ليست قصة شخصية بل مشاعر نعيشها جميعًا
في زمن تتسارع فيه الأغاني وتتنافس على الإبهار، يختار الفنان اللبناني جورج نعمة أن يتأنّى ويغوص عميقًا في إحساس صادق يُشبهه، ليطل على الجمهور العربي بأغنية جديدة حملت عنوان "احتمال"، كتب كلماتها الشاعر فادي الراعي، لحنها الفنان زياد بطرس، وصُوّرت بعدسة المخرج منصور عون. ليست مجرد أغنية رومانسية، بل حالة وجدانية متكاملة، تعبّر عن الحنين والشوق، وتستحضر الذكريات في مشهد بصري وعاطفي متناغم، يعكس نضج جورج الفني وإنسانيته في التعبير عن مشاعر قد لا تُقال بالكلام.
الشرارة الأولى
في حديث خاص لموقع "القاهرة الإخبارية"، كشف جورج نعمة تفاصيل اللحظة التي وُلدت فيها الأغنية، قائلًا: "كنت جالسًا في السيارة مع صديقي الملحن زياد بطرس، نتحدث عن رغبتنا في تقديم عمل جديد يحمل شيئًا مختلفًا، وفجأة عرض عليّ لحن الأغنية، وبمجرد أن سمعته دخل إلى قلبي مباشرة. الكلمات واللحن لمستني فورًا، شعرت أن العمل يحمل حسًا فنيًا عاليًا وعمقًا صادقًا".
وأشار إلى أن الأغنية لا تحصر الشوق في الإطار العاطفي فحسب، بل تلامس معناه الإنساني الأشمل: "قد تشتاق لحبيب، أو لقريب، أو لصديق، أو حتى لشخص غاب عنك، وهذا ما يجعل الأغنية مفتوحة على كل من يعيش هذا الإحساس، ويجعلها قريبة من الناس جميعًا".
تأجيل أكثر من مرة
يتعامل "نعمة" مع كل أغنية كقضية فنية جديدة، وهمّ مختلف، إذ يقول: "مع كل أغنية جديدة، يولد هم جديد، كيف أقدمها للناس؟، كيف أوصلها لهم بصدق؟، بذلت جهدي لأخرج أفضل ما عندي لأقدمه للجمهور بالشكل الذي يليق بالمشاعر التي تحملها الأغنية".
ويضيف: "كواليس العمل كانت مليئة بالحب والتعاون والتجارب الموسيقية من التوزيع إلى المكساج، ورغم أن موعد إصدار الأغنية كان محددًا منذ فترة، إلا أن الظروف أجبرتنا على تأجيلها أكثر من مرة، لكن الكلمات واللحن كانا حاضرين بداخلي طوال الوقت، يلامسانني من الداخل، ليس لأن هناك قصة شخصية، بل لأن الشعور بالشوق والحنين هو إحساس إنساني نعيشه جميعًا".
تعاون متجدد
"احتمال" ليست أول تعاون بين جورج نعمة والملحن زياد بطرس، فقد سبق أن جمعتهما أغنية "تفيدة" التي حققت انتشارًا واسعًا، إلا أن هذه المرة مختلفة، كما يوضح جورج: "تعاوني مع زياد هو ثمرة صداقة طويلة وعلاقة فنية مبنية على احترام وكيمياء عالية. أغنيتنا الأولى "تفيدة" كانت مهضومة وخفيفة الظل، أما "احتمال"، فهي تجربة ناضجة تحمل بعدًا إنسانيًا وروحيًا وعاطفيًا أعمق. زياد يعرف كيف يترجم الإحساس إلى لحن، وهذا ما يجعل العمل معه دائمًا تجربة غنية ومميزة".
عزلة بين جمال الطبيعة
لم تكن الصورة مجرد زينة ترافق اللحن، بل كانت امتدادًا روحيًا له، كما أرادها جورج والمخرج منصور عون. يقول نعمة: "منذ البداية اتفقنا على تقديم عمل بصري يتناغم بصدق مع روح الأغنية، لا أن يكون صورة جميلة بلا مضمون. اخترنا الجمال الطبيعي الذي يشبه طبيعة لبنان كإطار خارجي يحتضن القصة، أما أنا فمثّلت حالة من العزلة الداخلية وسط هذا الجمال، وكأنني أبحث عن الحبيب الغائب، لا ماديًا، بل نفسيًا وشعوريًا".
وتابع: "العزلة التي عشتها في الكليب كانت عاطفية أكثر منها واقعية، جسّدنا الذكريات من خلال شاشة تلفاز قديمة، كأن الماضي يُعرض أمامي بصمت، دون أن أستطيع لمسه، وتعمدنا البساطة والصدق في الطرح، لنُوصل للمشاهد شعور الانفصال والشرود، ونجعله يرافقنا في رحلة وجدانية هادئة لكنها عميقة".
ويختم: "التحدي الأكبر كان في الأداء، أن تُعبّر عن كل هذه المشاعر دون أي حوار أو حركة درامية واضحة، فقط من خلال الإحساس الداخلي والتركيز الكامل في الحالة".