أطلت الفنانة اللبنانية ألين لحود على خشبة مسرح كازينو لبنان، لتقدم تحية فنية راقية إلى روح الشحرورة صباح، في عمل مسرحي غنائي بعنوان "أيام اللولو"، يعيد إلى الذاكرة رائحة الزمن الجميل، ويسلّط الضوء على مسيرة فنانة شكّلت جزءًا من تاريخ الأغنية اللبنانية والعربية.
تؤكد ألين لحود في حوارها لموقع "القاهرة الإخبارية"، أن فكرة العمل انطلقت من المنتجين طارق كرم ونايلة خوري، ضمن سلسلة تكريمات انطلقت قبل سنوات مع الفنانة العالمية داليدا، وامتدت إلى صباح كواحدة من أبرز أيقونات الفن اللبناني، مضيفة أن المايسترو إيلي العليا هو من اقترح اسمها لتجسيد صباح على المسرح، قائلًا إنها الشخص الأنسب لهذه المهمة، لما تملكه من صوت، وحضور، وثقافة فنية راسخة.
وتضيف: "حين تواصلوا معي قبل نحو سنة، كان من المفترض أن يُقام العرض في نوفمبر 2024، تزامنًا مع مرور عشر سنوات على رحيل صباح، وذكرى ميلادها، لكن الظروف التي مرّ بها لبنان دفعتنا إلى تأجيل العمل، وهو تأجيل أراه كان لصالحنا، إذ منَحَنا وقتًا أطول للتحضير، والتعمّق أكثر في كل تفصيلة".
لحظة مؤثرة
تستعيد "ألين" لحظة مؤثرة عاشتها خلال التحضيرات، حين وضع خبير التجميل جوزيف غريب، الذي رافق صباح لأكثر من 15 عامًا، لمساته على إطلالتها، قائلة: "عندما نظرت في المرآة شعرت أنني أصبحت صباح فعلًا.. الكل تأثر حتى أنا ارتديت ثلاثة من فساتينها الأصلية، وشعرت حينها بالرهبة، إذ إنها لم تكن مجرد ملابس، بل تاريخ حي، فهي لحظة من الصمت والذهول اختلطت بالفخر والمسؤولية، لا يمكن أن تنسى".
تؤكد ألين: "رغم التشابه الخارجي، لم يكن هدفي تقليد الشحرورة، بل تكريمها، كما أنه لم يطلب مني أن أقلّد صباح، بل أقدمها بطريقتي، مع الحفاظ على روحها، وتفاعلها، وخفة ظلها. كنت أؤدي الأغنيات بصوتي، وأستحضر ملامحها، لكن الأهم كان أن أنقل إحساسها، ووهجها، واحترامها للمسرح والجمهور، وهذا ما جعل المهمة أصعب، لكنها ممتعة ومشرفة".
التحدي الأكبر
تتحدث المطربة اللبنانية عن الصعوبة الأكبر التي واجهتها: "شعرت بمسؤولية كبيرة لأنني لا أقدم فنانة عادية، بل أسطورة أثّرت في أجيال، ولها جمهورها العريض في كل العالم. والتحدي كان أن أظهر صباح الإنسانة، والفنانة، والمقاتلة في آنٍ معًا. وكنت سعيدة أن أعود بهذا العمل إلى البيت الفني الأصيل، خاصة أن عمي روميو لحود كان له دور كبير في إعادة صباح إلى لبنان ومشاركتها في مهرجان بعلبك بعد غيابها في مصر".
وتابعت: "اكتشفت جوانب جديدة في شخصية صباح، فلقد عرفت صباح القوية، الطموحة، المحبة للحياة، السخية في عطائها. وراء الأضواء، كانت امرأة حقيقية، تواجه مصاعبها بابتسامة، وتنشر الفرح رغم كل ما عانته من ألم. فنانة لا تُكسر بسهولة، وهذا ما جعلها خالدة".
الفن الأصيل لا يموت
ترى "ألين" أن هذا العمل يحمل رسالة فنية واضحة، قائلة: "أردت أن أقول من خلال أيام اللولو أن الفن الراقي لا يموت. فالفنان الحقيقي يبقى، وصباح واحدة من هؤلاء الذين حفرت أعمالهم في الذاكرة. ما زلنا نردد أغاني عمرها 40 و50 سنة وكأنها كُتبت اليوم. وهذا أكبر دليل على أن الأصالة لا تنتهي، وأن على الأجيال القادمة أن تتربّى على هذا النوع من الموسيقى. يجب أن نحافظ على هذا الإرث وسط كل الضجيج التكنولوجي، لأن فيه جذور هويتنا الفنية والثقافية".
بين التمثيل والغناء
تجمع ألين بين التمثيل والغناء وتقول عن ذلك: "حين أغني، أعيش الأغنية بكل طاقتي، وأحمل النص في صوتي ومشاعري. وحين أمثل، أغوص في الشخصية وأحبها حتى أتمكن من التعبير عنها بصدق. كلا المجالين بالنسبة لي واحد، لأنني في كليهما أبحث عن تقديم أفضل ما عندي. ولهذا السبب، أجد نفسي أكثر في المسرح الغنائي، لأنه يجمع بين الاثنين، ويتيح لي أن أكون في أقصى حالات الإبداع".
وتضيف: "أطمح لعرض مسرحي غنائي كبير، وأحلم دائماً أن أقدّم شيئاً على المسرح. هو شغفي الأول والأقرب إلى قلبي. كما أتمنى أن أستثمر إتقاني لعدة لغات في أعمال تصل إلى جمهور واسع من ثقافات مختلفة، وأن أعود إلى المهرجانات الكبيرة حيث أُفرغ طاقتي وأحمل صوتي ورسائلي إلى العالم".
السيرة الذاتية
تؤكد "لحود" أن تقديم السير الذاتية يبقى من المجالات الأقرب إلى شغفها الفني: "هذا النوع من الأعمال يستهوي قلبي دائمًا، لأنه تكريم لرموز أثرت في أجيال. وهناك كثير من الشخصيات، عربية وعالمية، أحب أن أكرمها، شرط أن يناسبني الدور صوتًا وحضورًا، وأن أشعر بأنني قادرة على تجسيدها بصدق".
أما عن جديدها الفني، فتقول: "أعمل حاليًا على كتابة فيلم سينمائي، فقد اشتقت كثيرًا للسينما، وللشاشة الكبيرة. كما أكتب أغنية من كلماتي، ستكون أول تجربة أقدم فيها نصًا غنائيًا باللغة العربية من كتابتي. أما التمثيل، فله مكانة كبيرة في قلبي، ولم أقدم أي عمل منذ عام 2022. اشتقت أن أعود، لكنني أنتظر الدور المختلف، الذي يحركني فنيًا. أقرأ حاليًا أكثر من عرض، سواء في المسرح أو التلفزيون، وأنا متحمسة جدًا للعودة، ولكن بشيء يُشبهني، ويستفز طاقتي الفنية".
مدرستي الأولى
وتختم "ألين" حديثها بتأكيد أن أساس ما وصلت إليه اليوم، يعود إلى تربيتها الفنية: "مدرستي الأولى كانت عائلتي. تعلمت منهم أن أثبت قدمي على الأرض، وأن أحترم هذه المهنة، وأقدس تفاصيلها. صحيح أنني كبرت في بيت فني، وأن هناك مسؤولية ومقارنة، لكنني ممتنة لهذه النشأة، لأنها علمتني أصول الغناء والتمثيل، وصقلت موهبتي، وجعلتني أهتم بالتفاصيل وأحرص على تقديم كل شيء بأفضل وجه. أحب هذه المهنة، وأؤمن أن الناس تستحق أن ترى كل ما هو جميل، وهذا ما أسعى إليه دائمًا".