يتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في شهر نوفمبر 2024 لانتخاب الرئيس المقبل، من بين مرشحة الحزب الديمقراطي ونائبة الرئيس الحالي، كامالا هاريس، التي تسعى للفوز بهذه الانتخابات كأول سيدة في تاريخ البلاد، وهو ما يحدد أجندتها الليبرالية إلى حد كبير من خلال الدفع بتعزيز الحقوق المدنية، وشبكة الضمان الاجتماعي واسعة النطاق، واتخاذ تدابير لمعالجة التغير المناخي، في مواجهة الرئيس الخامس والأربعين ومرشح الحزب الجمهوري "الحزب القديم الكبير" دونالد ترامب، والذي يسعى للفوز بفترة ولاية رئاسية ثانية ومن أبرز ما يدعو له منذ زمن، خفض الضرائب وتقليص حجم الحكومة، والحق في حيازة السلاح، وتشديد القيود على الهجرة والإجهاض.
وعلى الرغم من أن انتخابات الرئاسة الأمريكية تجرى في وقت واحد بكل الولايات الخمسين، إلا أن بضع ولايات متأرجحة فقط يمكن أن تحسم أو بعضها أو كلها نتائج انتخابات 2024.
في ضوء ما سبق، تثار عدة تساؤلات يأتي في مقدمتها: ما واقع الانتخابات الأمريكية 2024 في الولايات المختلفة في اللحظة الراهنة؟ ما أهم الولايات المتأرجحة في هذه الانتخابات وكيف تبدو قوتها التصويتية في هذه الانتخابات؟ وهل يمكن أن تحسم الولايات المتأرجحة نتيجة تلك الانتخابات؟
أهمية حاسمة للولايات المتأرجحة
هناك ولايات متأرجحة يتفاوت فيها التصويت بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وهذه الولايات هي: أريزونا وبنسلفانيا ونورث كارولينا وجورجيا وويسكونسن ونيفادا وميتشيجان.
ويدرك المرشحان في سباق الانتخابات الأمريكية 2024 أن هذه الولايات هي التي يمكن أن تُحْدِث فرقًا في هذه الانتخابات المقبلة، وانعكس ذلك على نشاط مكثف لكل منهما في هذه الولايات، إيمانًا بأن الطريق إلى البيت الأبيض يمر بالتأكيد عبر هذه الولايات. إذ زار دونالد ترامب مؤخرًا ولاية أريزونا الحدودية مع المكسيك للحديث عن الاقتصاد والهجرة، بينما جاءت أول جولة انتخابية لهاريس بعد مؤتمر الحزب الديمقراطي في جورجيا، وهي نفس الولاية التي سعى ترامب لإصلاح علاقته المضطربة مع حاكمها برايان كيمب، الذي انتقده مرارًا منذ انتخابات 2020.
وفي ضوء ما سبق، سوف يتم استعراض مدى أهمية هذه الولايات للانتخابات الأمريكية المقبلة مع التركيز على القضايا الانتخابية المثارة فيها مع توضيح مدى قوتها التصويتية في تلك الانتخابات، وذلك على النحو التالي:
(*) ولاية أريزونا: تمتد هذه الولاية على الحدود مع المكسيك لعدة مئات من الأميال، وأصبحت نقطة مشتعلة في النقاش حول الهجرة. وتراجعت عمليات عبور المهاجرين في الأشهر الأخيرة بعد ارتفاعات قياسية جعلت القضية في صدارة اهتمامات الناخبين. فقد هاجم ترامب سجل هاريس مرارًا في الهجرة، لأن بايدن أوكل لها مهمة محاولة تحفيف أزمة الحدود. وتعهد ترامب أيضًا بتنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة حال فوزه بالرئاسة، وكانت أريزونا محل خلاف مرير حول حقوق الإجهاض، بعد أن حاول الجمهوريون بالولاية إعادة حظر شبه كامل على الإجهاض، لكن تم إحباط محاولاتهم. ويتوفر لدى هذه الولاية 11 صوتًا في المجمع الانتخابي.
(*) ولاية جورجيا: ثلث سكان هذه الولاية من الأمريكيين من أصل إفريقى؛ في واحدة من أكبر تمركزات السود في الولايات المتحدة. ويُعتقد أن هذا العامل كان حاسمًا في تصويت الولاية لصالح بايدن في انتخابات 2020، ورغم أن هناك بعض الإحباط من بايدن بين الناخبين السود في أمريكا، إلا أن حملة هاريس تأمل في استمالتهم. وعلى الجانب الآخر، يواجه ترامب مع 18 آخرين اتهامات بالتآمر لقلب نتيجة انتخابات 2020 في الولاية التي تملك 16 صوتًا في المجمع الانتخابي بعد هزيمته أمام بايدن. وينفي ترامب من جهته ارتكاب أي مخالفات، وجدير بالذكر أن البت في القضية أمام المحكمة لن يتم قبل العملية الانتخابية المقبلة.
(*) ولاية ميتشيجان: في آخر دورتين انتخابيتين، اختارت الولاية الفائز بالرئاسة. ورغم أنها ساندت بايدن في 2020، إلا أنها أصبحت رمزًا للغضب الوطني من دعم الرئيس لحرب إسرائيل على غزة. وصوّت أكثر من 100 ألف من الناخبين فيها بعدم الالتزام بدعم بايدن في السباق التمهيدي للحزب الديمقراطي، ويتوفر لدى الولاية 15 صوتًا في المجمع الانتخابي.
(*) ولاية نيفادا: صوتت هذه الولاية لصالح الديمقراطيين خلال عدد من الانتخابات، لكن هناك مؤشرات على التفاف محتمل من قبل الجمهوريين. وكانت استطلاعات الرأي تشير لتقدم كبير لترامب على بايدن قبل انسحابه، لكن هذه الميزة تقلصت بعدما أصبحت كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية. ويتنافس كلا المرشحين على الفوز بأصوات النسبة الكبيرة من السكان اللاتينيين في الولاية. ورغم أن الاقتصاد الأمريكي أظهر نموًا قويًا وخلق فرص عمل منذ تولي بايدن الرئاسة، إلا أن التعافي من كورونا كان أبطأ في نيفادا مقارنة بولايات أخرى. ويتوفر لدى هذه الولاية 6 أصوات في المجمع الانتخابي.
(*) نورث كارولينا: بعد صعود هاريس بدلًا من بايدن، أشارت استطلاعات الرأي إلى تقارب شديد بينها وبين ترامب، وهو ما جعل المرشح الجمهوري يختار الولاية لإقامة أول تجمع مفتوح له منذ محاولة اغتياله في يوليو. وقال ترامب للحشد إن هذه الولاية كبيرة جدًا للفوز بها. فقد فاز ترامب بولاية كارولينا الشمالية في عام 2020 بنحو 70 ألف صوت، ما عزز آمال الديمقراطيين في إمكانية الفوز بهذه الولاية "الأرجوانية" (التي يمكن أن تصوت باللون الأحمر أو الأزرق) في هذه الانتخابات. ويتوفر لدى هذه الولاية 16 صوتًا في المجمع الانتخابي.
(*) ولاية بنسلفانيا: شهدت هذه الولاية محاولة اغتيال ترامب، ويتنافس الحزبان بقوة على كسب تأييدها. فقد لعبت بنسلفانيا دورًا محوريًا في انتخابات 2020، إذ دعمت بايدن. ويعد الاقتصاد قضية أساسية لسكان الولاية، الذين عانوا مثل كثير من الأمريكيين من ضغوط تكاليف المعيشة بسبب التضخم. ويتوفر لدى هذه الولاية 19 صوتًا في المجمع الانتخابي.
(*) ولاية ويسكونسن: اختارت الولاية المرشح الرئاسي الفائز في انتخابات 2016 و2020 بهامش يزيد قليلًا على 20 ألف صوت في كل دورة انتخابية، وهو الأمر الذي عبر عنه ترامب معتبرًا أن الفوز بولاية ويسكونسن، يعني الفوز بالسباق. وعُقد المؤتمر الوطني الجمهوري فى الولاية الشهر الماضي بمدينة ميلووكي. ويتوفر لدى هذه الولاية 10 أصوات في المجمع الانتخابي.
توجهات ناخبي الولايات المتأرجحة
كشف استطلاع لمعهد الشؤون العالمية أن الناخبين في 6 ولايات رئيسية متأرجحة يعتقدون أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر، لديه أفضلية في التعامل مع قضايا عالمية من منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. وشملت القضايا التي تضمنها الاستطلاع -الذي نشره موقع "أكسيوس" مؤخرًا ويعتقد الناخبون أن ترامب سيكون أفضل في التعامل معها- إنهاء الحروب في أوكرانيا وغزة والردّ بشكل فعال على هجوم صيني محتمل على تايوان وتعزيز المصالح الأمريكية على المستوى الدولي.
ويمكن توضيح بعض نتائج هذا الاستطلاع ذات الصلة بقدرات وموقف ترامب وهاريس إزاء بعض قضايا السياسة الخارجية التي يرى بعض المحللين أنها ستلعب دورًا كبيرًا في حسم قرار الناخب الأمريكي مقارنة بالقضايا الانتخابية الأخرى، مثل قضايا الاقتصاد والهجرة والرعاية الصحة وغيرها، وذلك على النحو التالي:
(*) الدفاع عن المصالح الأمريكية: ووفقًا للاستطلاع، يرى 56% من الناخبين في أريزونا وجورجيا وميتشيجان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن أن ترامب أكثر قدرة على الدفاع عن المصالح الأمريكية مقابل 44% فقط لهاريس، ويعتقد 58% من الناخبين بالولايات المذكورة أن الرئيس السابق هو الأقرب لحل الأزمات وإنهاء الحروب في غزة وأوكرانيا مقابل 42% لهاريس. ويتقدم ترامب أيضًا على هاريس (56% مقابل 44%) في الولايات المتأرجحة فى قضيته حول سياسات الهجرة.
(*) الاستجابة للأزمات العالمية الكبرى: يرى الناخبون في الولايات المتأرجحة أن ترامب أكثر ميلًا للاستجابة بشكل فعّال إذا اتخذت الصين خطوة بشأن تايوان (58% لترامب مقابل 42% لهاريس). وفي الولايات الست (أريزونا وجورجيا وميتشيجان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن) يتقدم ترامب على هاريس في القدرة على تحسين سمعة أمريكا ومن سيستجيب بشكل أفضل وأكثر فعالية لأزمة عالمية كبرى.
وفي النهاية، يمكن القول إن الولايات المتأرجحة ستتمتع على ما يبدو بتأثير كبير في الانتخابات الأمريكية المقبلة، لأن نتائجها تظل غير محسومة لأي من المرشحين سواء الجمهوري أو الديمقراطي حتى إجراء هذه الانتخابات، هذا فضلًا عما يُخصص لهذه الولايات من عدد كبير من الأصوات في المجمع الانتخابي البالغ إجمالي عددها نحو 538 صوتًا، ويحتاج المرشح إلى 270 صوتًا منها للفوز بالأغلبية المطلقة. لذلك يُتوقع أن يتركز الإنفاق الإعلامي والأنشطة الانتخابية لكل من ترامب وهاريس على هذه الولايات خلال الفترة المقبلة سعيًا لجذب الناخبين المترددين وتأمين أغلبية الأصوات في تلك الولايات.
وإجمالًا، يرى محللون أن رؤية هاريس للسياسة الخارجية أقل وضوحًا للناخبين من رؤية ترامب الذي يتبنى سياسة خارجية أقل تدخلًا على النحو الذي يفضله المستقلون في الولايات المتأرجحة، وهو الأمر الذي يعزز شعبية ترامب على حساب هاريس، انطلاقًا من حقيقة أن الناخبين الأمريكيين يرون أن ترامب أكثر ميلًا لإنهاء الحروب فى أوكرانيا وغزة، فهي حروب سئم من استمرارها على ما يبدو الناخبون الأمريكيون الذين يدفعون ثمن أعبائها عبر ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم التي رغم انخفاضها مؤخرًا إلا أنها لم تعد لسابق عهدها قبل تلك الحروب.