الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

الفلسطيني أوس البنا: فيلم "الأمنية" ينسج من الألم حكايات وكاد يُكلّفني حياتي

  • مشاركة :
post-title
الفلسطيني أوس البنا

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

 مشاركة الفيلم في مهرجان كان تؤكد رفضنا الموت بصمت 

 أقدم دعمًا نفسيًا لأطفال غزة وجسّدت أحلام 4 قصص من الأطفال 

من قلب الألم والركام، ومن مسرح الواقع الدموي في غزة، ينبثق فيلم "الأمنية" كصرخة إنسانية خالصة، تتجاوز حدود الفن لتلامس ضمير العالم. لم يكن هذا العمل مجرّد وثائقي يؤرخ لمعاناة الأطفال، بل تجربة واقعية عاشها المؤلف والمخرج والبطل الفلسطيني أوس البنا بكل جوارحه، بل بجسده ودمه، فقد قدّم دعمًا نفسيًا ودراميًا للأطفال وسط الحرب، وجمع قصصهم، واحتضن آلامهم، ثم عاد ليحولها إلى عرض فني حي، وفيلم سينمائي ناطق بالحقيقة.

لم يكن الأمر بلا ثمن، فبعد الانتهاء من التصوير بيومين فقط، تعرّض "أوس" لمحاولة استهداف مباشرة أثناء عبوره طريقًا صحراويًا محفوفًا بالموت، حيث أُصيب في ساقه إصابة بالغة، خضع على أثرها لجراحة، وسُرقت كل متعلقاته، ولم يتبق له سوى بطاقة هويته.

ورغم ذلك، خرج من هذا الجرح بذاكرة حية، وفيلم ينقل للعالم صوت غزة الحقيقي، حيث يصنع الأطفال من أمانيهم البسيطة مقاومة، ومن فنهم وسيلة للبقاء.

أوس البنا
دراما من رحم الحرب

يتحدث الفنان الفلسطيني أوس البنا، في حوار خاص مع موقع "القاهرة الإخبارية"، عن تجربته التي ألهمته الفيلم، قائلًا: "أنا مُعلّم دراما وممثل مسرحي وتلفزيوني، وخلال الحرب الأخيرة قررت أن أفتتح مخيمًا للأطفال، أقدّم فيه دعمًا نفسيًا عبر جلسات متخصصة في الدراما والسيكودراما على مدار 18 يومًا، أجمع من خلالها قصص الأطفال التي تشكّل نواة العرض المسرحي الذي قدّمته لهم ولأقرانهم".

وخلال هذه المبادرة، قدّم "البنا" مسرحية بنسخ قصص أربع فتيات، تتمحور حول شخصية مشعوذة تلجأ إليها الفتيات لتحقيق أمنياتهن، في إطار رمزي يُجسّد حاجتهن للرجاء في واقع بلا أمل. 

ويستعرض "البنا" أبرز القصص التي تأثّر بها، ومن بينها فتاة تتمنى لو عاد بها الزمن لتحضن والدها الذي استُشهد أمام عينيها، وأخرى تتمنى أن يخرج والدها من السجن، بعدما فُقد أثره منذ اعتقاله، بينما تعبر فتاة ثالثة عن أمنيتها بأن تملك المال لتأكل وتعيش، وسط ضيق الحال وغياب الدعم. أما القصة الرابعة، فلبنت صغيرة تتمنى أن يعود شعرها كما كان، بعدما فقدته بسبب ظروف الحرب والحصار وندرة المياه.

بين الواقع والإبداع

يكشف أوس البنا أن الفيلم يجمع بين التوثيق الفني والسيرة الذاتية، حيث ينقل جزءًا من تجربته الشخصية ومعاناته اليومية، قائلًا: "قدمت الفيلم من عمق تجربتي، وكيف كنت أذهب إلى المخيم وأعيش مع الأطفال، أستمع لقصصهم، وأقدّم لهم ورش دعم نفسي، ثم أعرض ما ننتجه معهم. ورغم قسوة الظروف التي نعيشها في غزة، لدينا أحلام، نحن الشباب، الأطفال، العجائز.. كلنا نحلم حتى لو كانت أحلامنا بسيطة".

وأضاف: "عندما كنت أسمع قصص الفتيات، شعرت بأن من واجبي توثيقها، وصوّرت الفيلم منذ البداية. كنت أشعر بالذل والمعاناة في كل مرة أحمل الكاميرا، ولكن حين أصل إلى المخيم كنت أنفصل عن العالم الخارجي وأظهر بوجه مبتسم، أريد أن أمد الأطفال بالقوة والأمل، رغم مآسيهم".

مجموعة "المسافة صفر بلس"
التصوير بين الخطر والموت

يروي "البنا" الصعوبات الهائلة التي واجهته أثناء تصوير الفيلم، خاصة في التنقل بين المخيم ومكان سكنه، حيث كانت الطرق محفوفة بالمخاطر، مضيفًا: "الطريق يشبه الصحراء ومليء بالمخاوف. كنت أمشي بين أراضٍ معرّضة للقصف، وأردد الشهادتين كل يوم. كنت أودّع أهلي في كل مرة أخرج فيها، لأن احتمالية ألا أعود كانت واردة جدًا".

ويضيف البنا: "كل هذا الألم يظهر في الفيلم. كان الخوف يلازمني، لكن سعادتي في تقديم دعم حقيقي للأطفال كانت أقوى".

استغرق تصوير الفيلم نحو شهر، تنوّعت فيه المشاهد بين لقطات خارجية وجلسات الدعم النفسي التي استمرت 12 يومًا. يقول البنا: "المبادرة استمرت 18 يومًا، لكن توثيقها بالفيديو كان مشروعًا حياتيًا، أردت أن أوصّل من خلاله صوت هؤلاء الأطفال للعالم".

من غزة إلى كان

وفي عرض مؤثر ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي، يشارك هذا الفيلم الوثائقي الفلسطينين، المنتمي إلى سلسلة "المسافة صفر بلس"، الذي يقدّم تجربة بصرية وإنسانية عميقة، تمزج بين لغة المسرح وسحر السينما لمعالجة جراح الطفولة وآثار الصدمات النفسية في غزة المحاصرة.

العمل يُعدّ شهادة حيّة على قدرة الفن على تحويل الألم إلى أمل، والإبداع إلى وسيلة للشفاء، إذ يتناول موضوعات الحب، والفقد، والتعافي، ويضيء أمنيات أطفال يعيشون في قلب المأساة.

يندرج فيلم "الأمنية" ضمن مجموعة "المسافة صفر بلس"، التي تُعد نافذة حيوية لنقل قصص الفلسطينيين للعالم. وأعرب "البنا" عن فخره بالمشاركة في مهرجان كان قائلاً: "سعيد جدًا كوني فنانًا فلسطينيًا أشارك في هذه المجموعة الرائعة، فهي الملجأ الذي نعبر من خلاله عن ذاتنا، نوثّق أهوال الحرب ونكمل دور الإعلام والصحافة".

وأضاف: "المشاركة في مهرجان كان تعني أننا نرفض الموت بصمت، نحن بشر، نحب الحياة، ولدينا أحلام، ولسنا مجرد أرقام. من خلال هذا المهرجان، نوصل صوتنا إلى العالم، ونقول: نريد أن نعيش".

فقدان وكسر

يكشف "البنا" في ختام حديثه عن اللحظة التي كاد يفقد فيها حياته بعد انتهاء التصوير بيومين، قائلًا: "كنت أعود من المخيم وأسير في منطقة صحراوية، فتعرضت للاستهداف المباشر. أصبت في ساقي وفقدت الوعي، وتم إسعافي بالمستشفى. العظام تهشمت، وزُرع لي بلاتين في الساق. خلال الاستهداف، سُرقت كل أغراضي باستثناء هويتي الشخصية".