- تحدينا نقاط التفتيش العشوائية وإغلاق الطرق لتصوير "الأستاذ"
- من المحبط صناعة فيلم تدور قصته ويصور في واقع قاسٍ
- أحترق كل دقيقة بسبب ما يحدث في غزة.. وأشعر أن إنسانيتنا باتت موضع شك
- النجاح بالنسبة لي هو سرد قصص تهمني والتعبير عن قضايا مسكوت عنها
لم تكن زيارة المخرجة البريطانية الفلسطينية فرح النابلسي، إلى فلسطين مجرد زيارة عابرة، لكنها غيرت من نظرتها للأمور واتخذت بعدها قرارًا بالتخلي عن عملها في المجال المالي، والانتقال إلى سحر السينما لتعبر من خلالها عن هذا العالم المليء بالحكايات، وتنضم إلى قائمة المخرجين الذي سخَروا جهودهم للتعبير عن حقوق الشعب الفلسطيني وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وكانت "الهدية" أولى خطواتها في عالم الإنتاج والإخراج، سبقتها تجارب عديدة كمؤلفة في 3 أفلام، وكان النجاح الكبير لهذه الأعمال دافعًا قويًا لها لاستكمال هذه الرحلة المُلهمة، إلى أن وصلت لتجربة فيلم "الأستاذ" والذي عرض في الدورة الماضية لمهرجان الجونة السينمائي، وحاز على ردود فعل قوية هناك، وفي العديد من المهرجانات الدولية، إذ تدور أحداثه حول أستاذ فلسطيني يُكافح من أجل التوفيق بين التزامه بالمقاومة السياسية التي تهدد حياته ودعمه النفسي لأحد طلابه، بجانب بداية علاقة رومانسية جديدة مع إحدى المتطوعات.
حول هذه التجربة تحدثت المخرجة فرح النابلسي في حوار خاص لـ موقع "القاهرة الإخبارية"، والدوافع التي شجعتها لتقديم هذه الفكرة، كما تطرقت إلى الصعوبات والتحديات التي واجهتها لخروج العمل إلى النور، وأيضًا رسالة العمل، وكيف استقبلت خبر عرضه في مصر بعد حصولها على العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية، كما تطرقت في حديثها إلى ما يحدث في غزة حاليًا، ووجهت رسالة للعالم لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض له شعب فلسطين، وأمور أخرى في هذا الحوار:
يعد فيلم "الأستاذ" استكمالًا لسلسلة من الأعمال قدمتها عن فلسطين فما الرسالة التي أردت إيصالها من خلال هذا العمل؟
كان هدفي من خلال هذا العمل اصطحاب المُشاهد في رحلة عاطفية إلى حياة الشخصيات وتجاربهم، وأن أتركهم يفكرون في الاختيارات والقرارات التي تتخذها الشخصيات والواقع القاسي الذي يضطرون فيه إلى اتخاذ هذه القرارات، وأعتقد أنه مع الدمار الحالي في غزة، آمل أن يقدم الفيلم سياقًا أعمق وأكثر إنسانية للجمهور في ظل هذا المشهد الاجتماعي والسياسي والتجربة الفلسطينية الحية.
وعلى مر السنين التقيت وأجريت العديد من المحادثات مع الفلسطينيين الذين عايشوا بشكل مباشر العديد من التجارب السخيفة والقاسية التي ألهمتني في السيناريو، مثل هدم منازل الفلسطينيين وقتل الأطفال الفلسطينيين، بجانب السجناء في السجون العسكرية الإسرائيلية والتخريب والعنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون، فالقصة والفكرة نفسها جاءت عبارة عن تراكم لأحداث واقعية مختلفة حدثت في فلسطين المحتلة والمستعمرة عسكريًا، إلى جانب مخيلتي البصرية واللفظية كمخرجة، إنها قصة كتبتها وأردت أن أرويها.
رغم نشأتك في المملكة المتحدة لكن هذا لم يمنع من التعبير عن جذورك الفلسطينية منذ متى بدأت رغبتك في الاتجاه لهذا العالم؟
بالفعل كان مولدي ونشأتي وتعلمي بالمملكة المتحدة، ولكن هذا لا ينفي أن دمي وتراثي فلسطيني، فوالدي من أصول فلسطينية، وتجربتي المباشرة في السفر إلى فلسطين خلال السنوات الأخيرة فتّحت عيني على الظلم والتمييز العنصري الذي يحدث هناك، لذا أردت أن أكون أكثر دقة وخصوصية في راوية قصة عن شخص يعيش هذا الواقع، فاخترت قصة "جلعاد شاليط"، وهو جندي احتلال إسرائيلي تم أسره عام 2006 وفي عام 2011 تم إطلاق سراحه مقابل أكثر من 1000 أسير سياسي فلسطيني، المئات منهم من النساء والأطفال والمئات منهم معتقلون إداريًا "أي بدون محاكمة"، وهو شيء مذهل أن يكون تحرير شخص واحد من المحتل مقابل أكثر من 1000 شخص فلسطيني، ولم أكن أتصور قط هذا الاختلال في التوزان يتضخم بشكل رهيب مع الموت والمأساة في غزة الآن، حيث قتل أكثر من 35 ألف فلسطيني في الحرب الأخيرة بجانب المصابين وتشريد الملايين.
بالعودة إلى الفيلم مرة أخرى كيف كانت رحلة الفيلم وصعوبات خروجه إلى النور؟
كتبت فيلم "الأستاذ"، منذ نحو 4 سنوات، وبعدها قمنا بتصوير الفيلم على أرض الواقع في الضفة الغربية بفلسطين منذ أكثر من عام ونصف العام، وبالطبع قمت بعدد من الرحلات ذهابًا وإيابًا لاستكشاف الموقع واختيار الممثلين، ولكن استغرق الأمر 3 أشهر على الأرض، معظمها في منطقة نابلس، وقمنا بتصوير الفيلم كاملًا دفعة واحدة، وتم عرض الفيلم لأول مرة في سبتمبر 2023 في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي.
والحقيقة أنه بخلاف المشكلات العملية واللوجستية المعتادة لإنتاج فيلم مستقل، ذي ميزانية محدودة، كان أمامنا مهمة التعامل مع الاستعمار الاستيطاني المستمر والاحتلال العسكري، إذ كنا نواجه مشكلات مثل نقاط التفتيش العشوائية التي يقيمها الجيش الإسرائيلي، أو إغلاق الطرق تمامًا، وهو أمر محبط للغاية في عملية صناعة الأفلام، ولكن التحدي الأكبر كان التحدي العقلي والعاطفي المتمثل في صنع فيلم تدور أحداث قصته في واقع قاسٍ، بينما يتم التصوير في الواقع نفسه.
يعرض الفيلم جانبًا من معاناة الفلسطينيين.. إلى أي مدى ترين أهمية الفن في دعم القضية الفلسطينية؟
الفن يخاطب القلب، وأعتقد أن السينما هي أقوى وأجمل وسيلة للتواصل الإنساني الهادف، فالفيلم يعد وسيلة فنية قوية؛ لأنه يجمع بين راوية القصص المرئية والصدى العاطفي، مما يجعلها قادرة بشكل فريد على التأثير بغض النظر عمّا إذ كان الأمر يتعلق بفلسطين أم لا، وتكمن قوته في عرض القضايا المُعقدة أو تلك التي يُنظر إليها على أنها مُعقدة بطريقة مُقنعة ومترابطة، مما يؤدي إلى سد الفجوات الثقافية والجغرافية التي قد تفصل بين الناس.
وبالنسبة للمجتمع الفلسطيني تمثل الأفلام منصة حاسمة للتعبير عن الذات والحفاظ على الثقافة والمقاومة، إذ نطرح رؤى حول تجاربهم الحياتية وتطلعاتهم ونضالاتهم؛ من أجل الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، ويمكن للأفلام التي تدور حول الفلسطينيين أو التي يصنعونها أن تؤثر بشكل كبير من خلال إضفاء الطابع الإنساني على مجتمع غالبًا ما يتم تصويره من خلال عدسة ضيقة مدفوعة بالصراع في وسائل الإعلام الرئيسية، ويكون ذلك برواية قصصهم الخاصة، ليقدم صانعو الأفلام الفلسطينيين روايات بديلة تتحدى الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة السائدة.
هل ترين أن مثل هذه الروايات قد تنمي فهمًا أعمق للقضية؟
بالتأكيد يُمكن لهذه القصص أن تقوم بهذه المهمة، فمن خلال السينما، يستطيع المجتمع الفلسطيني التعبير عن دعواته للعدالة والمساواة على المسرح العالمي، مما قد يؤدي إلى إحداث تغيير هادف وتعزيز التضامن عبر الحدود، وقد تتجاوز فكرة الصراع لتسلّط الضوء على ثقافتهم الغنية وتاريخهم والحقائق اليومية لحياتهم أيضًا، كما يُمكن لهذه الأفلام أن تكون بمثابة أدوات قوية لمناصرتها وجذب الانتباه الدولي لقضايا العدالة وحقوق الإنسان، والتأثير المستمر ضد الاحتلال والفصل العنصري، كما يمكنها حشد الجماهير العالمية، والتأثير على الرأي العام والسياسة من خلال عرض التكلفة البشرية للصراع والرغبة العالمية في السلام والكرامة.
هل توافر العوامل التي ذكرتها في الفيلم كانت وراء فوزه بجوائز عالمية؟
هناك عدة عوامل بداية من القصة الجيدة والقوية، بجانب فريق عمل متميز لديه شغف وروح في تقديم أفضل ما عنده لتوصيل الرسالة، إضافة إلى قليل من الحظ والتوقيت، والأهم من ذلك إرادة الله، فهذا العمل يُحفزني لصنع أفلام هادفة ذات معنى، وليس النجاح وحده هو ما يحفزني بل الرغبة في سرد قصص تهمني شخصيًا كمخرجة وإنسانة، ورغبتي في التعبير عن القضايا المسكوت عنها أو تلك التي يجرى تحريفها وتهميشها بشكل غير عادل.
وما تعليقك على ما يحدث في فلسطين حاليًا.. وما رسالتك للعالم لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها هذا الشعب المثابر؟
أشعر بما يشعر به الملايين من الناس الغارقين في الحزن، وأشعر وكأنني أحترق كل بضع دقائق وأن إنسانيتنا بأكملها باتت موضع شك، وكل من يتعاملون مع الأمر دون اهتمام ويواصلون حياتهم كأن شيئًا لم يكن لا بد من محاكمتهم، ومن وجهة نظري لا بد من الوقوف بقوة أمام هذا المحتل وسحب الاستثمارات ومقاطعته وفرض العقوبات بجميع أشكالها المختلفة، فإن ذلك سيضع نهاية للظلم ونرى الشعب الفلسطيني محررًا وهذا يمنحني الأمل؛ لذا يجب علينا ألا نستسلم أبدًا، وإذا تخلينا عن غزة فهذا يعني أننا تخلينا عن الإنسانية.
كيف استقبلت خبر طرح الفيلم في دور العرض المصرية؟
أتمنى أن يكون هناك عدد كافٍ من الناس على علم بالفيلم، وأن يعرض في دور السينما قبل أن يسحب منها، وهو ما يحدث غالبًا مع السينما المستقلة، لذا نضطر إلى الاعتماد في بعض الأحيان على الكلام الشفهي لنشر الأخبار التي نعرضها في دور السينما، لأننا لا نملك الأموال اللازمة للقيام بالحملات التسويقية الضخمة التي تطلبها الأفلام الكبيرة الأخرى، وأعلم أنه على مستوى السكان في مصر، هناك الكثير من الحب والتضامن مع النضال الفلسطيني، لذلك أعتقد أن الجمهور المصري سيحب الفيلم.