الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

معركة إصلاح التقاعد تشتعل مجددا بفرنسا.. تحديات جديدة تواجه حكومة بارنييه

  • مشاركة :
post-title
ميشيل بارنييه رئيس وزراء فرنسا الجديد

القاهرة الإخبارية - سامح جريس

تستعد الساحة السياسية الفرنسية لمواجهة ساخنة حول إصلاح نظام التقاعد، الذي أثار جدلًا واسعًا منذ إقراره، مارس 2023، فمع اقتراب موعد مناقشة مقترح إلغاء هذا الإصلاح في البرلمان، تتصاعد التوترات بين مختلف الأطراف السياسية، ما يضع حكومة ميشيل بارنييه، رئيس الوزراء الجديد، أمام اختبار صعب.

خلفية الأزمة

كشفت صحيفة لوفيجارو الفرنسية، عن التحديات الجديدة التي تواجه الحكومة الفرنسية فيما يتعلق بإصلاح نظام التقاعد، في مارس 2023، نجحت حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، في تمرير قانون إصلاح نظام التقاعد، الذي يهدف إلى رفع سن التقاعد، مستخدمة المادة 49.3 من الدستور التي تسمح بتمرير مشروعات القوانين دون تصويت برلماني، هذا الإجراء أثار موجة غضب شعبي واسعة تجلت في سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات بفرنسا.

وبعد تولي ميشيل بارنييه رئاسة الوزراء، تجد الحكومة الفرنسية نفسها في موقف صعب، إذ أعلن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، كما نقلت لوفيجارو، عزمه تقديم مقترح لإلغاء هذا الإصلاح، 31 أكتوبر المقبل، مستفيدًا من حقه في تحديد جدول أعمال البرلمان ليوم واحد، وهو ما يعرف بـ"النافذة البرلمانية".

هذا التطور يضع حكومة بارنييه في مواجهة مباشرة مع معارضي الإصلاح، ويفتح الباب أمام معركة سياسية جديدة قد تكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل الإصلاحات الاقتصادية في فرنسا.

انقسامات سياسية وتحالفات غير متوقعة

يواجه ائتلاف ماكرون تحديًا كبيرًا في ظل تغير موازين القوى داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، إذ أدت الانتخابات التشريعية الأخيرة إلى دخول عدد كبير من المعارضين لإصلاح التقاعد إلى البرلمان، ما قلص هامش المناورة أمام الحكومة.

وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة لوفيجارو تصريحات للنائب توماس ميناجيه من حزب التجمع الوطني، الذي قال: "سنقترح إعادة سن التقاعد القانوني إلى 62 عامًا، والعودة إلى 42 عامًا من المساهمات".

وأضاف: "لن يكون هناك ما يمنع الجبهة الشعبية الجديدة من التصويت لصالح النص، لن يفهم ناخبوهم إذا أتيحت لهم فرصة للعودة عن هذا القانون ولن يفعلوا ذلك".

هذه التصريحات تكشف عن احتمال تشكيل تحالفات غير متوقعة بين اليمين المتطرف وأحزاب اليسار، وهو ما يضع حكومة بارنييه في موقف صعب، فرغم أن الأخير القادم من صفوف حزب الجمهوريين اليميني، أعرب عن انفتاحه على فتح النقاش حول تحسين نص قانون إصلاح التقاعد، إلا أنه أكد في الوقت نفسه أنه لا يرغب في "إعادة النظر بكل شيء"، وفقًا لما ذكرته لوفيجارو.

اليسار في مأزق

تجد أحزاب اليسار نفسها في موقف بالغ التعقيد، فمن جهة، تتفق مواقفها مع مقترح إلغاء الإصلاح، ومن جهة أخرى، ترفض التعاون مع اليمين المتطرف.

ونقلت "لوفيجارو" تصريحات مهمة لإريك كوكيريل، رئيس لجنة المالية في الجمعية الوطنية من حزب فرنسا الأبية، الذي قال لقناة فرانس إنفو: "لا نريد منحهم هذه الهدية، لقد رفضنا دائمًا التصويت على النصوص التي يقترحها التجمع الوطني، لن أشارك في منحهم نوعًا من الشرعية الاجتماعية".

ومع ذلك، يبدو أن النقاش لا يزال مفتوحًا داخل معسكر اليسار، إذ أشارت صحيفة لوفيجارو، إلى أن بعض الشخصيات من حزب فرنسا الأبية اليساري لم تستبعد فكرة دعم اقتراح إلغاء الإصلاح المقدم من التجمع الوطني.

هذا الانقسام داخل صفوف اليسار يعكس حجم المعضلة الأخلاقية والسياسية التي يواجهها، ويفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل إصلاح التقاعد.

استراتيجية الحكومة

في مواجهة هذه التحديات، تستعد حكومة بارنييه لمعركة برلمانية محتدمة، إذ نقلت صحيفة لوفيجارو، عن أحد قادة حزب النهضة، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، قوله: "لن نتردد في ممارسة العرقلة، كل الخيارات مفتوحة في هذه المرحلة".

وأضاف: "يمكننا ترك المسؤولية لليسار. إنهم مع الإلغاء، لكنهم ضد التجمع الوطني. إذا صوتوا ضد الاقتراح، فإنهم يؤجلون الموعد النهائي".

هذه التصريحات تكشف عن تعقيد الموقف الذي تواجهه حكومة بارنييه، فمن ناحية تسعى الحكومة للحفاظ على إصلاح التقاعد الذي تعتبره ضروريًا لاستدامة نظام المعاشات الفرنسي، ومن ناحية أخرى، تدرك أن أي خطوة خاطئة قد تؤدي إلى تعبئة شعبية واسعة ضدها، خاصة في ظل الذكريات الحية للاحتجاجات التي شهدتها فرنسا عند إقرار الإصلاح.

تحديات دستورية وإجرائية

أحد التحديات الرئيسية التي تواجه حكومة بارنييه، التغيير الذي طرأ على التوازنات داخل مؤسسات الدولة، إذ أشارت لوفيجارو إلى أن الظروف تغيرت منذ العام الماضي، وفقد حزب ماكرون الأغلبية في مكتب الجمعية الوطنية لصالح اليسار، ما يعني أن رئيسة الجمعية الوطنية، يائيل براون-بيفيه، لم تعد قادرة على اتخاذ قرارات منفردة بشأن قبول أو رفض مقترحات القوانين.

ونقلت الصحيفة عن أحد الخبراء في شؤون البرلمان الفرنسي: "يائيل براون-بيفيه الآن في حالة تعايش، ولا يمكنها سياسيًا اتخاذ هذا القرار بمفردها. وإذا طلبت من مكتبها، فهو مؤيد في الغالب لإلغاء الإصلاح ولن يعرقل النص"، هذا التغيير في موازين القوى يحد بشكل كبير من قدرة الحكومة على المناورة وحماية الإصلاح من محاولات الإلغاء.