عكس البيان الختامي للقمة الـ75 لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، التي انعقدت في العاصمة الأمريكية واشنطن في الفترة من 9-11 يوليو 2024، ما تمثله الحرب الروسية الأوكرانية من تهديد للأمن الأوروبي بمفهومه الشامل، وهو الأمر الذي جاء في خطابات المشاركين في القمة، ومنهم تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن على التزام بلاده بحماية الأمن الأوروبي، وتعهده بتقديم الأسلحة المطلوبة لكييف، لمواجهة الهجمات الروسية، وعزمه تقديم أنظمة دفاع جوي من ألمانيا وإيطاليا ورومانيا وهولندا والولايات المتحدة لأوكرانيا، لمساعدتها على صد هجوم خصم أكبر بكثير وأفضل تسليحًا، مشيرًا إلى أن روسيا ستفشل وستنتهي الحرب بأوكرانيا دولة حرة ومستقلة. كما وعد القادة المشاركون في القمة بتخصيص 40 مليار يورو للدفاع عن أوكرانيا في غضون عام.
توجهات داعمة
شكّل الصراع الروسي الأوكراني المحور الأبرز لمناقشات قادة حلف شمال الأطلسي في قمته بواشنطن، وهو ما انعكس على المباحثات بين قادة الدول الأعضاء في الناتو أو ما تضمنه البيان الختامي للقمة، وهو ما يمكن الإشارة إليه على النحو التالي:
(*) مواجهة التهديد الروسي: اشتمل البيان الختامي للقمة على اعتبار روسيا مصدر التهديد الرئيسي للأمن الأوروبي، وهو ما أكده قادة الحلف بالقول "نحن مصممون على ردع ومواجهة الأعمال العدوانية الروسية ومواجهة قدرتها على الدخول في أنشطة مزعزعة للاستقرار ضد الناتو وحلفائه، وأنه بحلول القمة المقبلة، سيتم وضع توصيات في شأن النهج الاستراتيجي لحلف الناتو تجاه روسيا، مع الأخذ في الاعتبار البيئة الأمنية المتغيرة"، لذلك شدد الرئيس الأمريكي جو بايدن على أن التحالف العسكري للناتو أقوى من أي وقت مضى مع وصول الحرب الروسية الأوكرانية إلى نقطة التحول، مضيفًا أن الولايات المتحدة إلى جانب ألمانيا وإيطاليا وهولندا ورومانيا، ستقدم عددًا من أنظمة صواريخ باتريوت أرض-جو وأنظمة دفاع أخرى، لمساعدة أوكرانيا لمواجهة الهجمات الروسية المستمرة.
(*) رفض التمكين الصيني لموسكو: وجّه قادة حلف الناتو خلال القمة رسالة قوية وواضحة إلى الصين، في ظل ما اعتبروه دورها المقلق في الحرب الروسية الأوكرانية، إذ اشتمل البيان على انتقاد حاد للدعم الصيني غير المباشر لروسيا، من خلال دعمها واسع النطاق للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية في ظل الشراكة الاستراتيجية بلا حدود بينهما، ومحاولاتهما المتبادلة لـ"تقويض وإعادة تشكيل النظام الدولي القائم على القواعد"، لذلك اعتبر البيان الختامي لقادة الحلف أن "الطموح المعلن لجمهورية الصين الشعبية، والسياسات القسرية، يستمران في تحدي مصالحنا وأمننا وقيمنا". كما اتهموا بكين بأداء دور رئيسي في دعم "حرب موسكو على أوكرانيا"، وأن الصين "لا يمكنها أن تدعم أكبر حرب في أوروبا في التاريخ الحديث، دون أن يؤثر ذلك سلبًا على مصالحها وسمعتها".
(*) الضمانة الأمريكية للأمن الأوروبي: يشكل حلف الناتو الضمانة الأمريكية للأمن الأوروبي، وهو الأمر الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة الناتو بأنه على الولايات المتحدة المحافظة على التزامها المقدس حيال حلف الأطلسي، قائلًا "إن الالتزام المقدس الذي نقدمه لحلفائنا بالدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو يمنحنا نحن أيضًا الأمان.. وتتجسد الفكرة المركزية من تأسيس حلف الناتو كما جاءت في المادة الخامسة من معاهدة تأسيس الحلف بأن جميع دول الحلف توافق على الدفاع عن أي دولة أخرى فيه، في حالة وقوع هجوم.. وقد شكلت تلك المادة الدافع الرئيسي لانضمام كل من السويد وفنلندا للحلف عقب الحرب الروسية الأوكرانية، وتخليهما عن عقود من الحياد، وربما كانت تلك المادة أيضًا الدافع المحوري لمطالبة أوكرانيا بالانضمام للحلف.
(*) تعزيز الإنفاق العسكري لدول الحلف: رحب بيان القمة الختامي بوفاء ثلثي دول الحلف بالمشاركة في تحمل تكلفة الدفاع، وذلك عن طريق تخصيص ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي لصالح ميزانية الحلف، مع مساهمة البعض بقدر أكبر في ميزانية الدفاع لحلف الناتو.
خطوات حاسمة
لم تكتف قمة الناتو التي انعقدت في واشنطن بشجب الحرب الروسية الأوكرانية، وإنما اتفق قادة الحلف على اتخاذ إجراءات حاسمة على أرض الواقع، لدعم صمود أوكرانيا. ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو التالي:
(&) رفع مستوى الدعم العسكري لأوكرانيا: اتفق قادة الدول الأعضاء في حلف الناتو على دعم أوكرانيا بواحدة من أكبر حزم المساعدات النوعية اقتصاديًا وعسكريًا، ومنها الاتفاق على الالتزام بحد أدنى من المساعدات بقيمة 40 مليار يورو خلال العام المقبل. كما وافقت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها للمرة الأولى منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني في فبراير 2022 على إرسال مقاتلات إف-16 لأوكرانيا، بما يعزز من قدرة الجيش الأوكراني على الصمود في وجه القتال الشرس على الجبهتين الشرقية والجنوبية، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، في 10 يوليو 2024، بأنه من المتوقع تشغيل الطائرات المقاتلة من طراز إف-16 التي قدمتها واشنطن وعدد من الدول الأعضاء في حلف الناتو إلى أوكرانيا بحلول نهاية الصيف، كما تم الإعلان عن عمل كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا ورومانيا على توفير بطارية باتريوت خاصة بها، بينما ستعمل هولندا مع دول أخرى على توفير بطارية باتريوت خاصة بها، بينما ستعمل هولندا مع دول أخرى على توفير بطارية باتريوت إضافية، فيما أعلنت إيطاليا أنها ستوفر أيضًا نظام الدفاع الجوي SAMP–T للسلطات الأوكرانية.
(&) إنشاء وحدة المساعدة والتدريب الأمني في أوكرانيا: كشف البيان الختامي لقمة الحلف عن إنشاء وحدة المساعدة والتدريب الأمني التابعة لحلف الناتو في أوكرانيا، وذلك لتنسيق توفير المعدات العسكرية والتدريب من الحلفاء والشركاء، وهدفها وضع المساعدة الأمنية لأوكرانيا على أساس سليم من خلال توفير دعم معزز منها تعزيز دعم الدفاع عن النفس لأوكرانيا، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وبموجب القانون الدولي، بما لا يجعل الناتو طرفًا في النزاع، من خلال دعم تحويل قوات الدفاع والأمن الأوكرانية، بما يضمن مزيدًا من اندماجها في حلف الناتو (حال الانضمام مستقبلًا).
(&) الاتفاقات الأمنية الثنائية مع أوكرانيا: عقد عدد من الدول الأوروبية اتفاقيات شراكة أمنية مع أوكرانيا، وفي مقدمة تلك الدول بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والبرتغال. وتهدف تلك الاتفاقيات إلى الدعم العسكري والأمني لأوكرانيا من خلال تزويدها بالأسلحة والمعدات العسكرية على فترات ممتدة لمواجهة روسيا.
كما تهدف تلك الاتفاقيات الثنائية أيضًا إلى تمكين الجيش الأوكراني من الردع في المواجهات العسكرية المستمرة في إطار أن أوكرانيا لا تتمتع بعضوية حلف الناتو، وبالتالي فإن تلك الاتفاقيات الثنائية توفر إطارًا بديلًا ومناسبًا لتقديم الدول الأوروبية دعمها لأوكرانيا. ووقع الرئيسان الأمريكي جو بايدن والأوكراني زيلينسكي اتفاقًا أمنيًا لمدة 10 سنوات على هامش اجتماع الدول الصناعية السبع بإيطاليا في يونيو 2024، والذي يضمن التزام الولايات المتحدة بدعم أوكرانيا حتى لو فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد تزامن ذلك الاتفاق مع اتفاق قادة المجموعة على استخدام أصول روسية مجمدة لمساعدة أوكرانيا، كما تم الاتفاق على قرض جديد لكييف بقيمة 50 مليار دولار باستخدام فوائد الأصول الروسية المجمدة.
مجمل القول: على الرغم من أن قمة الناتو الـ75 والتي عقدت في واشنطن جعلت من الدعم الغربي لأوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا المحور الأبرز لفعالياتها وبيانها الختامي، لمواجهة "التهديد الروسي" للأمن الأوروبي، إلا أن ذلك التوجه لاقى انتقادًا من رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذي تتولى بلاده الرئاسية الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، إذ دعا إلى التذكر بأن منظمة الناتو التي تأسست قبل 75 عامًا كمشروع سلام، تهددها العسكرة المتزايدة بعواقب من المستحيل التنبؤ بها.