ما بين الأمس واليوم، تمكن المخرج المصري عمر وليد من رسم مقارنة بديعة في فيلمه "خبرهن عاللي صاير"، حول كيف كانت الحياة في غزة وكيف أضحت، من خلال البحث عن أبسط المتطلبات الإنسانية اليومية واستحالة توافرها.
وحول هذه الفكرة التي تحولت إلى صورة سينمائية، تحدث عمر وليد عن الصعوبات والتحديات التي واجهته لخروج الفيلم إلى النور، كما تطرق إلى رسالته التي سعى لتقديمها للعالم من خلال هذه التجربة.
شبه مستحيلة
يؤكد عمر وليد في حواره لموقع "القاهرة الإخبارية"، "أن فكرة الفيلم تكونت نوفمبر 2023 بعد أحداث 7 أكتوبر التي بدأت في غزة وما زالت مستمرة حتى الآن، إذ يقول: "جاء حماسي لتقديم الفكرة من خلال الإحساس الجماعي بالعجز نتيجة مشاهدة الأحداث عن طريق الإنترنت وليس باليد أي حيلة لفعل أي شيء".
ويضيف: "في هذا التوقيت كان أكثر ما يشغل تفكيري هم الناس الذين ما زالوا على قيد الحياة بعد قصف ديارهم وموت عائلاتهم واضطروا للعيش في هذه الظروف ومنهم من قرر المكوث في غزة حتى بعد قصف الديار، فكان هذا التساؤل يشغل بالي، كيف لهؤلاء الناس قضاء أول ليلة بعد قصف ديارهم وموت أحبابهم؟، ما الذي يشعرون به؟، ماذا ينتظرهم غدًا؟".
وتابع: "في الحقيقة لم أصل لأي إجابات تجعلني أعزف عن التفكير ولكن الإحساس ظل يطاردني، بما أن طبيعة شخصيتي مرتبطة بالأماكن والذكريات والأشياء، بعدها بدأت ألاحظ جملًا نستخدمها في يومنا العادي وهي جمل في منتهى البساطة والدفء، مثل "لما أروح هعمل كذا "، "عاوز أروح أنام"، "ما تيجي نقعد في البيت"، فبدأت أشعر أن هذه الجمل أصبحت شبه مستحيلة لأهالي غزة ممن اضطروا للخروج من ديارهم أو ممن تم قصف منازلهم، حيث لم يعد هناك منزل، فأردت صنع شيء يبرز التباين بين "العادي" أو الجمل العادية الدارجة لأن الحياة هناك أصبح فيها الطبيعي مستحيلًا، وكذلك أردت توثيق حالة الشعور الجماعي في هذا التوقيت".
قسوة الحياة
وعن كواليس فيلم "خبرهن عاللى صاير"، يقول مخرجه: "بعد قرار فكرة الفيلم، بدأت في تجميع مقاطع مرئية لأهالي فلسطين من غزة وهم يروون معاناتهم ومنهم من تكلم عن أنه تعب وعمل لمدة 20 عامًا، ليجمع المال الذي بنى به منزله ثم انهار في لحظة، نتيجة القصف ومن ناحية أخرى بدأت أدون كل الجمل عن "البيت" التي أستخدمها في حياتي اليومية والتي أسمعها من أصدقائي، كما حاولت انتقاء كل الجمل التي تحمل معنيين عند التأمل والتعمق فيها".
ويضيف: "كان هناك تحديات إنتاجية وأخرى إنسانية، كيف لي تصوير فيلم يحكي قسوة الحياة في غزة في ظل أحداث تحدث في نفس الوقت بينما الواقع ومقاطع الفيديو التي نراها كل يوم هى أكثر قسوة، فتم تطوير الفكرة لكي أعبر عن كل المشاعر التي أريد طرحها ولكن من وجهة نظر محور الحكاية "البيت" فقررت الحكاية من لحظة ترك المنزل لأهله قبل القصف وكأنها تصور لوداع الأمان الذي سوف يذهب مع ذهاب "البيت "، وحاولت من خلال هذا العمل توصيل رسالة لكل الشعوب العربية بأننا جميعا نتألم لما يحدث في غزة".
وتابع: "كما بحثت عن منزل يبدو عليه أنه محايد، لكي يصلح للحكاية في كل مكان، ثم استقرينا على منزل معين الذي يظهر فيه أحداث الفيلم وحددنا موعدًا للتصوير وتم تصويره في يوم واحد وهذه هي رحلة الفيلم من أول البحث حتى أصبح جاهزًا، حيث استغرق حوالي شهرًا للاستقرار على كل تفاصيله من ناحية الموسيقى والألوان وحتى نهاية الفيلم".
الفن توثيق وتوعية
يؤكد المخرج المصري أهمية الفن في دعم القضية الفلسطينية، إذ يقول: "الفن هو توثيق لكل ما يحدث في غزة بالصوت والصورة، وهذا الأمر مهم حتى لا تتناسى القضية الفلسطينية بمرور الوقت، كما أنه يعد توعية وكشف الحقائق للشعوب الغربية وتوصيل معاناة الشعب الفلسطيني".
ويضيف: "مشاركة الفيلم في مهرجان الإسكندرية السينمائي فخر لي وخصوصًا أنه مهرجان عريق وله تاريخه، وسعدت للغاية بأن أكون جزءًا من البرنامج الخاص بالقضية الفلسطينية في المهرجان، ومتحمس للغاية لعرض الفيلم واستقبال آراء الجمهور ورأي المخرج الفلسطيني فايق جرادة المسؤول عن البرنامج، وأتمنى أن ينال إعجابهم ويساهم في كشف معاناة هذا الشعب المثابر".