي بها في ستينيات القرن الماضي وحتى بدء التجارب على سفن يو إس إس بونس في 2014، لا تزال أسلحة الطاقة، وعلى رأسها منظومات الليزر عالي الطاقة، تواجه تحديات فنية وعملياتية وأخرى مناخية قد تُحِد من فعاليتها، رغم قرب إدخالها للخدمة الفعلية كمنصات مستقلة وأخرى مدمجة في الوحدات البرية والبحرية.
(-) تحديات تقنية: لا تزال برامج تطوير أسلحة الليزر تحرز تقدمًا خجولًا في مستويات الطاقة الموجهة بين 50 و150 كيلووات، تبدو ملائمة نسبيًا لاستهداف الأهداف الجوية على مديات قصيرة، كآلية لتحقيق فعالية دفاعية أكبر أمام الطائرات المُسيَّرة والصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون وبتكلفة أقل من ذخائر الدفاع الجوي المختلفة. ويشير موقع الكونجرس الأمريكي إلى أن وزارة الحرب (وزارة الدفاع سابقًا) تخطط لتعزيز مخزون الطاقة الموجهة في أسلحة وبرامج الليزر بمستويات 500 كيلو وات في السنة المالية 2025، وصولًا إلى 1 ميجا وات خلال العام المالي 2026. ولا تزال صعوبات تخزين واستخدام كميات كبيرة من الطاقة مع تعزيز كفاءة تبريد تلك المنظومات المدمجة يقلِّص آمادها، ويعرقل دخولها الخدمة في المعارك الجوية والتي من المخطط أمريكيًا أن يتم إدماجها مستقبلًا على مقاتلات الجيل الرابع من طراز إف-15، وصولًا إلى مقاتلات الجيل السادس.
(-) صعوبات عملياتية: لا تزال الكثير من الأنظمة قيد الاختبار في الولايات المتحدة لتعزيز فعاليتها العملياتية من أجل مواجهة مختلف التحديات، خاصة ما تأثر من خطط تطوير تلك المنظومات بجائحة كورونا. ففي الولايات المتحدة أثبتت اختبارات أولية لمنظومة "دي إي إم-شوراد DE M-SHORAD" في يوليو 2025، فعالية في إسقاط الطائرات المسيرة غير المأهولة، بينما لم تنجح في إسقاط واعتراض قذائف الهاون، فيما قلل جنود القيادة المركزية الأمريكية من فعالية المنظومة التي أُرسلت مدمجة على 4 مركبات سترايكر مدرعة في فبراير 2024، في تباين واضح بين مدى فعاليتها في المختبر عن التجارب الميدانية في بيئة العمليات. كما أن المهاجمين قد يستهدفون أنظمة القيادة والسيطرة أو أنظمة الاستشعار المدمجة على المنصات الأرضية التي تتحكم في تلك الأنظمة.
وتكمن التحديات العملياتية بالنسبة لأسلحة الليزر في تعاملها مع هدف واحد في كل استهداف، وهو ما يقلص فعاليتها خاصة في مسارح العمليات البحرية الكبرى التي لا تزال أكثر هشاشة في مواجهة مهددات الملاحة في الممرات الحيوية حول العالم.
(-) عوامل الطقس: يمثل عامل الطقس بعدًا مؤثرًا على مدى فعالية أسلحة الليزر والتي تتطلب وجود مسار رؤية واضح تجاه الهدف واستمرار التوجيه عليه في وجود طقس صافي بدون سحب أو ضباب أو أدخنة أو أمطار أو أنظمة تشويش وإجراءات مضادة من مُوجِّه الهدف المعادي (وهي الطائرات المسيرة في تلك الحالة).
وإجمالًا؛ تدفع الضرورة العملياتية باتجاه سرعة دمج منظومات تسليح الطاقة الموجهة وعلى رأسها أسلحة الليزر عالي الطاقة للتصدي للتهديدات الجوية التي تعتمد تكتيك الإغراق لأنظمة الدفاع الجوي بالدولة المستهدفة. ولا تزال مشروعات تطوير أسلحة الليزر في مراحلها الأولى نتيجة صعوبات تخزين واستخدام كميات كبيرة من الطاقة في منظومات صغيرة يمكن إدماجها على نظم التسليح البرية والبحرية والجوية.