لم يكن الفنان القدير لطفي لبيب نجمًا بالمعنى السائد، لكنه كان فنانًا بالمعنى الأصدق. لم يبحث عن الأضواء، بل حمل في داخله وهجًا فنيًا لا ينطفئ، جعله أحد أبرز الوجوه التي طبعت ذاكرة المشاهد المصري والعربي. وبرحيله صباح اليوم عن عمر ناهز 78 عامًا، فقدت الساحة الفنية رمزًا نادرًا من رموز الأداء الصادق، وأحد أكثر الفنانين حضورًا وتأثيرًا رغم غياب البطولة المطلقة.
وفي رثائه، أجمع عدد من النقاد في تصريحات خاصة لموقع "القاهرة الإخبارية"، على أن لطفي لبيب كان من أولئك الفنانين الذين "يمرون مرة واحدة.. ويتركون أثرًا لا يُمحى".
تاريخ طويل
كانت خشبة المسرح بوابته للفن، إذ قالت الناقدة المصرية سامية حبيب: "وراء هذا الفنان الكبير تاريخ طويل وعميق من العمل الفني المخلص، بدأه من خشبة المسرح، فهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن دفعة مميزة ضمت أسماء بارزة مثل محمد صبحي ونبيل الحلفاوي، وهي دفعة أثرت الحركة الفنية المصرية بإخلاصها وموهبتها الفذة".
وتضيف: "لطفي لبيب فنان شامل، تنقل بسلاسة وإبداع بين المسرح، والسينما، والتلفزيون، والإذاعة، وامتلك قدرة نادرة على تطويع موهبته لتناسب أي دور، وأي نوع فني، كان دائمًا حاضرًا بقوة في أدواره، يلمس الجمهور بصدق أدائه وبساطة تعبيره".
كانت هناك علاقة قوية تربط بينها وبين الراحل، إذ تقول في حديثها: "على المستوى الإنساني، أنا أعرف الفنان لطفي لبيب معرفة شخصية، وأشهد له بالوفاء والإخلاص النادرين. هو إنسان لا يتخلى عن أصدقائه، ويمنح من حوله الحب والدعم بلا مقابل، إنه رمز للصدق والوفاء".
حضور لا يُشترط له دور أول
أما الناقدة ماجدة موريس، فرأت أن قوة لطفي لبيب تكمن في صدقه الفني، قائلة: "الفنان لطفي لبيب من الممثلين الكبار الذين تركوا بصمة لا تُنسى في كل دور قدموه، حتى وإن لم يحظ بفرصة البطولة المطلقة، لكنه كان يحول كل دور يُسند إليه إلى بطولة حقيقية بفضل حضوره اللافت وأدائه الصادق".
وأوضحت: "أسلوبه في الحديث، طريقته في إلقاء الحوار، نظرته، وحركاته الدقيقة، كلها عناصر جعلت منه ممثلًا يجذب انتباه المشاهدين من أول لحظة. على سبيل المثال، دوره في فيلم السفارة في العمارة حين جسد شخصية السفير الإسرائيلي، كان دورًا صعبًا ومعقدًا، لكنه قدّمه ببراعة وعمق".
وتابعت: "في فيلم طباخ الريس، قدم دور وزير بأسلوب مغاير، كان له طابع خاص وردود فعل مميزة، تجعلك تصدق كل ما يقوله وكأن الشخصية حقيقية تمامًا".
وختمت حديثها: "لطفي لبيب ليس مجرد ممثل موهوب، بل فنان يحمل قدرًا عاليًا من المسؤولية تجاه أدواره، يرسم ملامح الشخصية بعناية، مهما كان حجم الدور، ويقدمه بأقصى درجات الإتقان. هو من الفنانين الذين يستحقون أرفع درجات التكريم".
موهبة نادرة
من جهته، قال الناقد الفني عصام زكريا: "الفنان الراحل لطفي لبيب لم يكن من أصحاب البطولات المطلقة، لكنه استطاع أن يصنع لنفسه مكانة فريدة لا يمكن تجاوزها، وأدواره الثانية كانت من النوع الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لما امتلكه من موهبة فنية صادقة وحضور لافت".
وأشار إلى تنوع موهبته: "كان يملك قدرة نادرة على الجمع بين الكوميديا والدراما في آنٍ واحد، ويقدمهما بأعلى درجات الصدق والبساطة. المسرح كان مساحة حقيقية لتجلي موهبته، وكان يعرف كيف يملأ الخشبة دون ضجيج".
وأضاف: "لطفي لبيب لم يكن فنانًا فقط، بل كان صاحب ثقافة واسعة ولسان فصيح، محاطًا بأصدقاء من المفكرين والمثقفين، وكانت جلساته ثرية وعميقة، ممزوجة بخفة ظل لا تقلد".
واختتم: "برحيل لطفي لبيب، فقد الفن المصري بصمة صادقة وإنسانًا استثنائيًا، من أولئك الذين يمرون في الحياة مرة واحدة.. ويتركون وراءهم أثرًا لا يُمحى".
فنان تجاوز المرض
وقال الناقد طارق الشناوي، إن لطفي لبيب يمثل حلقة إبداعية مهمة في تاريخ الفن المصري، خاصة في الكوميديا، موضحًا: "لطفي لبيب ممثل عميق الموهبة، لكن طبيعة الحالة الفنية في مصر تميل إلى تنميط الممثلين ووضعهم في قوالب ثابتة. ورغم ذلك، استطاع لطفي أن يفرض حضوره ضمن المساحات المحدودة المتاحة له".
وأضاف: "إصراره على البقاء في الساحة الفنية رغم معاناته الصحية يعكس محبته للفن وإيمانه برسالته. وحافظ على مكانته في قلوب الناس، لأن الجمهور أحبه أولًا، وشركات الإنتاج احترمت ذلك الحب".
وبكلمات مؤثرة أكد الشناوي أن لطفي لبيب لم يغادر الحياة فعليًا، فمن خلف هذا الرصيد من المحبة، وترك أثرًا صادقًا في الدراما والسينما، ستظل روحه حاضرة، والضحكة التي كانت بسببه ستبقى على وجوه الناس طويلًا.