الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مستقبل التعاون الصيني الأوروبي

  • مشاركة :
post-title
قادة الصين والاتحاد الأوروبي

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

عُقدت القمة الصينية الأوروبية في بكين، 24 يوليو 2025، إذ التقى الرئيس الصيني شي جين بينج، رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في إطار الاجتماع الخامس والعشرين لقادة الصين والاتحاد الأوروبي، اللقاء الذي يتزامن مع مرور الذكرى الخمسين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين.

وتعكس نتائج القمة مسار العلاقات الصينية الأوروبية، الذي دخل في اختبار حقيقي ما بين تعقد المصالح الاستراتيجية المتشابكة بين الجانبين، والتحديات التي ارتبطت بالعلاقات الأوروبية الأمريكية من ناحية، والعلاقات الروسية الصينية من ناحية أخرى، لا سيّما منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولاية رئاسية ثانية ومطالبته الأوروبيين بالمساهمة في تحمل نفقات الحفاظ على أمنهم، فضلًا عن إعلان الصين رفضها لهزيمة روسيا في أوكرانيا، وأنها لن تسمح بذلك، وهو الأمر الذي جعل الأمن الأوروبي ما بين سندان الولايات المتحدة الأمريكية ومطرقة روسيا المدعومة من الصين بحكم الشراكة الاستراتيجية، بما يثير تساولًا مركزيًا حول مدى قدرة العلاقات الصينية الأوروبية على الصمود أمام التحديات المتنامية، فضلًا عن شكل مسارها المحتمل.

آفاق التعاون

تتنوع آفاق التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي، وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:

(*) الشراكة الاستراتيجية: أقامت الصين والاتحاد الأوروبي شراكة استراتيجية شاملة بوصفهما ثاني وثالث أكبر اقتصادين في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي، إذ ارتفع حجم التجارة البينية بينهما من 2.4 مليار دولار عند إقامة العلاقات الدبلوماسية منذ 50 عامًا إلى 785.8 مليار دولار عام 2024. ووفقًا لأرقام التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، عام 2023، بلغت صادرات أوروبا إلى الصين نحو 223.5 مليار دولار، في حين بلغت واردات أوروبا من الصين نحو 514.4 مليار دولار، وهو ما يشير إلى وجود عجز في الميزان التجاري بين الطرفين يقدر بنحو 290.9 مليار دولار لصالح الصين، وارتفع خلال عام 2024 إلى ما يزيد على 300 مليار دولار، لذلك طالبت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عقب القمة باتخاذ بكين إجراءات حاسمة لإعادة التوازن في علاقاتهما التجارية.

وعلى الجانب الصيني؛ أشار الرئيس شي جين بينج، خلال القمة إلى أن بكين وبروكسل عليهما التمسك بالانفتاح والتعاون وإدارة الخلافات بشكل مناسب، مؤكدًا أن التاريخ والواقع يثبتان أن الاعتماد المتبادل ليس مخاطرة وأن تلاقي المصالح لا يعد تهديدًا، وأن تعزيز التنافسية لا ينبغي أن يقوم على بناء الجدران أو إقامة الحواجز، معتبرًا أن فك الارتباط وقطع سلاسل الإمداد لن يؤديا إلا إلى العزلة الذاتية، وأن تقليل الاعتماد لا ينبغي أن يؤدي إلى تقليص التعاون بين الصين والاتحاد الأوروبي، مضيفًا أن العلاقة الاقتصادية والتجارية الثنائية، التي تتسم بالتكامل والمنفعة المتبادلة بطبيعتها، يمكنها بالفعل أن تحقق توازنًا ديناميكيًا من خلال التنمية.

(*) التغير المناخي: يشكل التغير المناخي تحديًا مشتركًا يواجه الدول الصناعية الكبرى والدول النامية على حد سواء. وفي ظل تأثير تلك التحديات على مردود التنمية العالمية التي تأثرت بشكل واضح بالظواهر المناخية المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، ومن أبرزها ظاهرة اللاجئ البيئي التي تشكل تهديدًا لدول الاستقبال ومنها الدول الأوروبية، صدر عن القمة بين الصين والاتحاد الأوروبي بيان مشترك تعهد فيه الجانبان بتسريع نشر الطاقة المتجددة عالميًا، وتعزيز تدفق التكنولوجيا والمنتجات الخضراء عالية الجودة، وجعلها متاحة وميسورة وملائمة لجميع الدول، بما في ذلك البلدان النامية. كما اتفق الطرفان على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات مثل انتقال الطاقة، والتكيف مع تغير المناخ، والتحكم في انبعاثات الميثان، وأسواق الكربون، والتقنيات الخضراء منخفضة الكربون، والتزم الطرفان بتقديم مساهماتهما المحددة وطنيًا لعام 2035 قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP30، ولم يذكر البيان المشترك موقف الولايات المتحدة، التي من المقرر أن تنسحب من اتفاق باريس مجددًا، يناير 2026 بعد تقديم إدارة الرئيس دونالد ترامب طلبًا رسميًا للانسحاب مجددًا من الاتفاق.

تحديات ماثلة

برغم تنوع مجالات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تؤثر بشكل مباشر على مستقبل العلاقات بينهما. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التحديات على النحو التالي:

(&) التوجهات الأوروبية إزاء الصين: يُشكل إدراك كل طرف وتوجهاته إزاء الآخر تحديًا رئيسيًا لمستقبل العلاقات الصينية الأوروبية. فالجانب الأوروبي يدرك أن تنامي القوة الصينية بمفرداتها الشاملة العسكرية والاقتصادية والثقافية يشكل تهديدًا للأمن الأوروبي، وهو ما جعل البيانات الصادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي تصف ما تقوم به الصين في منطقة الإندوباسيفيك بالأعمال العدائية. كما اعتبر البيان الختامي لقمة الناتو التي عقدت بواشنطن، يوليو 2024، بأن بكين تواصل إثارة التحديات بشكل ممنهج لأوروبا، وتأكيد تزايد المخاوف الغربية من ترسانة الصين النووية. في المقابل تعتبر الصين أن تعاونها مع الاتحاد الأوروبي أكبر من المنافسة والتوافق أكبر من الخلافات، وتأمل الصين كذلك في أن يحترم الجانب الأوروبي الطريق والنظام الذي اختاره الشعب الصيني، وأن تحترم بروكسل مصالح بكين الأساسية، وأن تدعم تنمية وازدهار الصين، على أن يكون هذا الاحترام المتبادل والتفاهم والدعم هو السبيل الصحيح للتعامل بين الصين والاتحاد الأوروبي.

(&) الحرب الروسية الأوكرانية: تمثل الحرب الروسية الأوكرانية أحد أبرز التحديات التي تواجه مستقبل التعاون الصيني الأوروبي، لا سيًما وأن الدول الأوروبية تساند أوكرانيا وتدعمها اقتصاديًا وعسكريًا لمنع هزيمتها أمام روسيا. في المقابل تشير الدول الأوروبية إلى مساندة الصين لروسيا برغم تبنيها لمبادرة لتسوية الصراع الروسي الأوكراني تقوم على احترام وحدة أراضي جميع الدول، وأخذ المخاوف الأمنية الروسية تجاه حلف الناتو في الاعتبار. ويبدو أن تصريحات وزير الخارجية الصيني وانج يي مؤخرًا في بروكسيل، بأن بكين لا يمكنها القبول بهزيمة موسكو جعلت مخاوف الأوروبيين تتزايد إزاء موقف الصين وعلاقاتها الاستراتيجية مع روسيا.

(&) فائض الإنتاج: تشكل القيود التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي على فوائض الإنتاج الصيني، في ظل الدعم الذي تقدمه للصناعات الصينية، وما يمثله من إغراق للأسواق الأوروبية أحد التحديات التي تواجه مستقبل التعاون الصيني الأوروبي، وهو ما صرّحت به رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عقب القمة بأن الاتحاد الأوروبي لن يتمكن من إبقاء أسواقه مفتوحة أمام الصادرات الصينية ما لم تتخذ بكين إجراءات حاسمة لإعادة التوازن في علاقاتهما التجارية. في المقابل اعتبرت الخارجية الصينية الرواية المتعلقة بفائض الطاقة الإنتاجية الصينية فهم أحادي الجانب للعرض والطلب في ظل العولمة الاقتصادية، ويشكل ذريعة لفرض إجراءات حمائية.

(&) المعادن النادرة: يُشكل توظيف مسألة المعادن النادرة إحدى التحديات التي تواجه التعاون الصيني الأوروبي، إذ اتجهت الصين لمواجهة الإجراءات الحمائية بفرض رسوم جمركية اتخذها الاتحاد الأوروبي نحو تقييد صادراتها من المعادن النادرة، وهي تلك المواد التي تدخل في العديد من الصناعات الأوروبية المتقدمة كأشباه الموصلات والتوربينات والسيارات الكهربائية، لذلك طرح الأوروبيون خلال فعاليات القمة ضوابط تصدير المعادن الأرضية النادرة التي فرضتها الصين، وأدت إلى تعطيل سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم، وهو ما تسبب في توقف مؤقت بخطوط إنتاج السيارات الأوروبية، مايو من العام الماضي. وعبّرت رئيسة المفوضية الأوروبية عن احتياج أوروبا إلى إمدادات موثوقة وآمنة من المواد الخام الأساسية من الصين.

مجمل القول؛ بقدر ما يحمل التعاون الصيني الأوروبي من فرص تستند إلى اعتبارهما ثاني وثالث أكبر اقتصادين على المستوى العالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بقدر ما ينطوي ذلك الواقع على العديد من التحديات التي ترتبط بالمنافسة، وتعظيم النفوذ والمكانة الدولية، وهو ما جعل الاتحاد الأوروبي يصنف الصين باعتبارها شريكًا ومنافسًا اقتصاديًا وخصمًا مؤسسيًا، وهو ما يعني أن فك الارتباط الأوروبي مع الصين يمثل مخاطرة سيكون لها تداعياتها المستقبلية على الاستقرار الأوروبي بما يجعل من التعاون البنّاء ركيزة أساسية لبناء الثقة التي يحتاجها الجانبين لتعزيز مصالحهما المتبادلة.