الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

حدود الإحلال: كيف تؤثر الأنظمة النقدية البديلة على الاقتصاد العالمي؟

  • مشاركة :
post-title
الأنظمة النقدية البديلة- تعبيرية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

منذ بداية القرن الحادي والعشرين والنظام النقدي العالمي يشهد تحولات استراتيجية بفعل التطورات التكنولوجية، الأزمات الاقتصادية المُتكررة، وتصاعد التوجهات نحو تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي كعملة مُهيمنة، وبالتالي برزت أنظمة نقدية بديلة تسعى إلى تعزيز الاستقرار المالي للدول، وتحقيق استقرار أكبر في المعاملات الدولية، من خلال توفير أدوات دفع مبتكرة تتماشى مع توجهات الاقتصاد الرقمي في العديد من الدول.

وعلى هذا النحو يكتسب تحليل هذه الأنظمة أهمية كبرى لفهم فرصها وتحدياتها وتأثيراتها المحتملة على هيكل الاقتصاد العالمي وتوازن القوى المالية.

ماهية الأنظمة البديلة

تعددت الأنظمة النقدية البديلة في النظام الاقتصادي العالمي، ومن هذه الأنظمة ما يلي:

(-) العملات الرقمية المُشفرة: هي رموز رقمية، وتعتبر نوعًا من العملات الرقمية التي تُتيح للأفراد الدفع مباشرة فيما بينهم عبر نظام إلكتروني، وليس لهذه العملات أي قيمة قانونية أو جوهرية، بل قيمتها تُستمد مما يرغب الأفراد في دفعه مقابلها في السوق، هذا على عكس العملات الوطنية التي تستمد جزءًا من قيمتها كجزء من تشريعها كعملة قانونية، ومن أشهر هذه العملات، البيتكوين وإيثريوم.

وفي عام 2024، قدرت شركة تربيل إيه TRIPLE A الرائدة في مجال المدفوعات المُشفرة أن متوسط ملكية العملات المشفرة عالميًا بلغ 6.9%، مع وجود أكثر من 560 مليون مالك للعملات المشفرة حول العالم، فكما يوضح الشكل (1) يتضح الاتجاه التصاعدي نحو امتلاك هذه العملات في مختلف دول العالم، فقد بلغت أعلى نسبة في الإمارات (31%) تليها سنغافورة (24.4%)، ثم تركيا (19.3%)، ثم الأرجنتين (18.9%)، ثم باقي الدول التي يوضحها الشكل.

ومن الجدير بالذكر هنا أن معدل النمو السنوي لملكية العملات المشفرة يبلغ 99%، وهو ما يتجاوز بكثير معدل نمو طرق الدفع التقليدية، والذي يبلغ في المتوسط 8% من عام 2018 إلى عام 2023، وهو الأمر الذي يوضح أنها أصبحت نظام نقدي بديل في الاقتصاد العالمي.

الشكل (1 ) يوضح نسبة مالكي العملات المشفرة في العديد من الدول بالنسبة لعدد السكان

(-) العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs): هي أشكال رقمية من العملة الورقية للدولة، تصدرها وتُنظمها البنوك المركزية، وتُحدد الحكومات قيمتها، وبالتالي هي تختلف عن العملات المُشفرة اللامركزية والمُتقلبة، ونتيجة لذلك باتت العديد من الدول تعمل بنشاط؛ لتطوير العملات الرقمية للبنوك المركزية؛ نظرًا لدورها في توسيع المعاملات المالية وخفض التكاليف وتحقيق الاستقرار النقدي داخل الدول.

وهناك نوعان من هذه العملات، هما الجملة والتجزئة، فالجملة تختص بالمؤسسات المالية التي تستخدم العملات الرقمية للبنوك المركزية، بينما يستخدم المستهلكون والشركات العملات الرقمية للبنوك المركزية بالتجزئة.

ويتضح الاتجاه المُتزايد من قبل الحكومات على استخدام مثل هذه العملات، بأن هناك 49 مشروعًا تجريبيًا للعملات الرقمية للبنوك المركزية حول العالم، وقد أطلقت ثلاث دول عملتها الرقمية بالكامل، وهي جزر البهاما وجامايكا ونيجيريا، كما يُعزز البنك المركزي الأوروبي خطة إطلاق اليورو الرقمي؛ بهدف تنشيط دوره دوليًا، وبالمثل يروج بنك الشعب الصيني لليوان الرقمي كجزء من استراتيجيته لنظام عملة متعددة الأقطاب.

الشكل (2) يوضح حجم تداول اليوان الصين والنيرة الإلكترونية في عامي 2023 و2024-المصدر: المجلس الأطلسي

وفي هذا النطاق لا يزال اليوان الرقمي (e-CNY) أكبر عملة رقمية تجريبية للبنك المركزي في العالم، فكما يوضح الشكل (2) في عام 2024 بلغ إجمالي حجم المعاملات 7 تيريليونات يوان صيني (986 مليار دولار أمريكي) في 17 منطقة إقليمية، شملت قطاعات التعليم والرعاية الصحية والسياحة، ويتضح الاتجاه التصاعدي في الصين من أن هذا الرقم يُعتبر أربع أضعاف الرقم الذي حُقق في عام 2023، والبالغ 1.8 تريليون يوان (253 مليار دولار أمريكي).

الشكل (3) يوضح إجمالي حجم تداول الدولار الرملي في باهاما والرويبة الإلكترونية في الهند في عامي 2023 و2024-المصدر: المجلس الأطلسي

ويلي اليوان الرقمي في الصين الروبية الإلكترونية الهندية، التي ارتفع حجم معاملاتها في مارس 2025 إلى 10.16 مليار روبية (28 مليون دولار)، بالمقارنة بـ 2.34 مليار روبية (28 مليون دولار) في عام 2024، أي بزيادة قدرها 334%، وهو ما يوضح أن بنك الاحتياطي الهندي يعمل على توسيع نطاق عملات البنوك المركزية الرقمية (CBD) لكل من البيع بالجملة والتجزئة.

(-) الأنظمة الإقليمية والدولية البديلة: هي الأنظمة التي تنشأ عادةً من خلال التكتلات الاقتصادية والتمويلية، مثل حقوق السحب الخاصة (SDRs) في صندوق النقد الدولي، التي تتكون من سلة عملات (الدولار، اليورو، اليوان، الين، الجنيه الإسترليني) وتستخدم كاحتياطيات دولية، كما أن هناك مبادرات بريكس التي تعمل على تطوير أنظمة دفع مشتركة بالعملات المحلية، مما يُقلل من الاعتماد على نظام التحويلات العالمية "سويفت" والدولار.

تأثيرات محورية

هناك العديد من التأثيرات للأنظمة النقدية البديلة على الاقتصاد العالمي، والتي تتمثل في:

(-) إضعاف هيمنة الدولار الأمريكي: إن استخدام الأنظمة النقدية البديلة مثل اليوان الرقمي، والروبية الإلكترونية أو التسويات بالعملات المحلية يعمل على تراجع الاعتماد الكبير على عملة الدولار في المعاملات الدولية، أو على الإقبال عليه كعملة احتياطية، وهو ما يُقلل من استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للدولار في نفوذها السياسي والاقتصادي العالمي، واستخدام ذريعة العقوبات على الاقتصادات، مما سيكون له أثر كبير على التطور الاقتصادي داخل العديد من الدول.

(-) إعادة تشكيل النظام المالي الدولي: شكلت العملات الرقمية عصرًا جديدًا من شبكات الدفع الرقمية، حيث يشهد العالم عملية رقمنة مُتسارعة، فمع صعود التجارة الإلكترونية وتقنيات الدفع الرقمي، وظهور العملات الرقمية إلى جانب تقنية البلوك تشين التي تُسجل المعاملات بالعملات الرقمية عبر شبكة من أجهزة الكمبيوتر، سيصبح النظام المالي أكثر بساطة مع رقمنته.

فهذه المُستحدثات ستعمل على تحسين الابتكار المالي، لاسيما من خلال تحسين كفاءة الأنظمة المالية المحلية أو الدولية أو أنظمة الدفع متعدد الأطراف، وهو الأمر الذي يُقلل من الاعتماد على البنوك التجارية في التسويات الدولية، حيث يسهم النمو في العملات الرقمية في ظهور ابتكارات جديدة في المنتجات والخدمات المالية، فالتمويل اللامركزي (Defi) يعمل على خلق بيئة ديناميكية وتنافسية مقارنة بالنظام المالي التقليدي.

(-) استفادة الدول النامية: تستفيد الدول النامية بشكل خاص من تطور النظام النقدي العالمي، وتعدد بدائله، بشكل يُعزز من سيادتها النقدية، فالاعتماد على العملات المحلية أو العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) تُقلل الحاجة من الاحتفاظ باحتياطيات ضخمة من الدولار، وهو ما يحميها من الضغوط المرتبطة بسعر الصرف والاعتماد على قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

ومن ناحية أخرى يُحفز دخول العملات الرقمية والأنظمة البديلة الدول النامية على تطوير البنية التحتية الرقمية، وهو ما يتيح فرصًا لرواد الأعمال والشركات الناشئة.

(-) مخاطر على الاستقرار المالي: على الرغم من المزايا المتعددة للعملات الرقمية، إلا أن التوسع في استخدامها بدون ضوابط حاكمة، يُهدد الاستقرار المالي العالمي، فالعملات المشفرة بشكل خاص تتسم بتقلبات سعرية كبيرة، بشكل يؤثر على الاستقرار المالي، إذ إن تأثير التذبذب في قيمة الأصول سيكون كبيرًا على المستثمرين، مما يضر بالنظام المالي.

فرص وتحديات

يُحيط بالأنظمة النقدية البديلة مجموعة من الفرص والتحديات التي تتمثل في الآتي:

أولاً: الفرص

(-) القدرة على تحسين الكفاءة: تعمل العملات الرقمية على تسريع المدفوعات عبر الحدود من خلال الاستغناء عن الحاجة إلى الوسطاء متعددين، مع وجود تقنية البلوك تشين، وهو ما يعمل على تسريع المعاملات.

بالإضافة إلى ذلك تعمل العملات المشفرة على خفض الرسوم، إذ إنه غالبًا ما تنطوي عملية إرسال الأموال دوليًا عبر البنوك على تكاليف باهظة وأوقات انتظار طويلة، أما العملات المشفرة تعمل على إجراء هذه التحويلات بشكل أسرع وأقل تكلفة، مما يُحسن كفاءة النظام المالي العالمي.

(-) تحسين الشمول المالي: إن استخدام العملات الرقمية، خاصة في الدول النامية، يُتيح الفرص نحو تعزيز الشمول المالي، إذ أنه في ظل الأنظمة النقدية التقليدية لا يستطيع العديد من الأفراد الوصول إلى الخدمات المالية، مما يحد من قدرتهم على الإدخار وإجراء المعاملات، وعلى النقيض يُمكن الوصول إلى العملات الرقمية باستخدام الهاتف المحمول واتصال الإنترنت فقط.

ثانياً: التحديات

(-) مخاطر الأمن السيبراني: يرتبط هذا التحدي بالعملات المشفرة التي تتسم باللامركزية، وطبيعة عملها خارج الهياكل المصرفية القائمة، وعدم توافقها مع اللوائح الحالية، وذلك على عكس الأنظمة المالية التقليدية التي تتبع قواعد صارمة.

وعليه فالطبيعة شبه المجهولة للعملات المشفرة تجعلها صعبة التتبُع، وبالتالي يصعب التحقُق من استخدامها في عمليات غير مشروعة مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

(-) صعوبة إدارة الاقتصاد الكلي: إن تطبيق الأنظمة اللامركزية في النظام المالي العالمي، يعمل على خلق تحديات للسياسة النقدية التقليدية التي تستخدمها البنوك المركزية؛ لإدارة أسعار الفائدة والسيطرة على معدلات التضخم.

فعادة ما تستخدم البنوك المركزية المعروض النقدي؛ للسيطرة على الاقتصاد، وبالتالي مع التوسع في استخدام العملات المشفرة أو العملات المستقرة بواسطة سلاسل الكتل، فقد تجد البنوك المركزية صعوبة في تنظيم المعروض النقدي، كما يصعب إدارة التضخم والحفاظ على استقرار الاقتصاد.

وفي حين أن العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs) يُمكن أن تساعده في السيطرة على الأموال الرقمية، إلا أنها تُشكل تحديات خاصة بالموازنة بين الخصوصية والحاجة إلى الرقابة، فالعملات الرقمية كما تم التنويه تنطوي على مخاطر أمن سيبراني، وقد وضعت البنوك طرقًا للتعامل مع الاحتيال واختراق البيانات، إلا أن العملات الرقمية تواجه مشاكل مثل التصيد الاحتيالي والبرامج الضارة التي تستهدف المحافظ والبورصات الرقمية والتي لا يُمكن حلها بالطرق التقليدية.

وفي النهاية يُمكن القول إن تحديث الأنظمة النقدية بدافع التطورات التكنولوجية المتلاحقة، لم تعُد مجرد محاولات هامشية، بل أصبح توجهًا مُتسارعًا يعكس تحولات عميقة في بنية الاقتصاد العالمي، فظهور العملات الرقمية للبنوك المركزية، وانتشار العملات المشفرة، وتنامي المبادرات الإقليمية للدفع والتسوية، يُشير إلى الانتقال التدريجي من نظام مالي أحادي القطبية إلى نظام مالي متعدد لامركزي.

وعلى الرغم ما تنطوي عليه هذه الأنظمة البديلة من زيادة الشمول المالي وتعزيز سيادة الدول النامية، إلا أنها تنطوي أيضًا على تحديات متعلقة بالثقة والتنظيم والأمن السيبراني، وعليه فإن المستقبل المالي العالمي لن يهدم الأنظمة المالية التقليدية، بل سيُحقق نوع من التنافس بينها وبين الأنظمة البديلة، مع ميل تدريجي نحو موازنة النفوذ بين القوى الاقتصادية الكبرى.