الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الاقتصاديات المٌتأثرة.. اتجاهات الاستهلاك العالمية في فترات التضخم

  • مشاركة :
post-title
ارتفاع التضخم-تعبيرية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

خلال الآونة الأخيرة، ظهرت التقلُبات الشديدة في الأسواق المختلفة؛ نتيجة لتفاعل التوترات العالمية والإقليمية، خاصة الأزمات الجيوسياسية والتحولات الحادة في أسعار الطاقة والغذاء، التي أفرزت مشكلة تضخم مُزمنة، انعكست على القرارات الاقتصادية للأفراد والشركات، وبالتالي تغيرت أنماط الادخار والاستهلاك والاستثمار والمخاطرة.

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على سلوكيات المستهلكين والشركات في ظل بيئة تتسم بعدم اليقين، مع توضيح كيف أعادت الضغوط التضخمية تشكيل العقل الاقتصادي المعاصر.

مؤشرات تصاعدية

يُمكن توصيف مشكلة التضخم من خلال النقاط التالية:

(-) ارتفاع معدل التضخم العالمي: تعرض الاقتصاد العالمي للعديد من الصدمات الاقتصادية التي تسببت في ارتفاع معدل التضخم، فكما يوضح الشكل (1) ارتفع هذا المعدل من 1.6% في عام 2016 إلى 3% في عام 2024، وفي الربع الثاني من عام 2025 ارتفع إلى 5.5%، وهو الأمر الذي يوضح أن الضغوط التضخمية ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

الشكل (1) يوضح معدل التضخم العالمي في 2016، 2024 والربع الثاني من 2025-المصدر: البنك الدولي

(-) تأزُم التضخم داخل الدول: تُعاني معظم دول العالم من مشكلة التضخم، التي تجعلها تتخذ سياسات نقدية تشدديه نسبيًا، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يظل التضخم من المشكلات المالية الكبرى، وهو ما أشار إليه استطلاع رأي لمؤسسة "جالوب" الأمريكية، إذ أوضح 29% من الأمريكيين في واشنطن أن التضخم وغلاء المعيشة هو المشكلة المالية الأهم التي تواجه أسرهم، وعلى الرغم من انخفاض هذه النسبة عن 41% في العام الماضي إلا أنها مرتفعة عن مستوياتها في الأعوام من 2005 إلى 2021، التي سجلت أقل نسبة فيها نحو 3%.

الشكل (2) يوضح نسبة الأمريكيين في واشنطن الذي يعتقدوا أن التضخم أهم مشكلة المالية

وفي منطقة اليورو ارتفع التضخم إلى 2% في يونيو 2025، بالمقارنة بـ 1.9% في الشهر السابق، وتم تسجيل أعلى المعدلات السنوية في رومانيا (5.8%) وإستونيا (5.2%)، وكلًا من المجر وسلوفاكيا (4.6%)، فقد انخفض التضخم في خمس دول أعضاء، ولكنه ارتفع في 22 دولة، وهو الأمر الذي يدل على أن التضخم أصبح أزمة حقيقية داخل العديد من الدول الأوروبية.

وفي هذا السياق، ارتفع التضخم في منطقة الشرق الأوسط بحسب بيانات صندوق النقد الدولي إلى 10.9% في عام 2025، بالمقارنة بـ 9.3% في عام 2024، إذ تُعاني معظم الدول في المنطقة من ضغوط تضخمية مرتفعة نتيجة التوترات الجيوسياسية.

اتجاهات محددة

يُمكن توضيح تفضيلات المستهلكين والشركات من خلال النقاط التالية:

(-) حجم إنفاق المستهلكين: أوضحت شركة ماكنزي أنه على الصعيد العالمي لا تزال ثقة المستهلك أقل في المتوسط مقارنة ببداية عام 2020، إذ أن المستهلكين لازالوا قلقون من ارتفاع الأسعار والتضخم، وهو ما تجلى في سلوك إنفاق المستهلكين على البقالة والسلع الأساسية، فقد أوضح 80% من المشاركين في استطلاع شركة الاستشارات الإدارية “أوليفر وايمان" أنهم عدلوا سلوكهم الشرائي، بما في ذلك أكثر من 40% قللوا من كمية مشترياتهم، هذا فضلًا عن أن المستهلكين أصبحوا يبحثون عن بدائل أرخص، فأكثر من 50% أوضحوا أنهم يختارون بقالة أقل سعرًا، تحديدًا في المملكة المتحدة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية أوضحت مؤسسة "مورجان ستانلي" أن إنفاق المستهلكين سيستمر في التراجع خلال عام 2025، وحتى عام 2026، إذ تتوقع نموًا سنويًا في الإنفاق بنسبة 3.7% في عام 2025، و2.9% في عام 2026، بالمقارنة بنسبة إنفاق 5.7% في عام 2024، إذ إن التباطؤ سيكون أكثر وضوحًا في الربع الرابع من عام 2025، والأشهر الثلاثة الأولى من عام 2026.

(-) تفضيلات المستهلكين: تغيرت سلوكيات المستهلكين منذ فيروس كورونا، إذ استخدم المستهلكون خدمات التجارة الإلكترونية، حيث أوضح أكثر من 90% من المستهلكين الصينيين في استطلاع شركة "ماكنزي" لشهر مايو 2025، أنهم تسوقوا من متاجر إلكترونية فقط، وهو الأمر الذي تطابق مع أكثر من 80% من المستهلكين الذين شملهم الاستطلاع في ألمانيا والمملكة المتحدة، ويُمكن تفسير ذلك بأن المستهلكين بدأوا يبحثون عن بدائل أرخص على الإنترنت من خلال استخدام قسائم الخصم.

وفي الشرق الأوسط اعتمد المستهلكون على طلبات الجملة؛ لخفض قيمة المشتريات، وهو الحال في آسيا حيث شهد الطلب بالجملة زخمًا قويًا، فنموذج بيندودو يعتمد على نهج الشراء الجماعي، حيث يُمكن المستهلكين من التعاون مع آخرين؛ لشراء منتجات بالجملة وتحقيق وفرات كبيرة.

وفضلًا عن ذلك، أفاد نحو 40% من المستهلكين الألمان، البريطانيين، والأمريكيين أنهم استخدموا خدمة توصيل البقالة، وهو الأمر الذي عزز قطاع توصيل الطعام والبقالة، إذ ارتفعت حصة توصيل الطعام من الإنفاق العالمي على خدمات الطعام من نحو 9% عام 2019 إلى 21% في عام 2024.

ومن الجدير بالذكر هنا أن أكثر من ثلث المستهلكين في هذه المناطق أشاروا بأن أمازون وتاوباو وجهة تسوق مفضلة لديهم؛ لتلبية جميع احتياجاتهم.

(-) تحديات تواجه الشركات: تُشير البيانات إلى أن الشركات تواجه تحديات جمة، منها تزايد ضغوط سلاسل التوريد، التي نتج عنها تقلص هوامش الربح، خاصة الشركات الصغيرة؛ بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتحديات التسعير التي تواجهها في ظل حالة عدم اليقين التي تسود في الوقت الحالي.

ففي يناير 2025، ارتفع مؤشر عدم اليقين لدى الشركات الصغيرة التابع للاتحاد الوطني للأعمال التجارية بمقدار 14 نقطة، مما يشير إلى زيادة القلق بين المالكين، خاصة أنه في الربع الأول من عام 2025، توقع 63% من أصحاب الشركات الصغيرة استمرار التضخم بزيادة قدرها 5 نقاط مئوية عن الربع السابق، هذا فضلًا عن مشكلات تعويضات الموظفين الناجمة عن مفاوضات الأجور والتضخم.

وفي هذا السياق، انخفض مؤشر ميتلايف وغرفة التجارة الأمريكية للشركات الصغيرة في الربع الأول من عام 2025 إلى 62.3% من 69.1%، كما يوضح الشكل (3)، حيث أوضح أصحاب الشركات الصغيرة انخفاض تدفقاتهم النقدية.

الشكل (3) يوضح مؤشر الشركات الصغيرة خلال الفترة من الربع الأول 2021 إلى الربع الأول 2025-المصدر: غرفة التجارة الأمريكية

وبوجه عام، جاءت أهم المخاطر قصيرة الأجل التي تعاني منها الشركات التجارية العالمية في المخاطر الجيوسياسية وعدم اليقين بنسبة 76%، ثم تأثير الاقتصاد الكلي على نشاطهم بنسبة 51%، ويقصد بهذه التأثيرات معدلات التضخم وأسعار الفائدة.

(-) اتجاه تفضيلات الشركات: في ضوء التكيف مع التغير في تفضيلات المستهلكين، تعمل الشركات على تغيير توجهاتها خلال السنوات المقبلة من خلال تبني التحول الرقمي، وهو ما يأتي استجابة لارتفاع استخدام المستهلكين للتجارة الإلكترونية، الأمر الذي يحسن من تجربة العملاء، وإعطاء الأولوية للاستدامة، حيث تستفيد الشركات من تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتحليلات التنبؤية؛ لفهم الاحتياجات المتطورة والاستجابة لها.

وفي هذا السياق، أوضح استطلاع أكسفورد-جلوب سكان العالمي للشؤون المؤسسية 2025، أن أكبر الفرص المتاحة للأعمال التجارية خلال العامين المقبلين تكمن في ثلاثة مجالات رئيسية: الاستفادة من الابتكار والذكاء الاصطناعي بنسبة 64%، وتعزيز استراتيجيات النمو المستدام بنسبة 18%، التي جاءت في المرتبة الثانية بدلًا من التكيف مع القضايا المتعلقة بالمناخ.

ومن الجدير بالذكر هنا أن شركة إنفيديا توسعت في إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي، مع زيادة مبيعاتها إلى الصين، إذ بلغ إجمالي مبيعاتها نحو 43.3 مليار دولار أمريكي في الربع الثاني من عام 2025، بزيادة قدرها 66% عن الربع السابق.

وفي قطاع صناعة السيارات، تتجه الشركات إلى التكيف مع التفضيلات المتغيرة من خلال تطوير نماذج التأجير والاشتراك، الناتج عن تغير احتياجات النقل والراحة وكفاءة التكلفة، والقدرة على الحصول على السيارات الفاخرة، خاصة أن هذه النماذج تمتلك حصة سوقية متزايدة، لاسيما في الاقتصادات الغربية.

ومن ناحية أخرى، تتجه الشركات إلى تعزيز قنواتها الإلكترونية، إذ أفاد نحو 8 من كل 10 مستهلكين أنهم يتجهون إلى الشراء من خلال الإنترنت، وهو ما تعمل عليه شركتا تسلا ورينو بشكل كبير.

وفي النهاية، يُمكن القول إن مشكلة التضخم التي ظهرت بشكل متأزم منذ جائحة كورونا، وتأثيراتها السلبية على الأنشطة الإنتاجية المختلفة، وما تبعها من تطورات جيوسياسية مختلفة، خاصة الأزمة الروسية الأوكرانية والأزمات التي تُعاني منها منطقة الشرق الأوسط، أحدثت تحولًا كبيرًا في تفضيلات المستهلكين على مستوى جميع الدول، وهو الأمر الذي استدعى تغيرًا في استراتيجيات العمل داخل الشركات العالمية؛ حتى تستطيع الحفاظ على أرباحها، ومن ثم تواجدها في السوق.