في السابع عشر من سبتمبر 2024، التقى الدكتور بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة المصري، مع نظيره المجري بيتر سيارتو، لبحث سبل التعاون في العديد من المجالات، خاصة المجال الاقتصادي، إذ ركز اللقاء على العلاقات الاقتصادية المتميزة بين مصر والمجر، وبلورة شكل العلاقات بين الدولتين بالمستقبل القريب، وهو الأمر الذي يُحقق عوائد اقتصادية كبيرة للقاهرة وبودابست.
تأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى الجانب الاقتصادي من اللقاء، إضافة إلى التعرف على الوضع الحالي للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، ومستقبل العلاقات في الأجل القصير.
أوجه التعاون الاقتصادي
نستدل على الجانب الاقتصادي للقاء وزير الخارجية المصري ووزير الخارجية والتجارة المجري من خلال النقاط الآتية:
(*) تعاون في التجارة والاستثمار: أوضح وزير الخارجية المصري أن التعاون بين مصر والمجر سيكون في مجالات السياحة والزراعة والتعليم وإدارة الموارد المائية، وفي مجال التبادل التجاري، إذ صدرت المجر 19 ألف بقرة لمصر، عام 2023، حسبما أوضح وزير الخارجية والتجارة المجري، كما تُقدم العديد من المنح الدراسية للطلاب المصريين، إذ زاد عددها إلى 200 منحة دراسية، وهناك تطلع بأن يتضاعف هذا العدد، كما أشار عبدالعاطي إلى هدف تكثيف التعاون في مجالات الاستثمار، على خلفية انعقاد منتدى الأعمال المصري المجري، لبحث سبل تطوير العلاقات الاستثمارية بين الدولتين.
(*) تعاون بمجال الطاقة النووية: تم توقيع مذكرة تفاهم مُشتركة بحضور وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري؛ لتعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا المفاعلات النووية، وسيكون هناك تعاون بين محطة "الضبعة" المصرية ومحطة "باكش 2" المجرية، وكما أوضح وزير الخارجية والتجارة المجري أنه سيكون هناك حوار فني بين القائمين على المشروعات، والمجر لديها تكنولوجيات متقدمة معترف بها عالميًا، يمكن أن تسهم في بناء محطة الضبعة النووية بمصر.
(*) زيادة الدعم المالي لمصر: أشاد وزير الخارجية والتجارة المجري بالدور المصري الكبير في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وضرورة الإسراع في تنفيذ الاتفاقية بين مصر والاتحاد الأوروبي، التي عقدت يونيو الماضي، عن الدعم المالي لمصر، وطالب بسرعة تحويل الدعم إلى الدولة المصرية، وفي إطار صندوق السلام الأوروبي.
(*) مشروع تعاون في إفريقيا: تطرق اللقاء إلى مشروع التعاون بين البلدين في إفريقيا، يُمثله النموذج الأول في غانا بالقطاع الطبي والأدوية والتصنيع المُشترك للدواء، إذ إن هناك سوقًا إفريقية كبيرة، كما أن المجر ومصر لديهما ميزة تنافسية في مجال الدواء، وأوضح بيتر سيارتو، إلى أن الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، يتطلب وضع استراتيجية تنموية لإفريقيا، إذ سيزداد عدد سكانها بمقدار 750 مليون نسمة بعد 20 عامًا، الأمر الذي يؤدي إلى كارثة إنسانية أو تدفق مهاجرين لأوروبا.
العلاقات الاقتصادية
يُمكن توضيح العلاقات الاقتصادية بين مصر والمجر من خلال النقاط الآتية:
(&) حجم التبادل التجاري: شهدت العلاقات التجارية بين مصر والمجر طفرة كبيرة، عام 2023، إذ قدرت وزارة التجارة والصناعة نمو التبادل بنحو 16.9%، بلغ 379 مليون دولار بالمُقارنة بـ324 مليون دولار، عام 2022، ما يدل على تطور التبادل التجاري بين الدولتين، وتشمل أهم بنود التجارة بين البلدين، البلاستيك والكيماويات العضوية وغير العضوية، والخضر، والفاكهة، والأجهزة الإلكترونية، والسيراميك، والمطاط، والأسمدة، والسيارات، والوقود المعدني.
ويمكن توضيح الصادرات والواردات بين البلدين في شكل (1) و(2)، إذ يشير شكل (1) إلى انتعاش الصادرات المصرية للمجر بشكل كبير، خلال السبع سنوات الماضية، إذ ارتفعت من 8.36 مليون دولار عام 2012 إلى 87.1 مليون دولار عام 2023، ويوضح الشكل أيضًا أن الصادرات المصرية عام 2022 انخفضت عن معدلاتها في السنوات الخمس السابقة، إذ انخفضت من 141 مليون دولار في 2017 إلى 83.8 مليون دولار عام 2022، وهو الأمر الذي يحتاج إلى دفعة قوية لهذا التعاون.
ويُشير شكل (2) إلى حجم ورادات مصر من المجر، إذ شهدت أيضًا طفرة خلال الفترة محل الدراسة، وارتفعت من 99.8 مليون دولار في عام 2012 إلى 293 مليون دولار في عام 2023، ويوضح الشكل انخفاض واردات مصر من المجر، خلال عام 2022، بالنسبة لمستواها في عام 2021، إذ انخفضت من 328 مليون دولار إلى 239 مليون دولار، وتحتل معدات السكك الحديدية وقاطرات الترام المرتبة الأولى للواردات المصرية من المجر، إذ بلغت قيمتها 127.36 مليون دولار في عام 2023، وتليها في المرتبة الثانية الآلات والمفاعلات النووية والغلايات بقيمة 36.32 مليون دولار، ثم مركبات أخرى عدا السكة الحديد والترام بقيمة 35.89 مليون دولار، ثم منتجات كيماوية متنوعة بقيمة 12.91 مليون دولار.
(&) حجم الاستثمارات: تتميز العلاقات الاستثمارية بين البلدين بالتطور الكبير، إذ بلغ حجم الاستثمارات المجرية في مصر نحو 43 مليون دولار في عام 2023، موزعة على 74 مشروعًا في العديد من المجالات، منها الصناعة والزراعة والسياحة والإنشاءات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وهو الأمر الذي يوضح التنوع الكبير في الاستثمارات المجرية الموجهة للدولة المصرية، وأنها تمس قطاعات مهمة داخل الدولة.
مستقبل العلاقات
يمكن توضيح مستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر والمجر، من خلال النقاط التالية:
(-) زيادة التعاون في مجال النقل: تتعاون دولة المجر بشكل كبير في قطاع السكك الحديدية المصري، إذ تقوم المجر بتوريد أكثر من 1350 عربة قطار بجدول زمني مُحدد، كما أوضح وزير الخارجية المصري في اللقاء، حيثُ تم توريد أكثر من 970 عربة قطار، وسيتم توريد الباقي وفق الجدول الزمني، الأمر الذي يرفع من جودة القطارات في قطاع النقل المصري، بأن تكون وفق تكنولوجيا متطورة، كما أنه سيتم نقل تكنولوجيا التصنيع إلى الدولة المصرية عن طريق الاحتكاك بديناميكية التصنيع المجري، ما يعمل على توطين هذه الصناعة داخل الدولة المصرية.
(-) زيادة التعاون التجاري: يمكن القول إن العلاقات التجارية بين مصر والمجر في الفترة المقبلة، ستشهد انتعاشة كبيرة، خاصة أن اللقاء ركز على هذا المحور بشكل كبير، فكما تم التوضيح أن العلاقات التجارية بين البلدين شهدت تطور في عام 2023، وهو الأمر الذي سيزداد في السنوات المقبلة بشكل كبير.
(-) زيادة الاستثمارات: من خلال وفد رجال الأعمال المُصاحب له، أوضح وزير الخارجية والتجارة المجري، أن ممثلي ورؤساء 23 شركة مجرية سيجتمعون مع 104 أطراف مصرية، ويمكن الاستدلال على أن الاستثمارات المجرية في الدولة المصرية ستزداد بشكل كبير، إذ سيكون هناك تعاون أكبر بين القطاع الخاص المصري والمجري، ما يعطي احتمالية أنها ستتجاوز 43 مليون دولار، وهو الأمر الذي سيحفز نمو العديد من المجالات الاقتصادية بمصر، ومنها الزرعة والصناعة.
(-) زيادة التعاون في إدارة الموارد المائية: تمتلك المجر تكنولوجيا متطورة في كيفية إدارة الموارد المائية، وهو الأمر الذي ركز عليه اللقاء، ما يعطي تنبؤًا بدرجة كبيرة أن التعاون في هذا المجال سيزداد في الفترة المقبلة، وستزداد المشروعات المشتركة بين البلدين في مجال إدارة الموارد المائية، ما يعمل على زيادة كفاءة وحدة استخدام المياه بالدولة المصرية.
(-) انتعاش السياحة بين البلدين: من المتوقع أن يشهد قطاع السياحة بين مصر والمجر انتعاشًا كبيرًا، خاصة بعد أن أوضح وزير الخارجية المصري أنه سيتم زيادة رحلات الطيران المباشرة من المجر إلى المطارات المصرية، بما فيها مطار سفنكس والأقصر، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تدفق عدد كبير من السياح المجريين إلى مصر.
(-) التعاون في مجال الطاقة: سيترتب على مذكرة التفاهم بين مصر والمجر، انتعاش التعاون في مجال الطاقة بشكل كبير، خلال الفترة المقبلة، خاصة في مجال الطاقة المُتجددة التي تُعتبر مستقبل أي اقتصاد، كما ستشهد صناعة المفاعلات النووية طفرة كبيرة بالاقتصاد المصري.
(-) التعاون في مجال الإنترنت: من المتوقع أن يزداد التعاون في مجال الإنترنت، بعد قيام شركة "4IG" بوضع كابل بحري بين مصر وألبانيا، ما سيعمل على توصيل الإنترنت إلى 6 ملايين مصري، كما سيكون هناك استثمارات لشركة "4IG" لتوفير خدمات الإنترنت فائق السرعة، الأمر الذي سيعمل على زيادة سرعة الإنترنت بالدولة المصرية.
وفي النهاية يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية بين مصر والمجر ستشهد نموًا كبيرًا، خلال السنوات المُقبلة، إذ إن الجانبين يتطلعا إلى مزيد من التعاون في مختلف المجالات الأساسية، وهو الأمر الذي سيُحقق منفعة كبيرة للقاهرة وبودابست، فالدولة المصرية ستستفيد من تدفقات استثمارية كبيرة ونقل تكنولوجيا التصنيع المُتقدمة في مختلف المجالات، ومن ناحية أخرى ستستفيد المجر من كون السوق المصرية سوق إفريقية كبيرة، وأن لديها ميزة تنافسية في العديد من المجالات، وأنها في موقع جغرافي استراتيجي، يُحفز صادرات المجر إلى دول العالم أجمع.