هناك اهتمام عالمي بالانتخابات الأمريكية 2024 وذلك في ضوء تأثير الرئيس الأمريكي على الساحة الدولية، خاصة فيما يتعلق بدوره في إمكانية حسم الصراعات الحالية حول العالم. وهو الأمر الذي يفسر عدم اقتصار مشاهدة المواجهة الأولى، بين كامالا هاريس ودونالد ترامب، على الأمريكيين وحدهم، بل تابعها الناس باهتمام كبير في جميع أنحاء العالم.
وتزايد هذا الاهتمام في ضوء ما شهدته المناظرة الأخيرة التي جرت بينهما من تبادل المرشحين للانتخابات الرئاسية؛ هاريس وترامب، لعبارات حادة عن السياسة الخارجية تضمنت محاولة استدعاء مواقف ورأي قادة العالم في تحسين صورة أحدهما على حساب الآخر أمام الناخب الأمريكي.
في هذا السياق، يأتي هذا التحليل للإجابة على تساؤل رئيس؛ هو: ما هو موقع قادة العالم في الانتخابات الأمريكية 2024؟ ويمكن الإجابة على هذا التساؤل من خلال استعراض النقاط الأساسية التالية:
استدعاء محسوب:
تسعى كل من هاريس وترامب للاستشهاد بمواقف قادة العالم اتجاههما، بما يعزز صورة كل منهما في الانتخابات الأمريكية المقبلة كرئيس قوي يحظى بتقدير قادة العالم. وظهر هذا المسعى بوضوح في المناظرة التي تمت بينهما الأسبوع الماضي. ويمكن رصد محاولة كل من ترامب وهاريس في هذا الخصوص على النحو التالي:
(*) محاولة هاريس الاستفادة من مواقف بعض قادة العالم في حسم السباق الانتخابي لصالحها: قالت نائبة الرئيس كامالا هاريس، إن زعماء العالم يضحكون على دونالد ترامب، وذلك خلال المناظرة الرئاسية التي جرت بينهما الأسبوع الماضي. وقالت هاريس: "لقد سافرت حول العالم كنائبة لرئيس الولايات المتحدة وقادة العالم يضحكون على دونالد ترامب".
ويتأكد تأثير هذه المحاولة في تداول مستخدمين لمنصات التواصل الاجتماعي بشكل واسع عبارة استخدمتها نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، في مناظرتها مع الرئيس السابق دونالد ترامب، خلال تلك المنظرة، حين قالت له إن "بوتين مستعد لأكلك على الغداء". وأضافت هاريس إنه لو كان رئيسًا لكان "بوتين يجلس في كييف وعينه على باقي أوروبا ابتداءً من بولندا". ووجهت نائبة الرئيس الأمريكي حديثها لترامب قائلة: "لم لا تُخبر الـ800 ألف أمريكي من أصل بولندي هنا في بنسلفانيا عن السرعة التي كنت ستستسلم بها من أجل الحصول على خدمة أو من أجل ما تظن أنها صداقة مع شخص يُعرف بأنه ديكتاتور مستعد أن يأكلك على الغداء".
وأشارت هاريس كذلك إلى "أن ترامب أشاد بزعيم كوريا الشمالية ويحترم أصدقاءه الديكتاتوريين لأنه ديكتاتور، كما أنه مخطئ وضعيف في السياسة الخارجية".
(*) محاولة ترامب الاستفادة من مواقف بعض قادة العالم في حسم السباق الانتخابي لصالحه: ردًا على مزاعم هاريس سالفة الذكر، قال ترامب خلال المناظرة: "أعرف بوتين جيدًا ولديّ علاقة جيدة جدًا، فهم يحترمون رئيسكم، هم يحترمونني ولا يحترمون بايدن، فكيف يحترمونه ولأي سبب؟ فهو لم يجر اتصالًا واحدًا خلال عامين ببوتين". وأشاد ترامب كذلك برئيس وزراء المجر، فيكتور أوروبان، واصفًا إياه بأنه "أحد أكثر الرجال احترامًا وشخصًا قويًا"، وزعم ترامب أن أوروبان قال: "إن أعدتم ترامب كرئيس، فسيكونون خائفين منه.." وقال ترامب إن ذلك يشير إلى دول مثل الصين وروسيا، حيث قال: "انظر، لقد قال فيكتور أوروبان ذلك.. الشخص الأكثر احترامًا والأكثر رعبًا هو دونالد ترامب.. لم تكن هناك مشاكل عندما كان رئيسًا".
كذلك تفاخر ترامب بأنه تحدث بصرامة مع "قائد طالبان (عبدول)، الذي لا يزال قائدًا لطالبان". يبدو أنه كان يعني بهذا الاسم عبد الغني برادر، الذي وقع اتفاق الانسحاب مع الولايات المتحدة. لكنه في الواقع لم يكن أبدًا قائدًا لطالبان، وقد تعرض للتهميش منذ أن استلمت حركة طالبان الحكم.
ردود فعل دولية
يمكن رصد بعض ردود الأفعال الدولية
(*) رد الفعل الروسي: عبر الكرملين عن انزعاجه من جميع الإشارات إلى بوتين في المناظرة بين ترامب وهاريس. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: "اسم بوتين يُستعمل كأداة من أدوات المعركة الداخلية في الولايات المتحدة". وأضاف: "لا نحب ذلك. ونتمنى أن يتركوا اسم رئيسنا بعيدًا عن هذا". وعلى الرغم مما سبق، يمكن رصد ارتياح روسيا لتجنب ترامب خلال هذه المناظرة الإجابة على السؤال عمّا إذا كان يريد أن تنتصر أوكرانيا في الحرب. وكان رده: "أريد أن تتوقف الحرب". وعلى النقيض منه، فإن هاريس تحدثت عن أوكرانيا وعن "دفاعها العادل"، واتهمت فلاديمير بوتين بأن "عينه على بقية أوروبا".
والجدير بالذكر هنا، أن بوتين زعم مؤخرًا أنه يدعم هاريس في هذه الانتخابات، وأثنى على "ضحكتها المؤثرة". وأوضح مذيع تلفزيوني لاحقًا أن بوتين كان يتحدث مازحًا بعض الشيء في تعليقاته. واستخف المذيع بمهارات هاريس السياسية، قائلًا إن الأفضل لها أن تقدم برنامجًا تلفزيونيًا في فنون الطهي، وتساءل عمّا إذا كان هذا البرنامج سيتناول كيف سيأكل "الديكتاتور" المرشحين للرئاسة الأمريكية في الغداء!
(*) رد الفعل الأوكراني: لم يتفاجأ الأوكرانيون من إحجام ترامب، في المناظرة، عن القول إنه يريد أوكرانيا أن تنتصر في الحرب، لكن ذلك يزيد من قلقهم بشأن ما تخبئه لهم فترة رئاسية ثانية لترامب. وكان ترامب يتفاخر بأنه سينهي النزاع في 24 ساعة. ويفهم الكثير من الأوكرانيين من هذا الكلام الاتفاق على صفقة مجحفة في حقهم، ترغم كييف على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي سيطرت عليها روسيا في العامين الماضيين. وفي المقابل، وجد الأوكرانيون تطمينات في أجوبة كامالا هاريس، إذ ليس هناك مؤشر على أنها ستحيد عن الموقف الأمريكي الحالي، المتمثل في الدعم الكامل لأوكرانيا. فقد أشارت هاريس إلى الدور الذي أدته في هذا الدعم، وأنها أطلعت الرئيس زيلينسكي على معلومات استخباراتية، أياما قبل الاجتياح الروسي الشامل.
الجدير بالذكر أن الرئيس الأوكراني؛ فولوديمير زيلينسكي لم يتردد في التعليق، ولو بعبارات لطيفة، عن فوز ترامب وما يعينه بالنسبة للأوكرانيين. فقد قال لـ"بي بي سي" في يوليو الماضي إن ذلك يعني: "المثابرة، ونحن مثابرون".
(*) رد الفعل الصيني: بالنسبة للقادة الصينيين، فإن هذه المناظرة لم تقدم شيئًا يضعف الاعتقاد بأن ترامب يمثل كل ما لا تريده الصين، وهو التقلب المزاجي، فهم يعتقدون أن الأمل قليل في أن تتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين كثيرًا، أيًا كان من في البيت الأبيض. لذلك، استغل الرئيس "شي" زيارة مسؤولين أمريكيين للدعوة إلى "الاستقرار" بين القوتين العظميين. وربما كانت الرسالة موجهة لنائبة الرئيس الحالية. ويعتقد أغلب الأكاديميين الصينيين أن هاريس لن تبتعد كثيرًا عن الأسلوب الدبلوماسي البطيء الذي انتهجه الرئيس بايدن. فقد كررت هاريس في المناظرة مقولة أن الولايات المتحدة، وليست الصين، هي التي تنتصر في منافسة القرن الحادي والعشرين. واتهمت كمالا هاريس، في هذه المناظرة، دونالد ترامب "ببيع الشرائح الأمريكية للصين لمساعدتها لتحسين وعصرنة جيشها". وأوضح ترامب أنه يعتزم فرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المئة على السلع الصينية. وتضاف هذه إلى الرسوم التي فرضها عندما كان رئيسًا، وفجرت حربًا تجارية في 2018. وردت الصين بالمثل. وتؤكد العديد من الدراسات أن تلك الحرب أضرت بالطرفين.
مواقف متعددة:
تتعدد وجهات نظر قادة العالم تجاه كل من دونالد ترامب، وكامالا هاريس في سباقهما الانتخابي الحالي. ويمكن رصد بعض وجهات نظرهم على النحو التالي:
(*) وجهات نظر قادة العالم تجاه دونالد ترامب في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024: تتباين وجهات نظرهم حسب مواقفهم السياسية والعلاقات مع الولايات المتحدة خلال فترة رئاسته السابقة (2017-2021). فالحلفاء التقليديون ويمثلهم بعض القادة في أوروبا، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أبدوا تحفظات حول سياسات ترامب خلال رئاسته، خاصة فيما يتعلق بالتجارة، المناخ، والتعاون الأمني. فهم يشعرون بالقلق من احتمال عودة السياسات الانعزالية إذا فاز ترامب مجددًا، مما قد يؤثر على العلاقات الأطلسية.
وبالنسبة للصين وروسيا باعتبارهم قوى عالمية منافسة للولايات المتحدة، فالأمر مختلف. فروسيا بقيادة فلاديمير بوتين، كانت تُعتبر أقل انتقادًا لترامب مقارنةً بقادة غربيين آخرين. وهناك اهتمام حالي لدى موسكو بمعرفة كيف سيؤثر فوز ترامب على السياسات الأمريكية تجاه روسيا. وفيما يتعلق بالصين، فإنها قلقة بشأن عودة التوترات التجارية التي كانت قائمة بين البلدين خلال فترة ترامب السابقة.
وقد ترحب بعض دول الشرق الأوسط بفوز ترامب؛ نظرًا للسياسات التي اتخذها تجاه إيران والاتفاقيات الاقتصادية والدفاعية التي عززت العلاقات بين الولايات المتحدة وتلك الدول. وفي المقابل، إيران كانت تحت ضغط هائل خلال إدارة ترامب بسبب العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي.
(*) وجهات نظر قادة العالم تجاه كامالا هاريس في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024: تحظى نائبة الرئيس الأمريكي، بقدر من الاهتمام العالمي كونها أول امرأة وأول شخص من أصول متعددة تصل إلى منصب نائب الرئيس وترشحت للرئاسة في 2024 أو أصبحت جزءًا من الفريق الرئاسي، فإن قادة العالم قد ينظرون إليها وفقًا لعدة اعتبارات:
فالعديد من القادة الأوروبيين والآسيويين قد ينظرون إلى هاريس كخليفة طبيعية لبايدن، حيث ستستمر في سياسات الانخراط مع الحلفاء التقليديين والتعاون في مجالات مثل المناخ، التجارة، والناتو. على عكس النهج الانعزالي الذي اتبعه ترامب، قد يُنظر إلى هاريس على أنها تدعم التعاون الدولي وتحافظ على استمرارية السياسات الديمقراطية الحالية.
وبالنسبة لروسيا والصين، يُنظر إلى هاريس كمرشحة ستستمر في سياسات بايدن المتشددة تجاههما. فإدارة بايدن كانت تدعم سياسات صارمة تجاه الصين من الناحية التجارية وحقوق الإنسان، كما دعمت العقوبات على روسيا بعد الحرب على أوكرانيا. لذا، قد تواجه هاريس، في حالة فوزها، تحديات في بناء علاقة دبلوماسية مع موسكو وبكين.
وفي الشرق الأوسط، قد تكون مواقف هاريس أكثر اعتدالًا مقارنة بترامب، لكنها تظل ملتزمة بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة. ويمكن أن تدعم سياسات مشابهة لتلك التي تبناها بايدن تجاه إيران، مثل الدبلوماسية والتفاوض بشأن الملف النووي. ويُتوقع استمرار الولايات المتحدة في تعاونها الدفاعي والاقتصادي مع بعض دول المنطقة تحت قيادتها. وتحظى كامالا هاريس بشعبية بين قادة دول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويُنظر إليها على أنها أكثر انفتاحًا على قضايا الهجرة، الحقوق المدنية، والمساواة العرقية، مما قد يُعزز من مكانة الولايات المتحدة في هذه المناطق إذا وصلت إلى الرئاسة. ويرى القادة الدوليون الذين يركزون على مكافحة تغير المناخ، في هاريس حليفًا قويًا، نظرًا لتأييدها لسياسات الطاقة النظيفة والتزامها باتفاقيات المناخ مثل اتفاق باريس.
وإجمالًا،يختلف قادة العالم في نظرتهم لكل من ترامب وهاريس وفقًا لاعتبارات عديدة؛ أهمها مصالح دولهم. فبشكل عام، يُنظر إلى هاريس على أنها شخصية تقدمية تستمر في نهج بايدن، في حين يرى آخرون ترامب كزعيم غير تقليدي، وقد يشكل فوزه تحديًا للاستقرار الدولي الذي كانوا يأملون في الحفاظ عليه بعد فترة رئاسته الأولى.
وفي النهاية،يمكن القول، إن قادة العالم ورأيهم في الرئيس الأمريكي القادم قد أصبح محور اهتمام كبير في سباق الانتخابات الأمريكية 2024 سواءً من جانب المرشحين الجمهوري والديمقراطي أو من جانب هؤلاء القادة أنفسهم. فبالنسبة لترامب وهاريس، فإنهما يستخدمان رأي قادة العالم في منافسه للتأثير على قرار الناخب الأمريكي في التصويت لصالحه عبر بوابة السياسة الخارجية. أما قادة العالم، فإنهم يتفاعلون مع هذه الانتخابات ويترقبون الفائز فيها؛ نظرًا لاختلاف توجهات كل من المرشحين الجمهوري والديمقراطي تجاه قضايا السياسة الخارجية، وبالتالي تحديد مدى اختلاف علاقات دولهم مع الولايات المتحدة في السنوات المقبلة.