الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

عام على الحرب.. ما دور شركات الفضاء في الهجمات الأوكرانية المضادة على روسيا؟

  • مشاركة :
post-title
جندي أوكراني بجوار هوائيات ستارلينك ـ أرشيفية

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

أعلنت شركة "سبيس إكس"، التابعة لرجل الأعمال الأمريكي المثير للجدل إيلون ماسك، فبراير الجاري، أنها حدت من قدرة الجيش الأوكراني على استخدام هوائياتها في تنفيذ عمليات هجومية ضد روسيا، إذ كانت الشركة الداعم غير الحكومي الأبرز لأوكرانيا في أعقاب قطع الاتصالات عن كييف، عبر إرسال أقمارها الصناعية ذات المدارات المنخفضة بمقابلة أراضي العمليات.

القرار يلقي الضوء على مشاركة شركات التقنية العاملة بالفضاء الخارجي، في دعم وإسناد العمليات العسكرية وقدرتها على تحديد مسارات الحروب في المستقبل، خاصة مع إعلان أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، السبت 18 فبراير 2023، إجراء محادثات مع ماسك، رافضًا الإفصاح عما دار فيها.

خدمات متنوعة

لم تكن تلك المرة الأولى التي تتخذ فيها "سبيس إكس" موقفًا متحفظًا من دعم الجانب الأوكراني في الأزمة الراهنة، فقد أعلن مالك الشركة إيلون ماسك، أكتوبر الماضي، أن شركته لا تستطيع تحمل تكاليف الاستمرار في دعم كييف بهوائيات ومستقبلات "ستارلينك" دون مقابل، مشيرًا إلى تكبد الشركة 80 مليون دولار من ذلك الدعم، منذ إعلانه تفعيل الخدمة في 27 فبراير 2022، على خلفية "الحرب الروسية الأوكرانية"، التي بدأت قبل ذلك الإعلان، بثلاثة أيام وأثرت في قدرة تأمين الاتصالات بأوكرانيا. لكن تلك الأزمة خفتت بعدما تدخل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" لضمان استمرار تقديم الخدمة.

وفي 27 من أكتوبر الماضي، وجه قسطنطين فورونتسوف، مسؤول كبير بوزارة الخارجية الروسية "نائب مدير إدارة عدم الانتشار والرقابة على التسلح"، تحذيرًا من تحول شركات الأقمار الصناعية ذات الأغراض التجارية المدنية خاصة "سبيس إكس" و"ماكسار"، إلى أهداف مشروعة للجيش الروسي في ضوء خدمتها للجيش الأوكراني. ويمكن الإشارة لخطورة القدرات التي تمتلكها شركات التقنية وبصفة خاصة الشركات العاملة في مجال الفضاء، على النحو التالي:

صورة التقطتها "ماكسر" لقاعدة إنجلز الروسية قبل هجوم 5 ديسمبر الماضي

(*) الصور الفضائية عالية النقاء والدقة: تمثل أولى المهام الحرجة التي تمتلك شركات الفضاء التجارية تقديمها، الصور الفضائية لمواقع وتمركزات قوات موسكو، بجانب استخدام تلك الصور في إثبات أو دحض روايتها، خاصة الاتهامات بشأن تنفيذ جرائم حرب في ميدان المعارك. وعلى رأس تلك الشركات التي لعبت دورًا في دعم أوكرانيا بالأزمة الراهنة، شركات "ماكسر وبلانيت" الأمريكيتين، و"ICEYE" الفنلندية. وبدأ استخدام تلك الصور قبل اندلاع ما أطلقت عليه روسيا "عملية عسكرية خاصة"، في تقدير حركة الجيش الروسي وحجم الحشود على الحدود البيلاروسية الأوكرانية، التي ظهرت منذ نوفمبر 2021. تستخدم بعض شركات التصوير الفضائي أقمار Synthetic" Apreture Radar"، التي تمكنها من التقاط صور دقيقة في مختلف الظروف الجوية بمناطق الضباب والغيوم وقادرة على تصوير نطاقات صغيرة وأماكن مغلقة، مثل مخازن الأسلحة والمعدات والذخائر العسكرية.

(*) توفير الاتصالات المدنية والعسكرية: توفير الاتصالات عبر آلاف الأقمار الصناعية للجانب الأوكراني، لم تخدم فقط المدنيين، بل إنها حافظت على توفير شبكة مؤمنة للاتصالات بين القيادتين السياسية والعسكرية، وبين الرئيس الأوكراني وحلفائه الغربيين، إذ قدمت واشنطن لـ زيلينسكي هاتفًا يعمل بالقمر الصناعي.

(*) توجيه الأهداف: أعلنت جرين شوتويل، الرئيسة التنفيذية لـ"سبيس إكس"، 8 فبراير الجاري، أن الشركة اتخذت خطوات للحد من قدرة الجانب الأوكراني على استغلال خدمة ستارلينك للإنترنت في التوجيه والتحكم بالطائرات المُسيّرة، خلال المواجهات الجارية مع روسيا في شرق وجنوب البلاد. وبحسب وكالة رويترز، قالت "شوتويل" في حديث مع الصحفيين بواشنطن، إن أوكرانيا استخدمت خدمة الإنترنت المزودة من الشركة في تحديد نقاط تجمع القوات الروسية وتوجيه الأسلحة بعيدة المدى، وإلقاء القنابل، بالمخالفة لاتفاقها مع كييف على استخدام خدماتها لأغراض إنسانية تشمل توفير الإنترنت للمستشفيات والبنوك والأسر الأوكرانية المتضررة من الأزمة الراهنة.

وتشير مجلة "الإيكونوميست" إلى أمثلة استخدام الجنود الأوكرانيين لأقمار "ستارلينك" في تحديد الأهداف لقطع المدفعية وللهجمات بالطائرات المُسيّرة، من خلال التواصل مع القادة عبر الهواتف الذكية وإرسال صور الأهداف المحتملة على مجموعة اتصال خاصة بقادة المدفعية، لتقلي أوامر كيفية التعامل مع ذلك الهدف. ومن المهم الإشارة إلى أن تلك العملية لا تأخذ سوى ثوان معدودة، نظرًا لدوران أقمار ستارلينك على مدار قريب من الأرض يقدر بنحو 550 كم، خلافًا لأقمار الاتصالات الكبيرة، التي تكون على مسافة 36 ألف كم.

تحول خطير

لإلقاء الضوء بشكل أكبر على صعود الفاعلين من غير الدول "حالة الشركات الخاصة" في استعراض القوة عبر الفضاء الخارجي، يمكن ملاحظة الطفرة في مجالات أبحاث الفضاء والاستغلال التجاري له، لما يزيد على 10 آلاف شركة في 2021، حسب مجلة "فوربس"، منها نحو 52% شركات أمريكية تتصدرها شركات سبيس إكس لإيلون ماسك، وبلو أوريجين لمالك أمازون جيف بيزوس وجالاتك، يليها دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وروسيا ثم الصين والهند.

وبالعودة إلى دور شركات الفضاء الخاصة في الميدان الأوكراني يتضح أنها تلعب دورًا مزدوجًا بالغ الحساسية، فمن جهة تمثل قدراتها ثنائية الاستخدام عاملًا مهمًا في تغيير موازين القوى على الأرض بالاعتماد على مزيج من الخدمات الفضائية التجارية، ويمكن رؤية ذلك التحول في العوامل التالية:

(#) كفاءة منظومة الاتصالات: فعلى صعيد توفير الاتصالات المؤمنة في أوقات الحروب والنزاعات، يبرز دور "ستارلينك" في توفير خدمة الاتصال السريع بالإنترنت، عبر آلاف من الأقمار الصغيرة ذات المدار المنخفض والتغلب ولو نسبيًا على عمليات الإعاقة والتشويش أو حتى الهجمات الصاروخية على أقمار الاتصالات الكبيرة، التي يسهل استهدافها على غرار قطع الاتصالات خلال الساعات الأولى للحرب.

مسيرة الاستطلاع السوفييتية تو-141 إس

(#) انخفاض التكلفة: يتمثل في قدرة تلك المنظومة مُنخفضة التكلفة على توجيه عمليات هجومية على أهداف عالية القيمة أمثال القطع البحرية "طراد موسكوفا"، والبنية التحتية العسكرية في العمق باستخدام طائرات مُسيّرة ومعدات عسكرية بعضها متقادم على غرار مسيرة الاستطلاع السوفيتية "Tu-141s"، التي شاركت في استهداف قاعدة إنجلز للطيران الاستراتيجي، ديسمبر 2022، بعد دمج أجهزة الملاحة الفضائية وتزويدها بحمولة متفجرة.

وعلى الرغم من وجود درجة من التنسيق بين تلك الشركات والبنتاجون، وبالتبعية تمثل إضافة مهمة في قدرات الولايات المتحدة بالفضاء، إلا أن ذلك لا يمنع من إعادة النظر في آليات التسلح للقوى العظمى أمثال الولايات المتحدة والصين، عبر الاستفادة من تلك القدرات، مما سيعزز من تحول تلك الشركات إلى فاعلين رئيسيين في سباق التسلح عبر الفضاء.

وإجمالًا؛ يشير التلويح باستهداف الأصول الفضائية التجارية، إلى احتمالية وقوع اشتباك دولي في مجال عسكري ناشئ لا يخضع لقواعد اشتباك واضحة أو محددات وقواعد دولية متفق عليها، وهو ما ظهر في رد كارين جان بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، على الجانب الروسي، بأن أي استهداف عسكري روسي للأصول الفضائية المملوكة لشركات أمريكية سيستدعي ردًا من واشنطن. وينبع الخطر من طبيعة تلك القدرات التي لا يمتلكها أغلب دول العالم في تحول شركات التقنية إلى فاعل مهم في ساحة التنافس الجيوسياسي، وإن لم تمتلك صفة الفاعل المستقل إلا أنها قد تكون عامل مرجح في المعارك الجزئية أو محفزًا للتدخل من بلدانها لحماية أصولها التجارية.