الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مستقبل دور الناتو في الإندوباسيفيك

  • مشاركة :
post-title
حلف الناتو ودول الإندوباسفيك

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

مثلت عودة صراع القوى العظمى إلى واجهة السياسة الدولية، وبلوغها أعلى مستوياتها خطورة في الميدان الأوكراني، مؤشرًا على تحولات ممتدة على امتداد التنافس بين واشنطن وبكين وموسكو، إلى ساحات أخرى وأهمها منطقة المحيطين الهندي والهادئ الاستراتيجية، في ظل المخاوف الغربية من تحرك الصين لضم تايوان بالقوة، وسط استنتاجات أمريكية وأوروبية بوجود تنسيق روسي صيني لتغيير النظام العالمي القائم، دفع لتوسيع انخراط حلف شمال الأطلسي (ناتو) في التشاور والتنسيق مع دول الإندوباسيفيك بصورة مباشرة.

وفي دلالة رمزية على تشابك رؤى الحلف من جهة وكل من طوكيو وسول من جهة أخرى، شارك فوميو كيشيدا رئيس وزراء اليابان، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول في قمة الحلف بمدريد (إسبانيا) يومي 29 و30 يونيو 2022، ومن المقرر أن يشاركا في قمة فيلنيوس (ليتوانيا) يومي 13 و14 يوليو الجاري، وسط تباين الدول الغربية حول المشاورات الجارية لإقامة مكتب اتصال للحلف بطوكيو تجنبًا لاستعداء الصين.

مقدمات الحضور:

على الرغم من الوجود الأمريكي المتزايد في منطقة الإندوباسيفيك، إلا إن تأمين سلاسل الإمداد الحيوية للطاقة والصناعات التكنولوجية والدفاعية، وتصاعد عدم اليقين دفع المزيد من الشركاء الأوروبيين لتعميق الصلات مع الدول الآسيوية المحورية، في ظل الروابط التاريخية مع نيوزيلندا وأستراليا واليابان، والأهمية المتزايدة لكوريا الجنوبية، وهذا يمكن توضيحه كالتالي:

(*) التقارب الياباني الكوري: على الرغم من الخلافات العميقة بين سول وطوكيو حول قضايا العبودية الجنسية خلال فترة الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية، إلا إن قيادة الرئيس يون سوك يول ركزت على تحول كوريا إلى قوة محورية عالمية، بدأت بتحقيق التقارب مع اليابان في مجالات التجارة وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتجاوز خلافات الحقبة الاستعمارية لمواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها التهديد النووي لكوري الشمالية، وهو ما يدفع على الجانب الآخر دعم الجهود الأمريكية في خلق اصطفاف إقليمي لردع الصين.

حظي التقارب بين الحليفين بدعم واضح من الولايات المتحدة للمساعدة في ردع التهديدات الإقليمية، ففي أعقاب التقارب الأخير وحضور الرئيس الكوري، قمة مجموعة السبع في هيروشيما اليابانية، واتفق وزراء دفاع البلدان الثلاثة في 3 يونيو 2023، على تفعيل آلية جديدة لتبادل البيانات قبل نهاية العام الجاري، وتتضمن تبادل بيانات التحذير ضد صواريخ بيونج يانج لاكتشافها في وقت إطلاقها الفعلي. وتتخوف الدول الثلاث من البرنامج الصاروخي الكوري الشمالي في ظل تزايد عمليات الإطلاق، وعبور أحد الصواريخ أجواء اليابان قبل السقوط في المحيط الهادئ.

دول مجموعة السبع G7

(*) تأمين سلاسل الإمداد العالمية: باعتبارها أحد مراكز الثقل في الاقتصاد العالمي وتستحوذ على نسبة كبيرة من صناعة الرقائق الإلكترونية، برز الاهتمام الغربي بمنطقة المحيطين لتأمين استقرار التوازن العالمي، وحرمان بكين من المزايا المحتملة لضم تايوان بالقوة، وهو ما قدرته الصحف الغربية بنحو تريليوني دولار من الخسائر للاقتصاد العالمي، فضلًا عن تصاعد الاتهامات اليابانية للصين باستخدام الإكراه الاقتصادي للضغط على طوكيو، حيث أظهرت ألمانيا اهتمامًا بنقل التجربة اليابانية في تحقيق الأمن الاقتصادي، الذي يتضمن توسيع القاعدة التكنولوجية والصناعية وتعزيز مرونة سلاسل الإمداد.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الصناعة الدفاعية لكوريا الجنوبية، اكتسبت حضورًا متزايدًا في صادرات الأسلحة عالميًا، خاصة في الأسواق الأوروبية، بعدما وقعت عقودًا لتصدير ونقل تكنولوجيا صناعة دبابات ومقاتلات إلى بولندا. كما تتعاون اليابان في المقابل مع اثنين من أعضاء الحلف، هما إيطاليا والمملكة المتحدة، وذلك لإنتاج مقاتلة شبحية من الجيل الجديد بحلول 2035، ضمن برنامج القتال الجوي العالمي بين الدول الثلاث.

وفي ظل الضغط على مخزون الدول الغربية من الأسلحة والذخائر، دعا حلف الناتو، سول لتغيير سياستها في حظر تصدير الأسلحة للدول المنخرطة في نزاع، من أجل المساهمة في إمداد أوكرانيا بذخائر مدفعية، وفتح الباب أمام تصدير أسلحة كورية إلى كييف، ودعمها في مواجهة القوات الروسية.

(*) التنسيق السياسي والأمني: نتيجة تطور العلاقات بين الحلفاء الغربيين وعدد من القوى الآسيوية الرئيسية، على رأسها الهند واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، في ظل التخوفات المشتركة بشأن الصعود العسكري الصيني وتنامي التدريبات المشتركة بين الجيشين الروسي والصيني، يسعى الحلف لإيجاد صيغة مؤسسية تعزز التعاون الإقليمي بينه وبين دول المنطقة، وهو ما كشفت عنه جولة أمين عام حلف الناتو إلى سول وطوكيو من 29 يناير إلى 1 فبراير الماضي.

وبرزت صيغة التعاون الإقليمي بين الناتو والشركاء بمنطقة الإندوباسيفيك (NATO-AP4) ممثلة في اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، في أول اجتماع مباشر بين وزراء الخارجية من الحلف والدول الأربع ديسمبر 2020. لكن الحرب الروسية الأوكرانية وانخراط بكين وموسكو في تدريبات بحرية وجوية في المحيط الهادئ أعادا إحياء تلك الصيغة للتعاون والتشاور السياسي والأمني بين الدول ذات التوجه المشترك "Like-minded" في أبريل 2022، إلى جانب لقاء أمين عام الحلف ووزير خارجية اليابان وممثلي كل من أستراليا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا في أبريل 2023.

روسيا وأوكرانيا وحلف الناتو

يذكر أن اليابان وتايوان، رصدتا قطعتين حربيتين روسيتين بالقرب من جزيرة أوكيناوا اليابانية أواخر الشهر الماضي، كما وجهت كوريا الجنوبية في 7 يونيو الماضي احتجاجًا شديد اللهجة لكل من بكين وموسكو، بعد يوم من رصد 4 مقاتلات صينية وأخرى روسية في منطقة تحديد هوية الدفاع الجوي لكوريا الجنوبية قبل دخول مجالها الجوي.

تعزيز الروابط الأمنية:

تشير الأنباء الرسمية إلى حضور الشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ممثلين في اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا، قمة حلف الناتو المقبلة في فيلنيوس يومي 11 و12 يوليو 2023، بالإضافة إلى تأكيدات يابانية على وجود مباحثات مع حلف الناتو حول إقامة مكتب اتصال للحلف في طوكيو، على غرار مكاتب الناتو المنتشرة في كييف وفيينا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، رغم معارضة بعض دول الحلف لتلك الخطوة.

وعلى الرغم من تصاعد الحديث حول إمكانية انضمام اليابان مستقبلًا لحلف الناتو، يبدو هذا السيناريو مستبعدًا في ظل التحديات التي يعانيها الحلف من نواحٍ تمويلية ودفاعية في أوروبا، ولا يمكن معه توسيع نطاق المواجهة عبر توسع الحلف إلى منطقة المحيطين، وهو ما يفرض أعباءًا إضافية على القوى الأكثر تأثيرًا في الحلف، مثل الولايات المتحدة التي تزيد إسهاماتها في الدفاع عن أوروبا بأضعاف القوى الأوروبية المنتشرة في الجبهة الشرقية.

توضيحًا لما سبق، يمكن الإشارة للانعكاسات المحتملة على فتح مكتب اتصال للحلف في طوكيو، وذلك على النحو التالي:

(&) بناء هيكل أمني "ناتو آسيوي": يعزز فتح مكتب اتصال في طوكيو من تشبيك التعاون الأمني الإقليمي مع الشركاء في منطقة الإندوباسيفيك، وهي المخاوف التي أبدتها الصين من تشكيل هيكل أمني إقليمي ودعم قدراته المؤسسية والدفاعية موجه لاحتواء الصين يشبه دور الحلف في النطاق اليورو-أطلسي، فضلًا عن وظيفة المكتب الأساسية في تحقيق التواصل الدائم مع الشركاء في المنطقة، حول قضايا الأمن البحري والأمن السيبراني وغيرها من التهديدات الناشئة.

كما يدعم الاصطفاف الإقليمي في منطقة الإندوباسيفيك عسكريًا ودفاعيًا، تخفيف عبء مواجهة التحديات المنهجية التي تشكلها القوى التصحيحية/المراجعة على النظام الدولي القائم، ومعالجة المخاوف الأمريكية من الانشغال بالساحة الأوكرانية على حساب الحلفاء في المنطقة.

(&) توسيع التعاون العسكري: ويشمل تعزيز تبادل الخبرات العسكرية بين جيوش الحلف ونظرائها في المنطقة عبر التدريبات والمناورات المشتركة، وبناء الخطط الدفاعية المشتركة وتطويرها لتعزيز الوعي بالمجال البحري وتقليص مساحة التحرك الصيني في المحيطين.

ختامًا؛ يظل نموذج حلف الناتو -على ما يواجهه من تحديات- النموذج الأبرز للتكتلات السياسية الأمنية التي يتشارك دولها مجموعة من القيم والمصالح المشتركة، وهو ما يخدم بصورة متبادلة دول الحلف وشركائهم في منطقة المحيطين على وقع التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والالتزام الغربي والياباني بخلق منطقة إندوباسيفيك حرة ومفتوحة، لضمان مرونة سلاسل الإمداد العالمية، وتعزيز الاستجابة للتحديات الأمنية والاقتصادية. ورغم اللغط المثار حول احتمالية افتتاح مكتب اتصال للحلف في طوكيو وتأثيره على عضوية الحلف مستقبلًا، تبدو التحديات التي يواجهها الحلف في أوروبا كفيلة باستبعاد أي توسع مستقبلي خارج الفضاء الأورو-أطلسي.