الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أزمة سياسية في فرنسا.. هل ينجو بارنييه من مصير تراس؟

  • مشاركة :
post-title
رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

يشهد الوضع السياسي الفرنسي اضطرابات غير مسبوقة مع تعيين ميشيل بارنييه رئيسًا للوزراء، إذ تكشف صحيفة "بوليتيكو" عن التحديات الهائلة التي تواجه الحكومة الجديدة، وسط انقسامات حادة في البرلمان وأزمة اقتصادية متفاقمة.

صراع ضد الزمن

يجد ميشيل بارنييه، المفاوض السابق للاتحاد الأوروبي في ملف البريكست، نفسه الآن في معركة أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، فبعد تعيينه رئيسًا للوزراء الفرنسي، يواجه بارنييه مهمة شبه مستحيلة تتمثل في تحقيق الاستقرار السياسي، وإصلاح الوضع المالي المتدهور للبلاد، واستعادة سمعة فرنسا كشريك موثوق على الساحة الدولية.

وفقًا للصحيفة، فإن الساعة تدق بسرعة لبارنييه، حيث قد تسقط حكومته في أي لحظة، بل إن البعض يتساءل ما إذا كان بإمكانه تجاوز المدة القصيرة التي قضتها ليز تراس في منصب رئيسة وزراء بريطانيا، والتي استمرت 49 يومًا فقط، وهي فترة أقصر حتى من عمر "رأس خس" في تعبير ساخر أطلقه البريطانيون آنذاك.

رئيسة وزراء بريطانيا السابقة ليز تراس
معادلة صعبة الحل

كشف المجلس الوزاري الجديد يوم السبت الماضي عن مزيج غير متجانس من السياسيين، يضم وسطيين وشخصيات من يمين الوسط ومحافظين متشددين، ما يعكس محاولة بارنييه لتحقيق توازن دقيق في ظل الانقسامات العميقة التي تعصف بالبرلمان الفرنسي.

وفي مؤشر مقلق على مستقبل الحكومة، بدأت الأحزاب المتحالفة في السلطة بتبادل الاتهامات حتى قبل أن تبدأ الحكومة عملها رسميًا.

ونقلت "بوليتيكو" عن مصادر مقربة من الرئيس إيمانويل ماكرون، قوله إن هذه الحكومة "ليست حكومته" وأنه "لم يتمكن حتى من تعيين الوزراء من معسكره الخاص"، وهذه التصريحات تكشف عمق الخلافات داخل الائتلاف الحاكم وتنذر بصعوبات جمة في الأفق.

مطرقة الإصلاح وسندان التوافق

كلف الرئيس ماكرون بارنييه بمهمة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة: تشكيل حكومة "وحدة وطنية" تعكس التنوع السياسي في فرنسا مع الحفاظ في الوقت نفسه على إرث ماكرون الاقتصادي، بما في ذلك الإصلاحات غير الشعبية مثل رفع سن التقاعد.

وكان على بارنييه القيام بهذه المهمة الشاقة دون إشراك اليمين المتطرف، الذي كان وجوده في الحكومة سيثير غضبًا عارمًا من قبل العديد من النواب والرأي العام، واليسار الذي شعر بالخيانة من قرار ماكرون تعيين المحافظ بارنييه كرئيس للوزراء.

يقول بارنييه في تصريحات نقلتها "بوليتيكو": "سنضطر إلى تقديم تنازلات، بثقافة التوافق هذه تمكنت من التفاوض على وحدة الدول الأعضاء خلال محادثات البريكست، علينا تعلم هذه الثقافة التوافقية.. لخدمة الشعب".

تحديات اقتصادية عاجلة

في ظل الظروف السياسية المعقدة، تواجه حكومة بارنييه تحديًا اقتصاديًا عاجلًا يتمثل في تقديم ميزانية مخفضة لعام 2025 خلال أيام قليلة، في حين أن هذه الميزانية يُفترض أن تعالج المشاكل المالية المتزايدة لفرنسا، لكنها في الوقت نفسه قد تشعل فتيل أزمة سياسية إذا تضمنت إجراءات تقشفية صارمة.

وتشير "بوليتيكو" إلى أن هامش المناورة أمام بارنييه ضيق للغاية، فمن ناحية، يضغط الاتحاد الأوروبي على فرنسا لخفض عجزها المالي، ومن ناحية أخرى، يرفض اليمين المتطرف أي زيادات ضريبية جديدة ويهدد بإسقاط الحكومة إذا حاولت فرض المزيد من الضرائب.

شبح اليمين المتطرف

يبرز تحدٍ آخر خطير أمام حكومة بارنييه، وهو اعتمادها على الموافقة الضمنية لنواب حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان، الخصم اللدود للرئيس ماكرون، للبقاء في السلطة، فمع عدم وجود أغلبية في البرلمان، تجد الحكومة نفسها في موقف حرج، تحتاج فيه إلى دعم، أو على الأقل عدم معارضة، اليمين المتطرف لتمرير قراراتها.

وتنقل "بوليتيكو" عن أحد قياديي التجمع الوطني قوله: "لست من أنصار التصويت لحجب الثقة عن الحكومة على الفور، فهذا لن يضيف سوى المزيد من الفوضى إلى الفوضى".

ويضيف: "كما أننا سنوصم بأننا حزب العنف"، في إشارة إلى محاولات لوبان تلميع صورة حزبها واستمالة الناخبين المحافظين التقليديين.

لكن خبراء السياسة يحذرون من أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر طويلًا، إذ يقول جان إيف كاموس، المتخصص في شؤون اليمين المتطرف بمؤسسة جان جوريس: "في مرحلة ما، سيقرر ناخبو التجمع الوطني أن بارنييه لا يذهب بعيدًا بما فيه الكفاية.. في قضايا الأمن والهجرة".

محاولات كسب الوقت

رغم الصعوبات الهائلة، يحاول بارنييه جاهدًا إيجاد أرضية مشتركة مع مختلف الأطراف السياسية، إذ قام بتعيين السناتور المحافظ المتشدد برونو ريتايو وزيرًا للداخلية، في خطوة قد ترضي اليمين المتطرف، كما أنه يسعى لطمأنة الوسط واليسار المعتدل من خلال الحفاظ على بعض الوزراء من الحكومة السابقة.