مهدي كريرة: البطل تعرض لفقدان الذاكرة لمدة 10 سنوات
واجهت تحديات صعبة ولكنني متمسك بالحياة والأمل
من مخلفات الحرب وبقايا المساعدات الإنسانية، صنع المخرج الفلسطيني مهدي كريرة عالمًا جديدًا، إذ نسخ قصته المستوحاة من واقع مرير تم فرضه على أبناء شعبه، باستخدام عرائس الماريونيت، إذ استغل موهبته في صنع الدمى لتقديم فيلمه السينمائي "صبايا"، في رحلة أشبه بالبحث عن حياة بديلة يعيشها هربًا من واقع مؤلم.
وقال "كريرة"، في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية": "الفيلم يروي قصة (أبو المجد) الذي فقد ذاكرته في الحرب عام 2014، وبمرور السنوات ومع اندلاع الحرب الحالية عام 2023 عادت له الذاكرة تحت تأثير أصوات الصواريخ والقذائف التي أفاقته من فقدانه للذاكرة، ليتفاجأ بأن له ابن وزوجة، ويفاجئ بها تقول له: مالك يا أبو المجد.. أنت صحيت!"، فيرد عليها مستنكرًا: "أنتِ مين ومن هذا الولد"، ثم يبدأ في تذكر الأحداث رويدًا رويدًا، وتسرد له زوجته كيف كانت حياتهم في الحرب ما بين 2014 إلى 2024، وحرب الإبادة التي يعيشها أبناء غزة حاليًا.
وهربًا من واقعه، يطلب منها العودة لفقدان الذاكرة كمحاولة للعودة للمكان الذي كان يعيش فيه قبل النزوح، ولكن ابنه يقول له إن هذا المكان آمن والأب يعارضه ويقول له: "علينا أن نفقد الذاكرة طالما أن العالم ليس مهتمًا بما يحدث لنا من إبادة ولم يقف بجوارنا أحد"، وعائلته تؤكد له أنه ينبغي عليهم أن يكونوا يقظين لأنهم يحملون ذاكرة الوطن، وعليهم أن يظلوا معًا.
حمل "مهدي" الأمل في قلبه، وصنع من بقايا حطام واقعه، شخوصًا قدم بها فيلمه السينمائي القصير، وقال عن ذلك:" صنعت الشخصيات من دمى ماريونيت من معلبات المساعدات ومخلفات الحرب سواءً خشبًا أو كارتونًا أو صفيحًا، والأقمشة الممزقة من المنازل المدمرة وبلاستيك من ثلاجات تحتوي على مواد غذائية، وكنت أعمل على تحريكها بالخيوط بمشاركة زوجتي ونجلي معتز".
يمثل هذا العمل جزءًا من سلسلة "أفلام المسافة صفر"، التي أشرف عليها المخرج رشيد مشهراوي، وعن ذلك قال "كريرة": "رشحني الأستاذ رشيد والمخرجة الفلسطينية ليالي بدر لأكون جزءًا من هذه السلسلة، إذ دفعتني الحرب لتصنيع العرائس من مخلفات الحرب، وأنا في الأصل أعمل صانع ومحرك عرائس ماريونيت، ودمجت في الفيلم أغنية للشاعر المصري زين العابدين وهي اختيار الفلسطينية ليالي بدر والتي تعيش في مصر، وغنتها ابنتي ريماس، ووظفتها بشكل جيد أضفت رونقًا وطعمًا خاصًا بالفيلم".
رغم أن مدة عرض الفيلم قصيرة ما بين 3 إلى 5 دقائق، ولكن استغرق تنفيذه وقتًا طويلًا، وواجه مخرجه تحديات كثيرة، قال عنها: "أكبر تحدٍ يمكن أن يواجه الإنسان هو العمل تحت الحرب، التي أجبرتنا على الكتابة تحت القصف والقذائف، ورحلة البحث عن المواد الخام من المخلفات، واحتمالية الموت أثناء السير في الطريق والخوف على عائلتي ووالدتي التي تقطن في شمال غزة، فكيف لشخص أن يبدع بهذه الظروف وفي قلبه شظايا".
أضاف: "هناك قصص حقيقية تشبه ما قدمته بالفيلم، وبخلاف الحرب واجهت تحديات في إنتاج وتسجيل الصوت، إذ كنا نجلس في ما يشبه النفق، وأحيانًا كثيرة نعيد ما سجلناه مع سماعنا لصوت بائع متجول أو ضجيج الطائرة الزنانة على مدار 24 ساعة، وعقب إنتاج صوت الدمى، وقف أمامنا تحدٍ آخر وهو الأغنية التي غنتها ابنتي ووضع موسيقى لها والبحث عن عود أو جيتار، فهي أشياء تعد رفاهية في ظل الحرب، وبعد رحلة طويلة من البحث وجدنا شخصًا لديه "لاب توب" ولكن ليس لديه كهرباء فبدأنا نبحث عن الكهرباء أو وحدة طاقة شمسية وبعد عناء طويل أنتجنا الصوت".
"مهدي" الذي يعمل بمهنة تحريك الدمى، وقف أمامه تحدٍ من نوع آخر وهو رغبته في تحريك الفك السفلي للدمية ليعطي لها مرونة، قائلًا: "الدمية مصنوعة بالكامل من المعلبات والمخلفات وكان من الصعب أن يكون فكها متحرك، ولذلك كنت أريد تحريكه ليعطي حيوية أثناء الكلام، فكانت مهمة صعبة أيضًا لأنها أول تجربة لي أثناء الحرب، كما حاولت إنشاء ديكور يتناسب مع حجم الدمية الصغير".
كان أبناء وزوجة "مهدي" جزءًا أصيلًا من هذه التجربة السينمائية، وأوضح ذلك قائلًا: "تعليم الأولاد تحريك الدمى مهمة صعبة، ولظروف الحرب نزحت لمكان آخر في يوم بروفة التصوير، حيث كنت أقيم في منزل مهجور ليس به أحد، ثم جلست في مخيم على البحر، وأجلنا التصوير أكثر من مرة، للبحث عن مكان آمن، حتى صورنا جزءًا من العمل في الشارع وآخر في مخزن صغير كنا نسكن فيه، كما أعدنا التصوير أكثر من مرة بناء على بعض التعديلات، ورغم كل هذه الظروف نحن نحب الحياة ونتمسك بها، ونقدم فنًا يُعبّر عنّا، ورغم أننا مررنا بحروب وقصف سنين طويلة ولكن هذه الحرب هي الأعنف والأشد فتكًا".