قبل يوم واحد من انعقاد القمة الـ65 لمجموعة الإيكواس في أبوجا، 6 يوليو الجاري، تزامنًا مع استضافة العاصمة نيامي، لمؤتمر مشترك لدول التحالف الثلاثي للمرة الأولى، وقّع كل من الزعيم البوركينابي "إبراهيم تراوري" والزعيم المالي "أسيمي جويتا" والزعيم النيجري "عبدالرحمن تشياني"، أربع وثائق أسست اتحادًا كونفدراليًا لدول الساحل، وتم الاتفاق على أن تتولى مالي رئاسة الاتحاد لمدة عام، وتعد المعاهدة بمثابة إعلان رسمي من الدول بالانفصال التام عن الإيكواس، وأكد رئيس المجلس الانتقالي في النيجر "عبدالرحمن تياني" أن دول التحالف أدارت ظهرها نهائيًا لإيكواس، وقرر الاتحاد الكونفدرالي إنشاء برلمان مشترك يسهم في اقتراح القوانين وعقد الاتفاقيات التي تصب في مصلحة دول التحالف، وإنشاء بنك استثماري، وتنسيق الجهود الدبلوماسية لمكافحة خطر الإرهاب المتصاعد في المنطقة.
وبناء على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما دلالات توقيع دول التحالف الثلاث معاهدة اتحاد كونفدرالي؟
أهداف الاتحاد
يعتبر خطوة إنشاء اتحاد كونفدرالي ترجمة لرغبة دول التحالف في تحقيق عدة أهداف، تتمثل أبرزها في:
(*) تشكيل اتحاد كونفدرالي منافسًا لإيكواس: مرت العلاقات بين كل من دول التحالف الثلاثي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" بمحطات تسببت في خلق أزمة ثقة بين كليهما، فعقب التوترات السياسية في كل من مالي (28 أغسطس 2020) وبوركينا فاسو (23 يناير 2022) والنيجر (26 يوليو 2023)، فرضت إيكواس عقوبات اقتصادية على دول الساحل الإفريقي، ومن ثم توالت الاتهامات من الدول الثلاث للإيكواس تفيد بأن الإيكواس موالية للغرب، وتسعى لتحقيق المصالح الفرنسية دون النظر في المصالح الإفريقية، وفي 28 يناير 2024 أعلن التحالف رغبته بشكل غير رسمي الانسحاب من إيكواس التي تضم 15 بلدًا، إلى أن قرر التحالف الارتقاء ليصبح اتحادًا كونفدراليًا ينظر في المصالح الإفريقية فقط.
(*) التكاتف الإفريقي لمكافحة الإرهاب: إن مكافحة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي بمثابة هدف سامي لدول الاتحاد، خاصة أن الإيكواس فشلت في تحقيق الاستقرار الأمني بالمنطقة وتثبيط العمليات الإرهابية للقاعدة وداعش، كما تعتقد دول الاتحاد أن باريس تتلاعب بسياسة مكافحة الحركات الإرهابية، ولا تقدم الدعم الكافي لمكافحته، كما اتهمت باريس بالغموض في سياستها تجاه الوضع الأمني غير المستتب. ويعد إنشاء اتحاد كونفدرالي خطوة مهمة تتفق فيها الدول الثلاث على تقديم الدعم المحلي؛ لصد أي هجوم خارجي أو تمرد إرهابي داخلي، حتى يتم محو آفة العنف الجهادي بالدول الثلاث، فالتنظيمات الإرهابية تتوسع في المنطقة، ويحاول الاتحاد فرض سيطرته لتحقيق الاستقرار الأمني.
(*) بناء تحالف اقتصادي جديد: عقب انعقاد القمة في نيامي، أصدرت دول التحالف بيانًا أوضحت خلاله خطتها الثلاثية لإنشاء بنك استثماري وصندوق استقرار لتحالف دول الساحل من أجل إقامة عدد من المشروعات في عدة قطاعات، تشمل تلك المشروعات المشتركة مجالات التجارة والتحول الصناعي والنقل والبنية التحتية والاتصالات السلكية واللاسلكية وحرية حركة الأشخاص والبضائع والاقتصاد الرقمي، إذ تخطط دول الاتحاد الكونفدرالي إلى زيادة التعاون الاقتصادي، من خلال دمج اقتصاديات الدول الثلاث؛ في سبيل تقليل الاعتماد على الشركاء بالخارج، مؤكدين رغبتهم في تجميع مواردهم في قطاعات استراتيجية مختلفة مثل الزراعة والمياه والطاقة والنقل، وتطوير عملة موحدة مشتركة لتحل محل الفرنك الإفريقي المدعوم من فرنسا، والاستفادة من الموارد والثروات الاقتصادية التي طالما استفادت منها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما طيلة السنوات الماضية، ويعد تسهيل التجارة بين الدول الثلاث عبر الحدود فرصة للوصول إلى الأسواق الجديدة التي تساعد على تحقيق التنمية.
دلالات متعددة
تحمل خطوة إنشاء كونفدرالية دول الساحل دلالات متعددة، تتمثل في:
(*) فتح الباب لمزيد من التفكك بإيكواس: ربما يحفز انسحاب دول التحالف الثلاثي من الإيكواس دولًا أخرى في الخروج من المجموعة أيضًا في حال نجاح الاتحاد الكونفدرالي في تحقيق أهدافه، فالاتحاد الكونفدرالي منافس للإيكواس وتهديد لتماسكه، كما أن هناك دولًا تستاء من أداء عمل الإيكواس وترغب في الانسحاب من عضويتها، فعقب إعلان كونفدرالية دول الساحل، فرض مفوض إيكواس تأشيرات على دول التحالف الثلاثي بعد تشكيلها من الاتحاد الكونفدرالي؛ للتعبير عن الخطر الذي يهدد الإيكواس. لذلك، لا نستبعد أن تسير عدة دول إفريقية على خُطى دول الاتحاد الكونفدرالي، وتصاعد النزعات الانفصالية بين الدول في المنطقة، ولا شك أن الإيكواس ستبذل جهودًا خلال الفترة المقبلة، للضغط على دول الاتحاد خاصًة أن زعماء الإيكواس اجتمعوا في أبوجا بعد يوم واحد فقط من قمة نيامي وتم تعيين الرئيس السنغالي "باسيرو فاي"، وسيطًا خاصًا؛ لإقناع دول التحالف الثلاثي بالتراجع عن قرارها.
(*) زيادة النفوذ الروسي: إن فكرة تشكيل كونفدرالية دول الساحل بمثابة فرصة لموسكو لمزيد من التدخل والسيطرة في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة مع فك ارتباط دول التحالف الارتباط مع الغرب. فالاتحاد الكونفدرالي لدول الساحل سيسهل من مهام مجموعة فاجنر الروسية، والاستفادة من الثروات في المنطقة. ففي مالي وبوركينا فاسو، تستفيد روسيا من رواسب الذهب. وفي النيجر، تستفيد روسيا من احتياطات اليورانيوم التي تلبي احتياجات الطاقة النووية الروسية. ففي الوقت الذي تفقد فرنسا نفوذها في إفريقيا عقب الإعلان الساحلي بالتحرر من النفوذ الاستعماري الفرنسي، ستتربع روسيا على العرش الإفريقي في منطقة الساحل في محاولة منها الاستفادة من التراجع الغربي واستغلال القواعد العسكرية، التي انسحب منها الجنود الأمريكيون والفرنسيون؛ لتحويلها إلى قواعد عسكرية روسية، فهناك نحو 200 جندي من فيلق إفريقيا في مالي، و200 جندي في بوركينا فاسو، ومما لا يقل عن 100 جندي من فيلق إفريقيا في النيجر. كما تسبب الانسحاب من إيكواس في خسارة دول التحالف تمويل مشروعات بقيمة 500 مليون دولار، وسيكون ذلك فرصة ذهبية لموسكو للتدخل بحجة تمويل مشروعات تكافح الإرهاب وتعزز نجاح الاتحاد.
(*) تصاعد حدة التوترات الداخلية: تعج منطقة الساحل الإفريقي بصراعات وتوترات طائفية، ومع اتخاذ دول التحالف الثلاثي أي قرارات مفاجأة، من المرجح أن تشتعل الصراعات الداخلية وتصبح الأمور خارج سيطرة الاتحاد الكونفدرالي، ناهيك عن الموقع الجغرافي للدول الثلاث الحبيسة التي ستؤثر بالفعل على عمليات التصدير بالداخل. فعدم وجود خطة ثلاثية تنسيقية تحمل نجاحات على أرض الواقع ستحفز علي تصاعد التوترات الداخلية بين المزارعين والرعويين، ومن ثم استغلال الجماعات الإرهابية الأوضاع الأمنية والهشاشة المجتمعية بمنطقة الساحل؛ لبسط النفوذ والسيطرة.
ختامًا، يمكن القول إن تشكيل كونفدرالية دول الساحل بمثابة ضربة موجعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس"، وسيتحدد نجاح أو فشل الاتحاد الكونفدرالي من خلال الجهود التي تبذلها دول التحالف لمكافحة التنظيمات الإرهابية، وتحقيق الأهداف الاقتصادية المعلنة، ولا شك أن كونفدرالية دول الساحل الإفريقي تخلق فرصًا لتنسيق الجهود الدبلوماسية وتعزيز العلاقات مع الشركاء غير الغربيين، ومن ثم جذب أعضاء جدد للاتحاد؛ حتى يعزز قوته وشرعيته الإقليمية ككتلة بديلة لإيكواس، لكن لا خلاف على أن الاتحاد الكونفدرالي يواجه تحديات جيواستراتيجية وجيوأمنية وجيوسياسية ستؤثر على هيكل الاتحاد، وسيلمع الوجود الروسي في الفترة المقبلة باستغلال الزخم الراهن بمنطقة الساحل الإفريقي.