شهدت الدراما التلفزيونية المصرية والعربية خلال السنوات الماضية عودة لافتة في البنية السردية، تتمثل في إبراز نوعية جديدة من الأعمال الفنية تُعرف بمسلسلات "الحكايات المنفصلة"، لا تعتمد على قصة واحدة تمتد طوال العمل، بل تقسم إلى عدة حكايات، تختلف في موضوعها وأبطالها ومؤلفيها وحتى مخرجيها.. هذا الشكل الدرامي، الذي يجمع بين التنوع، والاختصار، والتركيز، استطاع أن يكسر رتابة الشكل التقليدي ليعيد جذب المشاهد العربي إلى الشاشة، عبر تقديم محتوى متجدد يواكب اهتمامات الجمهور اليومية، كما مثّل فرصة حقيقية لصناع الدراما، سواء من المواهب الجديدة أو الأسماء البارزة، لتقديم أفكار جريئة ومعالجات مختلفة لقضايا مجتمعية وإنسانية تمس حياة الناس بشكل مباشر.
مع تزايد الإقبال الجماهيري على هذه النوعية من الأعمال، أصبحت مسلسلات الحكايات القصيرة ركيزة أساسية في خارطة الإنتاج الدرامي، وشكلًا فنياً حديثًا يعكس تطور الذوق العام، وتنوع احتياجات المشاهد العربي في عصر المنصات الرقمية وسرعة الاستهلاك البصري.
ومن بين أبرز الأعمال التي رسّخت حضور هذا الاتجاه: ساعته وتاريخه، في كل أسبوع حكاية، حلوة الدنيا سكر، 55 قصة حب، ورا كل باب، وأخيرًا مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".
لا يخضع لقواعد
يرى الناقد الفني المصري طارق الشناوي أن الفن لا يخضع لقواعد مطلقة، ولا يمكن الحكم على جودة العمل الدرامي من خلال معايير ثابتة، إذ يقول لموقع "القاهرة الإخبارية": "لا توجد قاعدة تقول إن أسلوبًا معينًا هو الأفضل دائمًا.. هناك أعمال درامية تفرض زمنها وأسلوبها الخاص في التناول، وقد تنجح حكاية درامية حين تُعرض ضمن سلسلة متعددة القصص، بينما قد تفشل إذا قُدمت في قالب مسلسل طويل والعكس صحيح".
ويؤكد "الشناوي" أن الحالة الدرامية هي التي تفرض أسلوبها الفني، وأن النجاح الحقيقي للعمل لا يعتمد فقط على الفكرة، بل على مدى انسجام الشكل الفني سواء أكان مسلسلًا طويلًا أو حكاية قصيرة مع القيمة الدرامية التي يرغب الكاتب والمخرج في تقديمها.
ويضيف: "من وجهة نظري، أحد أهم شروط نجاح العمل الفني هو أن يتناسب عدد الحلقات مع المحتوى، بحيث لا يُختزل المعنى أو يمد بلا داعٍ، بل يقدم في إطار يخدم القصة ويراعي إيقاع المشاهدة".
التنوع
فيما ترى الناقدة ماجدة موريس أن انتشار ظاهرة المسلسلات القصيرة يعود إلى عدة أسباب، بعضها يرتبط بذوق المشاهد نفسه، إذ لم يعد كثير من الجمهور يفضل متابعة أعمال تمتد إلى 30 أو 60 حلقة، وأصبح ينجذب أكثر نحو الأعمال ذات الحلقات القليلة، وهو ما يعكس تراجع صبر المشاهد المعاصر.
كما تشير إلى أن طبيعة المحتوى تلعب دورًا جوهريًا، إذ تقول لموقع "القاهرة الإخبارية": "ليس كل قصة تحتمل الامتداد على مدار ثلاثين حلقة، فهناك موضوعات لا تحتاج سوى عشر حلقات أو أقل لتُروى بكفاءة، وإطالتها قد يُفقد العمل قيمته الفنية".
وتُبرز "موريس" جانبًا إيجابيًا في هذه الأعمال القصيرة، إذ تراها فرصة واعدة للكتّاب لتقديم أكثر من قصة ضمن عمل واحد، كما تتيح مساحة لاكتشاف مواهب تمثيلية وإخراجية جديدة، وتضفي تنوعًا في الشخصيات والسرد، وهو ما يتماشى مع طبيعة جمهور هذا العصر الذي يميل إلى التنوع والإيقاع السريع.