خلال الفترة من 1 إلى 3 سبتمبر 2025، تستضيف القاهرة الاجتماع الرسمي الثالث لمجموعة العمل الخاصة بقضايا الأمن الغذائي التابعة لمجموعة العشرين؛ مما يُمثل حدثًا استثنائيًا أن ينعقد اجتماع المجموعة خارج نطاق دولها الأعضاء، وهو ما يوضح الثقل الإقليمي للقاهرة ودورها المحوري في منطقة الشرق الأوسط، فهذا الاجتماع يتناول قضية أساسية تتمثل في تحقيق الأمن الغذائي، وبالتالي سيخرج بقرارات تؤثر بالإيجاب على دول العالم أجمع.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على المحاور التي تطرق إليها الاجتماع، وانعكاساته على مستقبل الأمن الغذائي.
محاور استراتيجية
(-) إزالة ضغوط الحكومات: أشار وزير المالية المصري "أحمد كجوك" إلى أن الحكومات حول العالم تواجه ضغوطًا هائلة؛ بسبب اضطرابات سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وشح الموارد المائية، وهو الأمر الذي يُرهق المالية العامة للدول ويُعيق جهود التنمية. ويوضح شكل (1) ارتفاع مؤشر الغذاء العالمي إلى 130.1 في يوليو 2025، بالمقارنة بـ 120.9 في يوليو 2024، كما ارتفع مؤشر أسعار الطاقة العالمي إلى 166.8 في يوليو 2025، بالمقارنة بـ 55.9 في أبريل 2020.
وفي خلال ذلك، استعرض "كجوك" التجربة المصرية، وما أحدثته برامج الدعم الغذائي التي تخدم أكثر من 60 مليون مواطن، إذ أن هذه البرامج شكلت حائط صد ساهم في حماية المجتمع من تحديات الأزمات العالمية الأخيرة، فمصر تُخصص 20% من ميزانيتها السنوية لدعم الأمن الغذائي، حيث تدعم مصر السلع التموينية بنحو 165 مليار جنيه، فضلًا عن ذلك أشار وزير المالية المصري إلى أن بلاده تعمل على تطوير هذه البرامج بالاستفادة من الحلول التكنولوجية المبتكرة كالذكاء الاصطناعي.
وبالإضافة إلى ذلك، أوضح "كجوك" أن برامج التحويلات النقدية مثل "تكافل وكرامة"، تمثل أدوات الصمود؛ لتعزيز استقرار المواطن في أوقات الصعوبات، إذ أن هذه البرامج أصبحت تغطي نحو 5 ملايين أسرة.
ومن ناحية أخرى، تمت الإشارة إلى أن مصر تدعم مزارعيها من خلال الدعم المالي والمساعدة الفنية، فضلًا عن توفير الآليات الزراعية التي يستفيد منها صغار المزارعين، مع العمل على توفير الأدوات المالية اللازمة؛ لتلبية احتياجاتهم، وهو ما يسهم في رفع الإنتاجية وتخصيص موارد واستثمارات؛ لبناء البنية التحتية، مما يُعزز الأمن الغذائي.
(-) التعاون العالمي: ألقت القمة الضوء على المشاركة العالمية في تخفيف آثار مشكلات الغذاء، فقد أشار "كجوك" إلى أن العمل مع المنظمات العالمية مثل البرنامج الغذائي للأمم المتحدة والشراكات الإقليمية، ساهم في الحصول على أفضل الممارسات؛ للحفاظ على الغذاء والاستثمار الغذائي، إذ أوضح أن مصر تعتمد على هذه الشراكات في تنمية الشبكات العالمية، كما أنها تؤيد تقرير الأمم المتحدة ضد الفقر والجوع؛ للوصول إلى أمن غذائي عادل.
ففي ضوء ذلك، أوضح ممثل جنوب إفريقيا أن القاهرة وبريتوريا ستتعاونان لتحقيق رؤية واضحة لمواجهة مشكلات الأمن الغذائي، حيث إن الأمن الغذائي يُعد أولوية لمصر وجنوب إفريقيا.
(-) تحقيق الاستدامة: أوضح ممثل جنوب إفريقيا أن الاجتماعات المُقبلة للمجموعة ستبحث الاستدامة في ملف الأمن الغذائي، فلا يوجد أمن غذائي بدون طعام صحي. فالاستدامة عنصر رئيسي في دورة تحقيق الأمن الغذائي داخل الدول، إذ أنها تعني ضمان حصول الجميع باستمرار على ما يكفي من الغذاء الصحي في الوقت الحالي وللأجيال القادمة، مع حماية البيئة، وتعزيز العدالة الاجتماعية، والحفاظ على الجدوى الاقتصادية للنظام الغذائي.
انعكاسات إيجابية
(&) مساعدة الدولة النامية: أظهرت هذه القمة ما تُعانيه الدول النامية من ضغوطات في تحقيق الأمن الغذائي؛ بسبب التغيرات الجيوسياسية العالمية، والتي أثرت على اقتصادها ومخصصاتها؛ لتحقيق الأمن الغذائي، فموازنات هذه الدول تُعاني من عجز؛ بسبب انخفاض إيراداتها من السياحة والاستثمارات الأجنبية في ظل التوترات الإقليمية التي تواجهها، ولكن مع اجتماع مجموعة العشرين سيُفتح الطريق أمام التعاون الدولي؛ لدعمها في تحقيق الأمن الغذائي.
(&) انخفاض أسعار الغذاء: إن وجود تكاتف دولي على تحقيق الأمن الغذائي، ومواجهة التغيرات المناخية والأزمات التي تؤثر على هذا الملف، يعمل في الأجل المتوسط على تحقيق استقرار أسعار السلع العالمية، وهو ما ينعكس على استقرار معدلات التضخم داخل الدول المختلفة، خاصة الدول النامية.
فالاتجاه الصعودي لمعدلات التضخم داخل هذه الدول أصبح السمة الغالبة في عام 2025؛ بسبب ارتفاع أسعار واردات السلع الغذائية، وهو ما أثر على مدى توافر الأمن الغذائي للمواطنين، ولكن في ظل اجتماع مجموعة العشرين ومع وجود التعاون الدولي والتحالفات متعددة الأطراف وتبادل الخبرات، سيتعزز استقرار أسعار الغذاء العالمي.
(&) بناء خريطة إقليمية عالمية: إن التعاون بين دول مجموعة العشرين والدول العربية، سيكون بمثابة خريطة واضحة للطريق الذي ستسير عليه الدول في ملف الأمن الغذائي، إذ أن هذه القمة تُحدد الأولويات التي يستلزمها الوضع الراهن، مع وضع خطة استشرافية تواجه تحديات المستقبل في هذا الشأن، فتحقيق الأمن الغذائي لن يتحقق بالجهد الذاتي للدول، ولكن يتطلب تكاتفًا إقليميًا وعالميًا.
(&) حشد الموارد والاستثمارات: من المُحتمل بشكل كبير أن يترتب على هذا الاجتماع حشد الموارد من المؤسسات الدولية المختلفة، مع العمل على توجيه الاستثمارات نحو القطاع الزراعي، والتعامل مع تحديات المناخ، وهو الأمر الذي سيرفع القدرة التمويلية للدول؛ لتحقيق استثمار زراعي مستدام، قادر على تلبية احتياجات المواطنين والأجيال القادمة.
ومن الجدير بالذكر هنا، أنه يتوقف تحقيق العوائد الإيجابية لهذه القمة على مدى التزام الدول المشاركة فيها بتحقيق المحاور التي خرجت بها، ومدى وجود خطة تنفيذية لهذه المحاور، تُحدد المدة الزمنية والآليات التي تُنفذ بها، فمع توافر ذلك ستتحقق فوائدها بالشكل الأمثل.
وفي النهاية، يُمكن القول إن انعقاد مجموعة العمل الخاصة بقضايا الأمن الغذائي التابعة لمجموعة العشرين في القاهرة، يوضح الاتجاه الفعلي نحو تعميق التعاون مع الدول العربية والإفريقية في تحقيق الأمن الغذائي العالمي، فالبداية نحو ذلك تنطلق من دعم مجموعة العشرين للركائز التنموية لهذه الدول، خاصة في قطاع الزراعة، وهو ما سيكون له كبير الأثر على المستوى العالمي، متمثلًا في انخفاض أسعار الغذاء، ووجود سياسات بناءة نحو مواجهة تغير المناخ، تُساهم فيها مختلف الدول.
ومن ناحية أخرى، يُمثل انعقاد أعمال المجموعة في القاهرة تحولًا استراتيجيًا في رؤية مصر تجاه قضية تمس جوهر استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، كما أنه يُكرس موقعها كمنصة محورية للحوار الإقليمي والعالمي حول القضايا الزراعية والغذائية، وكفاعل إقليمي قادر على صياغة حلول مستدامة لأحد أكثر التحديات إلحاحًا في القرن الحادي والعشرين.