في خضم الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا منذ حل البرلمان، كثرت التكهنات حول هوية رئيس الوزراء الفرنسي القادم، قبل أن يبرز اسم تيري بوديه كمرشح محتمل لمنصب رئيس الوزراء خلفًا لجابرييل أتال، ما يسلط الضوء على آخر التطورات في هذا الشأن.
من هو تيري بوديه؟
تيري بوديه، البالغ من العمر 62 عامًا، ليس وجهًا مألوفًا في الساحة السياسية الفرنسية التقليدية، إذ إنه وفقًا لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، فإن بوديه يتمتع بخلفية متنوعة تجمع بين التعليم والعمل المجتمعي.
بدأ حياته المهنية كمعلم، قبل أن ينتقل إلى العمل في قطاع التأمين والتكافل، إذ تولى مناصب قيادية رفيعة، وحاليًا يشغل منصب رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وهو الهيئة الاستشارية الثالثة في الجمهورية الفرنسية بعد الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
تشير ليبراسيون إلى أن خبرة بوديه في إدارة المؤسسات الاجتماعية وقدرته على بناء التوافق هي ما جعله يلفت انتباه الرئيس ماكرون، إذ قاد بوديه الجمعية الوطنية للتأمين الاجتماعي الفرنسية من 2016 إلى 2021، وهي فترة شهدت تحديات كبيرة في قطاع الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي في فرنسا.
لماذا بوديه؟
يبدو أن اختيار بوديه، إذا تم تأكيده، يعكس استراتيجية جديدة من قبل الرئيس ماكرون في التعامل مع الأزمة السياسية الحالية، فحسب ما نقلته ليبراسيون، فإن ماكرون يسعى إلى شخصية قادرة على بناء التوافقات وتجاوز الانقسامات السياسية التقليدية.
وتنقل الصحيفة عن مصدر مقرب من الرئاسة الفرنسية قوله: "إنه خيار جدي للغاية"، مشيرًا إلى أن ماكرون قد التقى بالفعل مع بوديه مرتين خلال الأسبوع الماضي.
التحديات أمام ترشيح بوديه
رغم الاهتمام الأولي بترشيح بوديه، إلا أن هناك تحديات كبيرة أمام هذا الاختيار، إذ تشير ليبراسيون إلى أن بعض الأصوات داخل المعسكر الرئاسي تتساءل عمّا إذا كان تعيين شخصية تكنوقراط بعد سبعة أسابيع من المشورات سيكون استجابة كافية لنتائج الانتخابات الأخيرة، إذ نقلت الصحيفة عن مصدر داخل الحزب الرئاسي قوله: "تعيين تكنوقراطي لمواصلة سياسات ماكرون بعد كل هذا الوقت قد يُنظر إليه على أنه تجاهل لرسالة الناخبين".
كما أن افتقار بوديه للخبرة السياسية التقليدية قد يشكل تحديًا في التعامل مع البرلمان المنقسم، فعلى الرغم من خبرته في إدارة المؤسسات الاجتماعية، إلا أن مواجهة المعارضة البرلمانية تتطلب مهارات سياسية مختلفة.
وتنقل ليبراسيون عن محلل سياسي قوله: "بوديه قد يكون جيدًا في بناء التوافقات، لكن السؤال هو: هل يمكنه الصمود أمام الهجمات السياسية المتوقعة من اليمين واليسار على حد سواء؟".
المنافسون الآخرون
ذكرت ليبراسيون المرشحين الآخرين المحتملين لمنصب رئيس الوزراء، إذ أشارت الصحيفة إلى أن الرئيس ماكرون التقى أيضًا ببرنار كازنوف، رئيس الوزراء السابق في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، وكزافييه بيرتران، الرئيس السابق لمنطقة أو دو فرانس.
وتوضح ليبراسيون أن كازنوف، المنتمي لليسار، قد يكون خيارًا لماكرون إذا أراد التقارب مع جزء من اليسار المعتدل، فخبرة كازنوف السياسية والإدارية قد تكون مفيدة في إدارة الأزمات الحالية.
من جهة أخرى، يمثل بيرتران، المنتمي لليمين، فرصة لماكرون لاستمالة جزء من الناخبين اليمينيين وربما بعض نواب حزب الجمهوريين.
وتنقل الصحيفة عن مصدر مطلع قوله: "ماكرون يبحث عن شخصية قادرة على تحقيق توازن دقيق بين الكفاءة الإدارية والقبول السياسي. كل من المرشحين الثلاثة لديه نقاط قوة وضعف، والقرار النهائي سيعتمد على التقييم الدقيق للوضع السياسي الراهن."
ضغوط الوقت على ماكرون
تؤكد ليبراسيون أن الوقت يداهم الرئيس ماكرون لتشكيل حكومة جديدة، فميزانية عام 2025 يجب تقديمها إلى البرلمان في موعد أقصاه 1 أكتوبر؛ ما يضع ضغطًا إضافيًا على عملية اختيار رئيس الوزراء الجديد.
وتنقل الصحيفة عن مصدر في قصر الإليزيه قوله: "الرئيس يدرك تمامًا حساسية الوضع وأهمية اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، لكنه أيضًا حريص على عدم التسرع في قرار قد يكون له تداعيات كبيرة على المدى الطويل."
مواقف بوديه السابقة
من الجوانب المثيرة للاهتمام التي يسلط عليها تقرير ليبراسيون الضوء، مواقف بوديه السابقة حول قضايا حساسة، إذ انتقد في يونيو الماضي قرار حل الجمعية الوطنية، معتبرًا أنه أدخل فرنسا في "أزمة سياسية وديمقراطية غير مسبوقة"، كما اتخذ مواقف واضحة مؤيدة للقتل الرحيم ومعارضة لقانون الهجرة الأخير.
وتنقل ليبراسيون عن محلل سياسي قوله: "مواقف بوديه السابقة تظهر استقلاليته الفكرية، وهو ما قد يكون جذابًا لماكرون الذي يسعى لتجاوز الانقسامات التقليدية. لكن في الوقت نفسه، قد تثير هذه المواقف حفيظة بعض الأطراف السياسية، خاصة على اليمين."
وتضيف الصحيفة أن بوديه، في حال تعيينه، قد يواجه تحديًا في التوفيق بين مواقفه الشخصية وضرورات المنصب السياسي. فرئيس الوزراء في فرنسا مطالب بتنفيذ سياسات الرئيس، حتى وإن تعارضت مع قناعاته الشخصية في بعض الأحيان.