أثارت الخسارة التي مُنيت بها كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، في الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب، موجة من الانتقادات داخل الحزب الديمقراطي، ليطالب الاستراتيجيون والمتخصصون بإعادة هيكلة شاملة للحزب، وتغيير استراتيجياته بشكل جذري.
وفي أعقاب الهزيمة المدوية، طالب الكثير من الاستراتيجيين الديمقراطيين بإعادة التفكير في استراتيجيات الحزب التنظيمية والتواصلية، ويرى العديد منهم أن الحملة الانتخابية التي قادتها هاريس كانت مبنية على أساليب قديمة لم تعد ملائمة للواقع السياسي في 2024، بحسب صحيفة "ذا هيل" الأمريكية.
رسائل خاطئة
ولفت التحليل إلى أن أبرز النقاط التي تم انتقادها في الحملة الديمقراطية هي الرسائل التي استخدمها الحزب للتواصل مع الناخبين، إذ أشار الاستراتيجيون إلى أن رسائل الحملة كانت تركز بشكل مفرط على قضايا نخبويّة، ما جعلها بعيدة عن اهتمامات المواطنين العاديين.
كما أن استخدام شخصيات مشهورة مثل بيونسيه وشخصيات أخرى من نجوم هوليوود كداعم للحملة، بحسب العديد من المحللين، جعل الحزب يبدو كأنه يهتم بالنخب بدلًا من الطبقات العاملة.
وأشار استراتيجيون في الحزب الديمقراطي إلى أن هذا النوع من الحملات لا يناسب واقع الناخبين في 2024، الذين أصبحوا يتطلعون إلى سياسات تُعنى بهمومهم اليومية وتلبي احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية بشكل ملموس.
ورغم أن الحملة قد تكون حققت بعض النجاح في تحفيز قاعدة الحزب التقليدية، إلا أن هذه الرسائل كانت غير كافية لجذب الناخبين من الطبقات الوسطى والعمالية الذين كانوا يبحثون عن مرشح يستطيع أن يتحدث بلغتهم ويتفهم احتياجاتهم.
العودة للجذور
وقال الاستراتيجي الديمقراطي تشاك روشا عن ضرورة العودة إلى جذر الحزب الديمقراطي: "عندما فاز ترامب، كان الأمر بسيطًا، إذ إن الناس اعتقدوا أنه يمكنه تحسين حياتهم، وأن رسالته كانت تناسب احتياجاتهم".
وأضاف "روشا" أن الحزب الديمقراطي بحاجة إلى أن يعود إلى جذوره ويمثل طبقات العمال والفئات المهمشة بشكل أفضل، بدلاً من التركيز على القضايا التي لا تمس بشكل مباشر اهتمامات هؤلاء الناخبين.
وكان السيناتور بيرني ساندرز، الذي يعد من أبرز الشخصيات الليبرالية في الحزب، من بين الذين انتقدوا الحزب بعد الهزيمة، وقال في بيان نشره على وسائل التواصل الاجتماعي: "من غير المفاجئ أن الحزب الديمقراطي الذي تخلى عن الطبقات العاملة يجد نفسه في نهاية المطاف مهزومًا في مواجهة ترامب".
وكان ساندرز حذر مرارًا من أن الحزب يجب أن يعود للعمل لصالح الطبقات الفقيرة والعمالية، وهو ما لم يتحقق في الحملة الانتخابية الأخيرة.
تداعيات إدارة بايدن
لكن هناك من يرى أن الحملة التي قادتها هاريس لم تكن مشكلة في حد ذاتها، بل كان التوقيت الصعب وتحديات إدارة بايدن من وراء الحملة هما العاملان الرئيسيان اللذيم ساهما في الهزيمة.
وأشار جوييل باين، أحد الاستراتيجيين الديمقراطيين، إلى أن هاريس كانت تواجه تحديات كبيرة تتمثل في أن الإدارة الحالية كانت غير محبوبة من قبل كثير من الأمريكيين، وكان أمامها وقت محدود جدًا لإقناع الناخبين بتغيير موقفهم.
واتفق العديد من الاستراتيجيين على أن الحزب الديمقراطي بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية، إذ قال روشا "إذا استمررنا في القيام بنفس الشيء مرارًا وتكرارًا، ثم توقعنا نتائج مختلفة، فذلك هو تعريف الجنون"، مشيرًا إلى أنه من الضروري أن ينفصل الحزب عن أساليب التواصل القديمة ويعيد التركيز على التنظيم الشعبي الأساسي.
وفي هذا السياق، قال ستيف شيل، الذي كان مسؤولًا عن حملة أوباما في ولاية فلوريدا عام 2008، إن الحزب الديمقراطي يحتاج إلى التركيز على بناء "البنية التحتية الحقيقية" للمشاركة الشعبية في جميع الولايات، وليس فقط في الولايات المتأرجحة.
وأضاف أن الحزب بحاجة إلى تبني أسلوب جديد في تنظيم الحملات الانتخابية، وألا يقتصر العمل على أشهر قليلة قبل الانتخابات، بل يكون مستمرًا طوال العام.
كيف فاز ترامب؟
في المقابل، نجح ترامب في صياغة رسالة سياسية جذابة للعديد من الناخبين الذين شعروا بأنهم مهمشين من النظام السياسي التقليدي، واستطاع أن يقدّم نفسه كمرشح الشعب، الذي يواجه الطبقات الحاكمة والمصالح الكبرى.
كما نجح ترامب في التركيز على قضايا حيوية بالنسبة للطبقات العاملة، مثل الاقتصاد المحلي وخلق فرص العمل، وهي قضايا تبدو غائبة عن الخطاب الديمقراطي في السنوات الأخيرة، ووفقًا لتحليل "ذا هيل" كان الفوز الكبير الذي حققه نتيجة لقدرته على فهم المزاج العام للناخبين الأمريكيين وتقديم حلول تبدو واقعية بالنسبة لهم.