في تطور يعيد تشكيل المشهد السياسي الأمريكي، أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تقدم ملحوظ لمرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس (نائبة الرئيس الحالي جو بايدن) على منافسها الجمهوري دونالد ترامب في السباق نحو البيت الأبيض عام 2024.
ارتفاع غير مسبوق في حماس الديمقراطيين
شهدت الساحة السياسية الأمريكية تحولًا جذريًا في مستويات الحماس بين صفوف الناخبين الديمقراطيين منذ ترشيح هاريس، ووفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة جالوب الأمريكية فإن نحو 78% من الناخبين الديمقراطيين أعربوا عن حماسهم الشديد للمشاركة في التصويت مع ترشيح هاريس لقيادة الحزب، وهذه النسبة تمثل قفزة هائلة مقارنة بـ55% فقط في شهر مارس الماضي، عندما كان جو بايدن هو المرشح المحتمل للحزب.
يشير جيفري إم جونز، وهو محلل بارز في المؤسسة الأمريكية، إلى أن "الديمقراطيين والمستقلين المؤيدين للحزب الديمقراطي هم المحرك الرئيسي وراء هذا الارتفاع الملحوظ في مستويات الحماس على الصعيد الوطني".
وأضاف جونز أن مستويات الحماس الحالية للديمقراطيين تقل بنقطة واحدة فقط عن أعلى مستوى سجلته جالوب في القرن الواحد والعشرين، والذي بلغ 79% في فبراير 2008، خلال المنافسة بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون على ترشيح الحزب.
هذا الارتفاع الكبير في مستويات الحماس يعكس تغيرًا جوهريًا في المزاج العام للناخبين الديمقراطيين، فبعد فترة من القلق والتردد حول فرص الحزب في الانتخابات المقبلة، يبدو أن ترشيح هاريس أعاد الثقة والحماس إلى قواعد الحزب، مما قد يكون له تأثير كبير على نسب المشاركة في الانتخابات.
مؤشر إيجابي
تعزز الأرقام الواردة من استطلاعات الرأي الوطنية الأخيرة الانطباع بأن ترشيح هاريس أحدث تحولًا إيجابيًا في حظوظ الحزب الديمقراطي، إذ أظهر استطلاع حديث أجرته رويترز وإبسوس، تقدم هاريس على ترامب بنسبة 45% مقابل 41% على المستوى الوطني.
هذه النتيجة ليست معزولة، بل تتسق مع سلسلة من الاستطلاعات الأخرى التي أجريت منذ انعقاد المؤتمر الوطني الديمقراطي في شيكاغو، الأسبوع الماضي.
الجدير بالذكر أن هذه الأرقام تمثل تحسنًا ملحوظًا مقارنة بأداء بايدن في الاستطلاعات قبل انسحابه، إذ كان الرئيس الحالي يعاني من تراجع مستمر في شعبيته، خاصة بعد أدائه الضعيف في إحدى المناظرات، مما هدد بتعميق حالة الركود التي كانت تعاني منها أرقامه في مواجهة ترامب.
المعركة الحاسمة في الولايات المتأرجحة
رغم أهمية الاستطلاعات الوطنية في رسم صورة عامة لاتجاهات الناخبين، إلا أن المعركة الحقيقية في النظام الانتخابي الأمريكي تدور في الولايات المتأرجحة، التي تتغير نتائجها من انتخابات لأخرى، هي التي ستحدد في النهاية من سيفوز بمفاتيح البيت الأبيض في 5 نوفمبر 2024.
وفي هذا السياق، تظهر هاريس تحسنًا ملحوظًا مقارنة بأداء بايدن قبل انسحابه، إذ أظهر استطلاع أجرته شبكة فوكس نيوز، تقدمها بفارق ضئيل في ثلاث من أربع ولايات جنوبية رئيسية تعد ساحات معركة حاسمة.
في ولاية أريزونا، تتقدم هاريس بنسبة 48% مقابل 47% لترامب، وفي جورجيا، تحافظ على تقدمها بنسبة 48% مقابل 46% لترامب، أما في نيفادا، فتحقق هاريس نفس النتيجة بتقدمها بنسبة 48% مقابل 46% لمنافسها الجمهوري.
هذه النتائج تكتسب أهمية خاصة عند مقارنتها بأداء بايدن في نفس الولايات قبل انسحابه، ففي أبريل الماضي، كان بايدن متأخرًا بست نقاط في جورجيا، وبخمس نقاط في كل من نيفادا وأريزونا حتى شهر يونيو.
أما في ولاية نورث كارولاينا، التي فاز بها ترامب بفارق ضئيل جدًا بلغ 1.4% فقط في انتخابات 2020، فلا يزال المرشح الجمهوري متقدمًا، ولكن بفارق نقطة واحدة فقط (48% مقابل 47%)، هذا التقارب الشديد يجعل من نورث كارولاينا ساحة معركة محتدمة من المتوقع أن تشهد حملات مكثفة من كلا الجانبين في الأشهر المقبلة.
رد فعل حملة ترامب
لم تمر هذه النتائج مرور الكرام على حملة الرئيس السابق، إذ أثارت الاستطلاعات، خاصة تلك التي أجرتها فوكس نيوز، رد فعل غاضبًا وحادًا من فريق حملة ترامب.
في بيان رسمي، هاجمت الحملة الاستطلاعات بشدة، قائلة: "إنه ذلك الوقت من العام مرة أخرى.. فوكس تنشر استطلاعات رأي فظيعة.. الرئيس ترامب يواصل التفوق على استطلاعات الرأي من الدورات السابقة"، ما يعكس مدى أهمية هذه الاستطلاعات وتأثيرها المحتمل على مسار الحملة الانتخابية، إذ إن حملة ترامب تدرك جيدًا أن مثل هذه الأرقام قد تؤثر على معنويات مؤيديه وعلى قدرته في جمع التبرعات، وهو ما يفسر محاولتها التشكيك في مصداقية هذه الاستطلاعات.
توقعات بمشاركة قياسية في التصويت
مع ارتفاع مستويات الحماس لدى كلا الحزبين، يتوقع المحللون السياسيون مشاركة قياسية في التصويت خلال الانتخابات المقبلة، وقال جيفري إم جونز: "نتيجة لارتفاع الحماس في الانتخابات في كلا الحزبين، قد تتجاوز نسبة مشاركة الناخبين ما كانت عليه في 2020، عندما أدلى ثلثا البالغين المؤهلين للتصويت في الولايات المتحدة بأصواتهم، وهو أعلى معدل منذ أكثر من 100 عام".