يشهد القطاع الزراعي في فرنسا توترًا متصاعدًا مع دعوة الاتحاد الوطني للمزارعين الفرنسيين وحركة الشباب المزارعين إلى تنظيم احتجاجات واسعة النطاق، اليوم الاثنين، في وقت تكافح فيه فرنسا لمواجهة تحديات اقتصادية متعددة، ما يضع الحكومة في موقف حرج، خاصة مع مخاوف من تكرار سيناريو الاحتجاجات العنيفة التي هزت البلاد قبل أقل من عام.
تحركات تنذر بتصعيد
رصدت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تحركات واسعة النطاق في مختلف المناطق الريفية الفرنسية، استعدادًا لموجة احتجاجات قد تكون الأضخم منذ بداية العام، فالاتحاد الوطني للمزارعين، بالتعاون مع حركة الشباب المزارعين، يحشد قواعده في المناطق الزراعية الرئيسية، مع تهديدات بإطلاق قوافل الجرارات نحو المدن الكبرى وإغلاق الطرق الرئيسية.
وتتزامن هذه التحركات مع موسم الأعياد الحساس من الناحية الاقتصادية، ما يضاعف من تأثيرها المحتمل، إذ تشير المصادر النقابية إلى أن المزارعين يخططون لتنظيم وقفات احتجاجية أمام مقرات المحافظات ومراكز التوزيع الكبرى، احتجاجًا على ما يصفونه بـ"تجاهل الحكومة لمطالبهم الأساسية"، وتخوفًا من تداعيات الاتفاقيات التجارية الجديدة على مستقبل القطاع الزراعي الفرنسي.
ويبدو أن الحركة الاحتجاجية هذه المرة تتميز بتنسيق أفضل وتنظيم أكثر دقة، ما يجعل احتواءها أكثر صعوبة على الحكومة.
فرنسا في مواجهة الاتحاد الأوروبي
في خضم هذه التوترات، تخوض الحكومة الفرنسية معركة على المستوى الأوروبي، إذ تصطدم مع شركائها في الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية التجارة الحرة مع دول الميركوسور.
وفي السياق ذاته، نقلت ليبراسيون عن رئيس الوزراء الفرنسي تصريحات قوية خلال زيارته بروكسل، 13 نوفمبر، إذ أكد تضامنه مع القطاع الزراعي وأعرب عن معارضته الشديدة للاتفاقية في شكلها الحالي.
وشدد بارنييه في حديثه لصحيفة "ويست فرانس" على أن "المفاوضات التي استمرت لأكثر من 20 عامًا لا يمكن أن تختتم بقرارات متسرعة".
شروط فرنسية صارمة
في تفاصيل الموقف الفرنسي الرافض لاتفاقية الميركوسور، كشفت صحيفة "ليبراسيون" عن شروط صارمة وضعتها باريس للموافقة على أي اتفاق تجاري، إذ أكد وزير الخارجية جان-نويل بارو، أن بلاده "تتحرك على كل الجبهات" لحماية مصالح المزارعين الفرنسيين.
وتشمل الشروط الفرنسية الالتزام باتفاقية باريس للمناخ، وفرض قواعد متماثلة في المجالين البيئي والصحي على الواردات، ورفض استيراد منتجات من أراضٍ تمت إزالة غاباتها.
وبينما تحظى هذه المواقف بدعم سياسي محلي واسع، تواجه فرنسا عزلة على المستوى الأوروبي.
ويسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال جولته في أمريكا اللاتينية، إلى حشد الدعم الدبلوماسي من الدول الأعضاء المترددة في الاتحاد الأوروبي لعرقلة الاتفاقية، رغم اتهامات اليسار الفرنسي للحكومة، بمحاولة تخفيف آثار الاتفاقية فقط وليس إلغاءها بالكامل.
إجراءات لاحتواء الأزمة
تحركت وزيرة الزراعة آني جينيفارد، بسرعة لتنفيذ حزمة من الإجراءات واسعة النطاق، ووفقًا لما نشرته ليبراسيون، خصصت الحكومة صندوقًا بقيمة 75 مليون يورو، لمساعدة مربي الماشية المتضررين من وباء حمى الكتاراخال، مع توفير اللقاحات اللازمة للمواشي.
كما تم تخصيص 120 مليون يورو لدعم قطاع الكروم المتعثر، وتقديم قروض بفوائد مخفضة لدعم السيولة النقدية للمزارعين.
وفي خطوة مهمة، تم إلغاء الزيادة المقررة على ضريبة الديزل غير المخصص للطرق، مع تحسين نظام المعاشات للمزارعين، من خلال احتساب أفضل 25 سنة من الدخل.
استراتيجية متعددة المسارات
كشفت صحيفة ليبراسيون عن تفاصيل الاستراتيجية الحكومية في التعامل مع أزمة المزارعين، إذ تتبنى الحكومة الفرنسية نهجًا متعدد المسارات، يشمل استجابة لمطلب قديم للاتحاد الوطني للمزارعين بتطبيق نظام التفتيش الإداري الموحد، الذي يقضي بزيارة تفتيشية واحدة سنويًا لكل مزرعة، باستثناء عمليات التفتيش القضائية والضريبية.
وتصف وزيرة الزراعة آني جينيفارد هذا الإجراء بأنه "الخطوة الأولى على طريق التبسيط الإداري".
وعلى الصعيد المالي، رغم تراجع اعتمادات الاستثمار في الزراعة البيئية بميزانية 2025، خصصت الحكومة 400 مليون يورو لدعم القطاع من خلال إجراءات ضريبية متنوعة تشمل دعم نقل الملكية والمكننة والحد من الضرائب على الأراضي غير المبنية.
ومن جانب آخر، تتبنى الحكومة سياسة استباقية في التعامل مع الاحتجاجات المحتملة، إذ تسعى لتجنب تكرار سيناريو المواجهات السابقة من خلال فتح قنوات حوار مباشرة مع النقابات الزراعية والاستجابة السريعة للمطالب الملحة، خاصة مع اقتراب موسم الأعياد الذي يمثل فترة حساسة اقتصاديًا واجتماعيًا.