في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ عام كامل، كانت الأنفاق عنصرًا حاسمًا في المعادلة العسكرية والاستراتيجية، لذا سلّطت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الضوء على هذه الشبكة المعقدة من الأنفاق التي تمتد تحت أرض القطاع، وشكّلت تحديًا كبيرًا للقوات الإسرائيلية وفاجأت المحللين العسكريين بحجمها وتعقيدها.
استعدادات سرية
كشفت "واشنطن بوست" في تقريرها عن أنفاق غزة، عن لقاء سري عقده زعيم حركة حماس يحيى السنوار، مع مجموعة من رجال الأعمال الفلسطينيين قبل ستة أشهر من أحداث 7 أكتوبر، ألمح خلاله إلى استعدادات كبيرة تجري داخل شبكة الأنفاق، قائلًا: "ستكون هناك مفاجأة".
هذه التصريحات، التي لم تلق اهتمامًا كافيًا في حينها، تشير إلى مستوى التخطيط والإعداد الذي سبق الهجوم الذي شنته حماس في أكتوبر 2023.
التحدي مستمر
رغم مرور عام كامل على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، لا تزال قضية المحتجزين الإسرائيليين في أنفاق حماس معضلة كبرى للحكومة الإسرائيلية وقواتها العسكرية، ووفقًا للصحيفة الأمريكية، فإن شبكة الأنفاق المعقدة التي أنشأتها حماس لا تزال تخفي عددًا غير معروف من المحتجزين الإسرائيليين، وهو ما يشكّل تحديًا استخباراتيًا وعسكريًا كبيرًا.
فبعد عام كامل من العمليات العسكرية المكثفة والجهود الاستخباراتية، لا تزال إسرائيل عاجزة عن تحديد مواقع هؤلاء المحتجزين بدقة أو إيجاد طريقة آمنة للوصول إليهم، ما يسلّط الضوء على مدى تعقيد وفاعلية شبكة الأنفاق التي أنشأتها حماس، التي تمكنت من إخفاء المحتجزين لفترة طويلة رغم الضغط العسكري الهائل.
كما تشير "واشنطن بوست" إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها القوات الإسرائيلية في التعامل مع بيئة قتالية معقدة وغير تقليدية، حيث تمتزج التكتيكات العسكرية التقليدية مع استراتيجيات حرب العصابات والعمليات السرية تحت الأرض.
استراتيجية حماس للبقاء
أبرزت الصحيفة استراتيجية حماس في تحقيق الاكتفاء الذاتي، خاصة في مجال تصنيع الأسلحة والمتفجرات، إذ نقلت عن غازي حمد، عضو المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، قوله: "لقد نجحنا في تحويل الأنفاق إلى مصانع تحت الأرض، لأننا كنا نعلم أنه في يوم من الأيام سوف تُغلَق القنوات جميعها"، ما يكشف عن مستوى التفكير الاستراتيجي لدى قيادة حماس، التي استبقت إمكانية فرض حصار شامل على القطاع.
وأضاف "حمد" في تصريحات أخرى للصحيفة: "في غزة كنا نعمل ليل نهار، نهارًا وليلًا، 24 ساعة في اليوم.. كنا نستعد كثيرًا، وليس لسنة أو سنتين"، ما يعكس حجم الجهد والوقت المستثمر في إنشاء وتطوير شبكة الأنفاق".
مفاجآت "مترو غزة"
خلافًا للتوقعات الإسرائيلية والأمريكية، لم يعثر محققو جيش الاحتلال الإسرائيلي على مصانع ضخمة لتجميع الصواريخ والقذائف على نطاق واسع، كما كان متوقعًا.
بدلًا من ذلك، وفقًا لـ"واشنطن بوست"، وجدت القوات الإسرائيلية ورش عمل صغيرة، حيث يتم تحويل المواد البسيطة، مثل الأنابيب والمواد الكيميائية الزراعية، إلى مكونات للأسلحة، ما يشير إلى مستوى عالٍ من الابتكار والتكيف من جانب حماس في ظل ظروف الحصار الصعبة.
كما أكدت الصحيفة الأمريكية أن حجم ومدى وتعقيد "مترو غزة"، كما أصبح يطلق على شبكة الأنفاق، تجاوز التقديرات الإسرائيلية إلى حد كبير، إذ وصف مسؤولون في جيش الاحتلال الإسرائيلي دهشتهم عند اكتشاف أنفاق على عُمق 30 قدمًا تحت شوارع غزة، تؤدي إلى أنفاق أعمق مدفونة على عمق 120 قدمًا تحت الأرض.
حجم التحدي
نقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول سابق في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، زار الأنفاق كضيف على الجيش الإسرائيلي، قوله: "كانت عيونهم منتفخة، لم يكن لديهم أي فكرة عن المتاهة، هل يمكنك أن تتخيل 150 كيلومترًا من الأنفاق؟ كان الواقع أكبر بعدة مرات"، ما يعكس حجم المفاجأة التي واجهتها القوات الإسرائيلية والمحللون الأمريكيون على حد سواء.
وفقًا للصحيفة، امتدت شبكة الأنفاق بحلول 7 أكتوبر إلى أكثر من 300 ميل، أي ما يعادل تقريبًا طول مترو أنفاق مدينة نيويورك، أو المسافة من تل أبيب إلى جنوب تركيا، وهذه الأرقام تبرز حجم التحدي الهائل الذي يواجهه جيش الاحتلال في محاولاته لتدمير هذه الشبكة.
الفشل الاستخباراتي
نقلت "واشنطن بوست" عن دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاث الأولى من إدارة بايدن، قولها: "لم يفهم أحد مدى اتساع الأنفاق، أو أن هناك العديد من أنواع الأنفاق المختلفة".
وأضافت "سترول" أن الفشل في فهم الأبعاد العديدة للأصول الاستراتيجية الأكثر أهمية لدى حماس كان "جزءًا من الفشل الاستخباراتي" الذي حدث في السابع من أكتوبر، ما يعكس حجم الفجوة في المعلومات الاستخباراتية التي واجهتها إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء.
الاستخدامات المتعددة للأنفاق
وفقًا لتحليلات المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، كما نقلت "واشنطن بوست"، استُخدمت الأنفاق لمجموعة متنوعة من الأغراض.
فبالإضافة إلى إخفاء إنتاج الأسلحة، عملت الأنفاق كشبكة اتصالات، ومستودع إمدادات، ونظام طرق سريعة، وخط أنابيب لوجستي، وملجأ للقنابل، ومستشفى ميداني.
كما استُخدمت فتحات الأنفاق المخفية كنقطة انطلاق للكمائن، وهذا التنوع في الاستخدامات يعكس مستوى التخطيط والتنظيم الذي وصلت إليه حماس في استغلال شبكة الأنفاق.