الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تأثير قمة ألاسكا على لقاء ترامب بالقادة الأوروبيين

  • مشاركة :
post-title
لقاء ترامب بالقادة الأوروبيين

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

على خلفية انعقاد القمة الأمريكية الروسية بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا، 15 أغسطس 2025، لبحث تسوية الصراع الروسي الأوكراني، جاء لقاء الرئيس ترامب مع عدد من القادة الأوروبيين في واشنطن، 18 أغسطس 2025، هم: الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والمستشار الألماني فريدريش ميرز، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ومارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي. ويأتى هذا اللقاء ليعكس حجم التحدي الذي يُشكله الصراع الروسي الأوكراني للأمن الأوروبي، وكشفت الحرب عن هشاشته وعدم قدرة القارة الأوروبية عن مواجهة تداعياته المعقدة من دون مساندة أمريكية. وهو الأمر الذي يدركه الرئيس الأمريكي ترامب، ويسعى لتوظيفه لخدمة شعاره الرئيسي أمريكا أولًا تجلى في سعيه لتسوية شاملة للصراع خلال قمة ألاسكا برغم أنها لم تسفر عن وقف إطلاق النار، لكنها مهدت لإمكانية تحقيق اختراق في ملفي الضمانات الأمنية وتبادل الأراضي التي تعتبرها روسيا مفتاحًا محوريًا لتسوية الصراع.

أهداف أوروبية

تنوعت أهداف القادة الأوروبيين من لقائهم بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقب القمة التي عقدها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويمكن الإشارة إلى أهم تلك الأهداف على النحو التالي:

(*) مناقشة مخرجات قمة ألاسكا: تمثل مناقشة مخرجات قمة ألاسكا التي عُقدت بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، 15 أغسطس 2025، أحد أهداف لقاء ترامب بالقادة الأوروبيين، لا سيّما وأن ثمة رؤية أوروبية تبلورت منذ وصول الرئيس ترامب سُدة الحكم بأن الأمن الأوروبي أضحى على المحك في ظل التقارب الأمريكي الروسي، وانطلاق مفاوضات بين الجانبين لمناقشة أوجه التعاون بينهما وتبادل الآراء حول تسوية الصراع الروسي الأوكراني من دون مشاركة أوروبية في بداية تلك المفاوضات ثم مشاركة أوروبية بعد ذلك في تلك المفاوضات، التي أخفقت في التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار في ظل تعقد الصراع وتشابكه. وهو الأمر الذي دفع القادة الأوروبيين لتشكيل تحالف الراغبين قوامه ما يقرب من 30 دولة معظمها أوروبية لمساندة أوكرانيا ودعمها اقتصاديًا وعسكريًا. واقترح التحالف تشكيل قوات لحفظ السلام في أوكرانيا تهدف إلى تطمين أوكرانيا حال التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وكذلك مراقبة خطوط الهدنة بين الجانبين غير أن تعقيدات الوضع في أوكرانيا حال دون تشكيل تلك القوى. ومع انعقاد قمة ألاسكا تزايدت المخاوف الأوروبية من تبني ترامب لوجهة النظر الروسية، التي تقوم على مبادلة الأراضي مقابل السلام. وهو الأمر الذي رفضه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما أكد عقب اجتماعه مع ترامب وعدد من القادة الأوروبيين بأن إمكانية تنازل كييف عن أراضٍ لموسكو هي مسألة لم يتم بحثها في الاجتماع.

(*) دعم الأوراق التفاوضية لأوكرانيا: يُشكل الوجود الأوروبي المتنوع خلال القمة الأمريكية الأوروبية دعمًا للأوراق التفاوضية الأوكرانية وكذلك الحد من ضغوط ترامب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقبول بخطة سلام شاملة مفتاحها الرئيسي الأرض مقابل السلام. وهي الخطة التي تعزز من الرؤية الروسية لتسوية الصراع ووقف الحرب وترتكز على الاعتراف الغربي بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، التي ضمتها عام 2014. وكذلك الاعتراف بسيطرة روسيا على المناطق الأربع، هي دونيتسك ولوجانسيك ويشكلان منطقة الدونباس، وخيرسون، وزابويجيا، ورفض انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووقف تمدد الحلف على تخوم روسيا. في مقابل ذلك ترفض أوكرانيا أي انسحاب من منطقة دونيتسك، إذ تعتبرها كيييف بمثابة بنية دفاعية أساسية لمنع الهجمات الروسية في عمق أراضيها. وهو الأمر يرفضه المستشار الألماني فريدريش ميرز، مشددًا على وجوب عدم إرغام أوكرانيا على التنازل عن إقليم دونباس لروسيا في أي اتفاق سلام محتمل بين البلدين، معتبرًا أن الطلب الروسي بأن تتخلى كييف عن الأجزاء الحرة من دونباس، يعادل بصراحة تامة اقتراحًا بأن تتخلى الولايات المتحدة عن فلوريدت، مؤكدًا أن هذه المسألة لم تبحث بشكل مباشر في المحادثات التي جرت في البيت الأبيض.

(*) الضمانات الأمنية لأوكرانيا: شكلت الضمانات الأمنية لأوكرانيا حال التوصل لاتفاق شامل لتسوية الصراع الروسي الأوكراني أحد الأهداف الأوروبية المحورية، فعلى سبيل المثال طرح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تشكيل قوة منبثقة من تحالف الراغبين، الذي يضم نحو 30 دولة معظمها أوروبية بقيادة باريس ولندن تتمركز في أوكرانيا. وتعزيزًا لتلك الضمانات أشارت العديد من التقارير الصحفية الغربية إلى أن أوكرانيا ستتعهد بشراء أسلحة أمريكية تقدر بـ100 مليار دولار، بتمويل أوروبي. وأعلن الرئيس الأمريكي ترامب أنه سيكون هناك الكثير من المساعدة فيما يتعلق بالأمن، سيكون هناك الكثير من المساعدة وستكون جيدة، كما أكد أن الولايات المتحدة ستقدم لأوكرانيا ضمانة أمنية قوية جدًا مكررًا هذا التعهد لضمان وصول الرسالة. وأوضح ترامب أن الدول الأوروبية ستكون خط الدفاع الأول في توفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكن ذلك لا يعني أنها ستواجه التحدي بمفردها، قائلًا: "الدول الأوروبية ستتحمل جزءًا كبيرًا من العبء وستساعدهم ونجعل الأمر آمنًا للغاية". من جانبه؛ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن أحد الضمانات الأمنية التي ينبغي تقديمها لأوكرانيا في إطار أي اتفاق سلام بينها وبين روسيا هو أن يكون جيشها قويًا بما يكفي لردع أي غزو روسي جديد. مشيرًا إلى أنه استعرض خلال لقائه بترامب والقادة الأوروبيين محتوى هذه الضمانات الأمنية التي تتمثل في جيش أوكراني قوي، يمكنه التصدي لأي محاولة هجوم وردعها، وبالتالي لا قيود على التسليح أو القدرات الأوكرانية.

تحديات ماثلة

يبدو أن ثمة إصرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يطمح لنيل جائزة نوبل للسلام لوقف الحرب وتسوية الصراع الروسي الأوكراني الذي يشكل التهديد الأكبر للأمن الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي تجلي في عقده قمتين الأولى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والثانية مع عدد من القادة الأوروبيين، والقمة الثالثة المحتملة ليجمع كل من الرئيسين الروسي بوتين والأوكراني زيلينسكي. غير أن ذلك الزخم يواجه تحديين رئيسيين الأول يرتبط باختلاف الأولويات الروسية والأوكرانية، ففي حين تطالب أوكرانيا مدعومة أوروبيًا بوقف إطلاق النار أولًا تتبنى روسيا التوصل لاتفاق سلام شامل، وهو الموقف الذي يدعمه ويتبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. أما التحدي الثاني وربما الأهم فإنه يرتبط بالموقف الروسي من الضمانات الأمنية، حيث حذرت وزارة الخارجية الروسية من أنها لن تقبل نشر قوة عسكرية من دول الناتو في أوكرانيا، معتبرًة أن مثل هذه القوة ستكون محفوفة بعواقب وخيمة.

مجمل القول، تُمثل قمة ألاسكا بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين نقطة تحول محورية نحو الرغبة في تسوية الصراع الروسي الأوكراني، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على لقاء ترامب بعدد من القادة الأوروببين الداعمين لأوكرانيا وتعزيز أوراقها التفاوضية للتوصل لتسوية عادلة للصراع الذي شكل تهديدًا للأمن الأوروبي، وكشف عن هشاشته وارتباطه بالضمانة الأمريكية التي لا يزال يوظفها ترامب لخدمة شعاره الانتخابي "أمريكا أولًا".