شهد اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر الإسرائيلي (الكابينيت)، مساء أمس الخميس، مشادة كلامية حادّة غير مسبوقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، ما يشير إلى انقسامات عميقة داخل الحكومة الإسرائيلية حول استراتيجية التعامل مع الأزمة في غزة، وقد يكون له تداعيات كبيرة على مستقبل المفاوضات مع حركة حماس وعلى الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل.
تفاصيل الاجتماع المتوتر وبداية الخلاف
وفقًا لتقرير نشره موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي، عُقد اجتماع الكابينيت وسط مفاوضات جارية بين إسرائيل وحركة حماس، بوساطة مصرية قطرية أمريكية حول صفقة محتملة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.
خلال الاجتماع، قدم "جالانت" عرضًا مفصلًا يدعم فيه التحرك نحو إبرام صفقة في أقرب وقت ممكن، مؤكدًا أن الأمر لا يتعلق فقط بتحرير المحتجزين لدى حماس، بل يمثل أيضًا "مفترقًا استراتيجيًا" لإسرائيل.
ووفقًا لـ"أكسيوس"، شدد وزير الدفاع على أن اختيار مسار يؤدي إلى صفقة قد يؤدي إلى تخفيف التوترات الإقليمية مع إيران وحزب الله، ويسمح لقوات الدفاع الإسرائيلية بإعادة التجمع وإعادة التسلح وإعادة التفكير في استراتيجيتها وتحويل تركيزها من غزة إلى التهديدات الإقليمية الأخرى.
وحذر جالانت من أن عدم السعي نحو صفقة قد يترك جيش الاحتلال الإسرائيلي عالقًا في غزة، مع تفاقم التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما قد يؤدي إلى حرب إقليمية بينما تركيز الجيش الإسرائيلي منصب على مكان آخر.
تصاعد الخلاف حول نشر القوات على الحدود
خلال المناقشة، أطلع "نتنياهو" الوزراء على الوضع الحالي للمفاوضات، وتطرق إلى أحد القضايا الرئيسية وهي مطالبته ببقاء جيش الاحتلال منتشرًا بالكامل على طول محور فيلادلفيا على الحدود بين مصر وغزة خلال تنفيذ صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار، وهو المطلب الذي تعارضه مصر.
وعرض نتنياهو على الوزراء خرائط لانتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود بين مصر وغزة، مؤكدًا أنها رُسمت من قبل جيش الاحتلال وحظيت بتأييد إدارة بايدن.
في هذه اللحظة، تدخل جالانت واتهم نتنياهو بفرض الخرائط على جيش الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من أن موقف جيش الاحتلال هو أنه يمكن التخفيف من مخاطر سحب القوات من المنطقة من أجل التوصل إلى صفقة للرهائن، ما أثار غضب نتنياهو، الذي ضرب بيده على الطاولة واتهم جالانت بالكذب، معلنًا أنه سيطرح الخرائط للتصويت في الكابينيت على الفور.
تبادل الاتهامات وتصعيد اللهجة
رد جالانت على نتنياهو بهجوم حاد، قائلًا: "بصفتك رئيسًا للوزراء، يحق لك طرح أي قرار تريده للتصويت، بما في ذلك إعدام الرهائن"، وفقًا لما نقله أحد مساعدي وزير الدفاع.
وأضاف جالانت مخاطبًا الوزراء أن تمرير القرار سيمنح يحيى السنوار، زعيم حركة حماس، المزيد من النفوذ في المفاوضات.
وتابع وزير الدفاع قائلًا: "علينا أن نختار بين محور فيلادلفيا والرهائن، لا يمكننا الحصول على كليهما، إذا صوتنا، فقد نكتشف إما أن الرهائن سيموتون أو أننا سنضطر إلى التراجع لإطلاق سراحهم".
هذه التصريحات الحادة من جالانت تعكس عمق الخلاف بينه وبين نتنياهو حول كيفية إدارة الأزمة في غزة والتعامل مع ملف الرهائن.
نتيجة التصويت وتداعياتها المحتملة
في التصويت الذي تلا هذه المشادة الحادة، وجد جالانت نفسه معزولًا، إذ صوّت نتنياهو وسبعة وزراء آخرين لصالح الحفاظ على السيطرة العسكرية الكاملة على محور فيلادلفيا.
وكان جالانت هو الوحيد الذي صوت ضد القرار، ما يشير إلى عمق الانقسام داخل الكابينيت حول هذه القضية الحساسة.
وعلى الرغم من هذا الخلاف الحاد، أشار مساعدو جالانت إلى أنه لا ينوي الاستقالة في الوقت الحالي، ومع ذلك، فإن هذه الحادثة قد تدفع نتنياهو إلى التفكير مجددًا في إمكانية إقالة وزير دفاعه، كما فعل في عام 2023.
مثل هذا القرار، إن اتُخذ، من شأنه أن يعمق الأزمة السياسية في إسرائيل ويزيد من حدة الانقسامات داخل الحكومة في وقت حرج.
انعكاسات الخلاف على الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل
يأتي هذا الخلاف الحاد في وقت تواجه فيه حكومة نتنياهو انتقادات متزايدة من الداخل والخارج بسبب إدارتها للحرب على غزة، فقد أدى استمرار وجود المحتجزين لدى حماس وتزايد الخسائر في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى تصاعد الضغوط الشعبية على الحكومة للتوصل إلى حل.
ومن المرجح أن يؤدي هذا الخلاف العلني بين نتنياهو وجالانت إلى تعميق الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم وزيادة الدعوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، كما قد يؤدي إلى مزيد من التوتر بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية في إسرائيل، وهو ما قد يكون له تداعيات خطيرة على إدارة الصراع مع حماس والتعامل مع التهديدات الأمنية الأخرى.