الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

قمة شنجهاي وملامح التحول نحو نظام عالمي جديد

  • مشاركة :
post-title
ناريندرا مودي يتوسط شي جين بينج وفلاديمير بوتين في قمة شنجهاي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

يأتي انعقاد القمة الخامسة والعشرين لمنظمة شنجهاي للتعاون بمدينة تيانجين الصينية يومي 31 أغسطس و1 سبتمبر 2025، في ظل تحولات مفصلية على المستويين الإقليمي والدولي، مع تنامي التحديات الاقتصادية والتنموية التي تواجه العديد من أقاليم العالم المختلفة، والتي عمقها اتجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نحو فرض رسوم وتعريفات جمركية لتعزيز نمو الاقتصاد الأمريكي. لذلك جاء تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينج، في تصريحات له سبقت القمة على أهمية توحيد بلدان الجنوب العالمي، والالتزام بالتعددية الحقيقية وتعزيز بناء نظام دولي أكثر عدالة وعقلانية.

ويثير ذلك تساؤلًا محوريًا حول مدى قدرة منظمة شنجهاي، بقيادة الدول الداعية للتحول نحو نظام عالمي جديد يكون أكثر عدالة، وفي مقدمتها الصين وروسيا والهند، على ترجمة تلك التوجهات على أرض الواقع، وهل يمكن أن تسهم منظمة شنجهاي - التي وُصفت بـ"ناتو الشرق"، وتشكل دولها ما يقرب من ربع مساحة اليابسة، وتضم نصف سكان العالم، وتسهم بنحو 23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي - في إرساء التحول نحو نظام عالمي جديد؟ أم أن الأزمات التي تواجه دول المنظمة تحول دون تحقيق ذلك الهدف؟

سياق دولي متغير

يأتي انعقاد قمة منظمة شنجهاي للتعاون في سياق دولي متغير يواجه العديد من التحديات، والتي يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(*) أزمات التنمية الدولية: يأتي انعقاد قمة منظمة شنجهاي للتعاون في ظل تنامي حالة اللايقين في الاقتصاد العالمي، لاسيما بعد سلسلة القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على عدد من الدول التي تشكل اقتصاداتها محركات رئيسية للاقتصاد العالمي، وتمثل تحديًا للأمن الاقتصادي والمالي لعدد من أعضاء المنظمة ومنها الصين والهند، وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب تجارية بين الأقطاب الاقتصادية حتى في ظل الاتجاه نحو تبني الحوار بين هذه الأقطاب للاتفاق على قواعد اقتصادية للمعاملة بالمثل.

وربما يشكل اختيار هذا العام ليكون عام التنمية المستدامة لمنظمة شنجهاي ودعم أعضائها في التحول للاقتصاد الأخضر، سعيًا من أعضاء المنظمة لتعزيز مجالات التعاون التنموي، لاسيما في مجالات الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا الطاقة، والبنية التحتية، والتمويل، لتعزيز منظومة طاقة إقليمية أكثر تكاملًا واستدامة.

(*) الإخفاق في تسوية الصراعات: يُشكل الإخفاق في تسوية الصراعات المتفجرة إحدى معضلات النظام الدولي الحالي، وأبرز التحديات التي تواجه آليات عمله، وفي مقدمتها مجلس الأمن المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين، والذي أخفق في تسوية أي من الصراعات المتفجرة على المستوى العالمي. ويأتي في مقدمة تلك الصراعات الحرب الروسية الأوكرانية، التي كانت لها تداعياتها على كافة أقاليم العالم. لذلك، جاء تأكيد الرئيس الصيني خلال افتتاح فعاليات القمة الحالية أن منظمة شنجهاي للتعاون تضطلع بمهمة تتمثل في بناء التوافق بين جميع الأطراف، وتحفيز العزم في مجالات التعاون، معتبرًا أن منتدى الأمن التابع لمنظمة شنجهاي للتعاون يقع على عاتقه مسؤولية أكبر في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليمي إلى جانب تعزيز التنمية والازدهار لدى الدول الأعضاء.

أهداف متعددة

تتنوع الأهداف التي تسعى منظمة شنجهاي للتعاون لتحقيقها، وهو ما يمكن الإشارة إلى أهمها على النحو التالي:

(-) إرساء نظام عالمي جديد: طرح الرئيس الصيني شي جين بينج، خلال قمة المنظمة العام الماضي في أستانا بكازاخستان مقترحًا من خمس نقاط لبناء وطن مشترك لمنظمة شنجهاي يتميز بالتضامن، والثقة المتبادلة، والسلام، والهدوء، والازدهار، والتنمية، وحسن الجوار، والصداقة، والإنصاف، والعدالة. وجاءت تصريحاته قبل انعقاد القمة الحالية 2025 ليؤكد على أهمية توحيد دول الجنوب العالمي، والالتزام بالتعددية الحقيقية، وتعزيز بناء نظام دولي أكثر عقلانية. وهي التصريحات التي تطابقت مع ما طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل توجهه للمشاركة في أعمال القمة، بأنه سوف يعيد إحياء فكرة نظام عالمي متعدد الأقطاب، مشيرًا إلى أن اجتماعه مع الرئيس شي جين بينج في قمة منظمة شنجهاي للتعاون لابد أن يؤدي إلى زخم قوي إضافي في تشكيل هذا النظام العالمي.

(-) توسيع عضوية المنظمة: اتسعت عضوية منظمة شنجهاي للتعاون لتتجاوز القارة الآسيوية باتجاه أوروبا والشرق الأوسط. وتمثل قمة هذا العام أكبر تجمع من حيث الحجم منذ تأسيسها، فقد واصلت المنظمة توسيع عضويتها وشراكاتها، وحصلت إيران وبيلاروسيا على العضوية الكاملة في عامي 2023 و2024 على التوالي، ليصل عدد الدول الأعضاء إلى عشر دول، ودولتين مراقبتين هما أفغانستان ومنغوليا، و14 شريك حوار.

(-) تعزيز النفوذ الدولي: هدفت منظمة شنجهاي للتعاون منذ تأسيسها إلى إحداث توازن مع المنظمات الغربية، وتعزيز التعاون في مجالات السياسة، والأمن، ومكافحة الإرهاب، وتنمية الروابط التجارية والاقتصادية بين الدول الأعضاء. وينظر الرئيسان الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين إلى المنظمة كمنصة لتعزيز نفوذهما ومواجهة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية.

وجاءت مشاركة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في فعاليات القمة، حيث تعد الزيارة الأولى لمودي إلى الصين منذ ما يقرب من سبع سنوات، جنبًا إلى جنب مع الرئيسين شي وبوتين. وقد انعكس ذلك على لقائه بالرئيس الصيني على هامش القمة، وتأكيدهما على أهمية التعاون بين البلدين اللذين يمثلان معًا 2.8 مليار نسمة، في شراكة أطلق عليها الرئيس الصيني "رقصة التنين والفيل"، كما تطرقا إلى التقدم المطرد منذ العام الماضي على مستوى العلاقات وأجواء السلم والاستقرار السائدة حاليًا. وأعرب مودي عن التزام نيودلهي بتحسين العلاقات مع بكين، والتوصل إلى اتفاق بين البلدين بشأن إدارة المناطق الحدودية المتنازع عليها، واستئناف الرحلات الجوية التي تم تعليقها بين الجانبين في عام 2020.

مجمل القول؛ تسعى الصين لتعزيز هدفها للتحول نحو نظام عالمي جديد، من خلال أدوارها المتنامية في منظمة شنجهاي للتعاون، وكذلك تجمع البريكس، لتشكيل مسار تنموي بديل للنموذج التنموي الغربي، الذي يعتبره البعض السبب الرئيسي في أزمات الاقتصاد العالمي المتتالية؛ بسبب تركز الثروات في مجتمعات على حساب مجتمعات أخرى.

يُضاف إلى ذلك انتهاج الشراكة الاستراتيجية مع روسيا الراغبة أيضًا في هذا التحول، لاسيما أن الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا تعد أحد مرتكزات التحول إزاء التعددية القطبية، وهي الشراكة التي تم تدشينها خلال القمة التي عقدت بين الرئيس الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين في 4 فبراير 2022، على خلفية المشاركة في انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين. وقد اعتُبر البيان الصادر عن القمة محطة فارقة في العلاقات بين البلدين، لوضعه ركائز الشراكة بين روسيا والصين، وعزمهما العمل معًا ضد الهيمنة الأمريكية، والسعي لبناء نظام دولي جديد يقوم على أساس رؤيتهما الخاصة لحقوق الإنسان، والديمقراطية، ومنظومة القيم العالمية التي تشكل الإطار الداعم للنظام الدولي متعدد الأقطاب.

وربما يحتاج ذلك التحول لفترة انتقالية ما بين عالمين مختلفين في القواعد والمؤسسات والقيم، وهو بلا شك لن يكون انتقالًا يسيرًا، لإدراك القطب المهيمن على تفاعلات النظام الدولي تداعيات ذلك على مصالحه ومكانته العالمية؛ لذلك من المحتمل أن تكون للمواجهة ما بين ذلك القطب والأقطاب الجديدة الرامية للتغيير نحو التعددية القطبية تكلفتها على الاستقرار والتنمية، حتى يتمكن النظام الدولي الجديد من فرض قواعده وقيمه ومؤسساته، لتعود دورة الاستقرار من جديد.