الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

احتمالات التدخل والإرهاب.. أية مسارات تأخذها أزمة النيجر؟

  • مشاركة :
post-title
الإرهاب في النيجر

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

منذ إعلان أفراد من الحرس الرئاسي الجمهوري في النيجر فجر الـ26 من يوليو 2023، تنحية رئيس البلاد "محمد بازوم" بعد ساعات قليلة من احتجازه في القصر الرئاسي بالعاصمة نيامي، ثم خروج رئيس الحرس الرئاسي الجنرال "عبدالرحمن تشياني" الذي يعرف أيضًا بـ"عمر تشياني" في 28 يوليو الماضي، في بيان للإعلان عن تنصيبه رئيسًا لـ"المجلس الوطني لحماية الوطن" لإدارة شؤون البلاد؛ انطلقت أصوات عدة بل وتحركات على الصعيدين الإقليمي والدولي، للتنديد بالإطاحة برئيس النيجر المنتخب وللمطالبة بإعادته إلى السلطة في أسرع وقت ممكن من جهة، واتجاه بعض الدول الغربية لإجلاء رعاياها من أراضي النيجر من جهة أخرى، ثم تحركات على المستوى الإفريقي قادتها مجموعة دول غرب إفريقيا (الإيكواس) لمحاولة حل هذه الأزمة التي ستؤثر سلبًا على دول منطقة الساحل الإفريقي وعلى مصالح الدول الغربية، خاصة التي لها قوات داخل الدولة الواقعة وسط إفريقيا.

وفي ضوء ما تقدم، فإن هذا التحليل سيناقش التداعيات المحتملة لأزمة النيجر في ضوء التحركات الجارية من قِبل بعض دول القارة الإفريقية لحل هذه الأزمة، مع الإجابة على تساؤلات رئيسية بشأن مدى احتمالية لجوء قادة غرب إفريقيا إلى الخيار العسكري لإجبار "المجلس الوطني لحماية الوطن" على إعادة النظام الدستوري إلى البلاد، وما تأثير الأوضاع في النيجر على الحالة الإرهابية خاصة بدول القارة الإفريقية وتحديدًا دول الساحل والصحراء.

الجنرال "عبدالرحمن تشياني" رئيس "المجلس الوطني لحماية الوطن"
تحركات متعددة

بعد موجة الإدانات التي وجهها عدد من دول المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والأوروبية جراء عملية الإطاحة بالرئيس "بازوم"، بدأ المسار الثاني، المتمثل في التواصل مع قادة المجلس العسكري في النيجر لإقناعهم بإعادة الرئيس المنتخب، ثم المسار الثالث، وذلك من خلال الضغط على المسيطرين على حكم النيجر للتراجع واستعادة الديمقراطية، وذلك على النحو التالي:

(*) اتجاه "الإيكواس" لفرض عقوبات اقتصادية والتلويح بالخيار العسكري: بعد الإدانة الشديدة، ورفض قادة المجلس العسكري الانتقالي بالنيجر، إعادة النظام الدستوري للبلاد، فقد بدأ قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" (تضم 15 دولة وتأسست عام 1975) في اتخاذ جملة من القرارات من أجل الضغط على العسكريين بالنيجر، كان أولها في 30 يوليو الماضي، إذ عُقد اجتماع طارئ لرؤساء أركان غرب إفريقيين في عاصمة نيجريا أبوجا، وتم اتخاذ قرار يقضي بفرض عقوبات تجارية ومالية على النيجر، بل ومنحوا قادة المجلس العسكري الانتقالي مهلة لمدة (أسبوع واحد) لإعادة الرئيس "بازوم" إلى السلطة أو اللجوء إلى الخيار العسكري، وبموجب هذه العقوبات فقد قطعت نيجيريا إمدادات الكهرباء عن النيجر التي تعتمد على نحو 70% من استهلاك الكهرباء من جارتها نيجيريا، كما أرسلت "الإيكواس" وفدًا إلى نيامي مساء 2 أغسطس الجاري، لإيجاد مخرج للأزمة الجارية في الدولة الواقعة غرب إفريقيا، إلا أن الوفد غادر نيامي في 4 أغسطس الجاري دون لقاء رئيس المجلس العسكري الجديد "تشياني".

(*) خطوات أمريكية وأوروبية لحل أزمة النيجر: بعد مرور أسبوع على عملية الإطاحة بالرئيس "محمد بازوم"، اتجهت واشنطن لمحاولة حل تلك الأزمة، وذلك بإعلان وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" في 3 أغسطس الجاري، عن إجراء مباحثات هاتفية مع رئيس النيجر وكشف عن التواصل مع حكومة النيجر وشركائها، مؤكدًا أن واشنطن تبذل جهودًا لحل الأوضاع بالدولة الإفريقية بطريقة سلمية والعمل على إعادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا إلى السلطة في النيجر، وفي الوقت ذاته، حذّر "بلينكن" من استمرار عواقب احتجاز رئيس النيجر، قائلًا: "مئات الملايين من دولارات المساعدات" باتت في خطر، ومن جهة، فقد أعلن جوزيف بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في 29 يوليو الماضي، تعليق التعاون الأمني والمساعدات المالية مع النيجر إلى أجل غير مسمى.

(*) قرارات فرنسية ردًا على أحداث النيجر: كما كانت باريس من أوائل الدول التي رفضت بشدة عملية تنحية الرئيس "بازوم" عن السلطة، نظرًا لثلاثة أسباب أولاها، أن رئيس النيجر أبرز حلفائه في منطقة الساحل والصحراء، وثانيها، أن باريس لديها نحو 1500 جندي في النيجر منتشرين في قواعد عسكرية، وذلك بعدما سحبت قواتها من مالي العام الماضي، أما السبب الثالث والأخير، فإن الدولة الواقعة بغرب إفريقيا تمثل مصدرًا رئيسيًا لإمداد الدولة الأوروبية بـ35% من "اليورانيوم" المستخدم في إنتاج الكهرباء لمحطاتها النووية، وهو السبب في اتخاذ قادة المجلس العسكري بالنيجر في 1 أغسطس الجاري، قرارًا بتعليق تصدير اليورانيوم إلى فرنسا، وفي ضوء ذلك، فقد أعلنت الدولة الأوروبية من جهتها تعليق جميع مساعداتها التنموية للدولة الإفريقية، كما تعهد الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" بعد اجتماع مع مجلس الدفاع في 29 يوليو الماضي، بـ"دعم جميع القرارات التي تتخذها "الإيكواس" سواء جهود الوساطة أو فرض عقوبات على منفذي عملية الإطاحة برئيس النيجر".

(*) عمليات إجلاء واسعة لرعايا الدول الغربية: تحسبًا من تفاقم الأوضاع في النيجر، خاصة مع رفض قادة المجلس الرئاسي الإفراج عن "بازوم" وإعادته إلى السلطة، وبعد إغلاق المجال الجوي وممارسة أعمال عنف ضد بعض السفارات الغربية بنيامي، فقد أجرت باريس في 2 أغسطس الجاري، أول عملية إجلاء واسعة النطاق بمنطقة الساحل، ولم تكتف بإجلاء رعاياها الفرنسيين فقط، بل أجلت رعايا من أمريكا، وكندا، وبلجيكا، والنمسا، وألمانيا، ونيجيريا، والبرتغال، وإثيوبيا، ولبنان، كما تعاونت السلطات الفرنسية مع نظيرتها الإيطالية وأجلت أكثر من 500 شخص بينهم 312 فرنسيًا (من أصل 1200 فرنسي بالنيجر) على متن طائرتين من أربع طائرات فرنسية قررت باريس تسييرها لهذا الهدف.

مواطنين إيطاليين بعد إجلائهم من النيجر
احتمالات واردة

في ضوء التحركات سالفة الذكر، يمكن القول إن أحداث النيجر، سينجم عنها جملة من التداعيات خاصة بعد تهديد "الإيكواس" باستخدام القوة ضد المجلس العسكري إذ لم يطلق سراح الرئيس "بازوم"، وذلك على النحو التالي:

(&) احتمالية التدخل العسكري في النيجر: لا يزال خيار التدخل العسكري مطروحًا على الطاولة، خاصة بعد إعلان مفوض "إيكواس" المكلف بالشؤون السياسية والأمن، عبد الفتاح موسى، في بيان له، مساء 4 أغسطس الجاري (بعد مغادرة وفد إيكواس نيامي دون مقابلة تشياني) أن وزراء الدفاع بالمجموعة وضعوا خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر تشمل ترتيب وتوقيت نشر القوات إذ لم يتراجع قادة المجلس العسكري بالنيجر، وكشف "موسي" أنه لن يتم الكشف عن زمان ومكان تنفيذ الهجوم، ما يكشف أن قادة منظمة غرب إفريقيا عازمون بجدية على اللجوء للخيار العسكري، خاصة بعدما فشلت العقوبات الاقتصادية حتى الآن في حل الأزمة بالنيجر، ورغم أن بعض دول الإيكواس أعلنت استعدادها للتدخل عسكريًا في النيجر، كالسنغال التي أعلنت وزيرة خارجيتها "أيستال سال" في 3 أغسطس الجاري، أن بلادها مستعدة للتدخل العسكري بنيامي إذا قررت منظمة الإيكواس ذلك، إلا أنه في المقابل فقد حذّر زعيما دولتي مالي وبوركينا فاسو (العضوتان في الإيكواس) من استخدام القوة بالنيجر، وحذرا من ذلك في بيان مشترك قالا فيه: "أي تدخل عسكري في النيجر بمثابة "إعلان حرب" عليهما".

وفي ضوء هذه الأوضاع المعقدة، فإن "الإيكواس" قد تتجه بالفعل إلى الخيار العسكري، لكن قد تؤجل هذا الخيار لفترة قليلة، وقد تمنح المجلس العسكري الجديد بالنيجر "مهلة جديدة" ليتراجع، خاصة أن استخدام القوة العسكرية في النيجر، ليس بخيار سهل خاصة من الناحية اللوجيستية، لذلك من الأنسب في الوقت الراهن تعزيز الخطوات الدبلوماسية والاقتصادية، لكن في حال استمر تعنت المجلس العسكري بالنيجر، فقد تنفذ "الإيكواس" تهديداتها وترسل قوات، وهو ما فعلته قبل ذلك عام 2017، حينما رفض رئيس جامبيا آنذاك "يحيي جامع" الاستجابة لتهديدات المنظمة الغرب إفريقية بالتنحي بعد خسارته للانتخابات، وبالفعل أرسلت قوات بقيادة السنغال مكونة من 7 آلاف عنصر انتشرت على حدود جامبيا، ما دفع "جامع" للموافقة على الخروج من البلاد والعيش في المنفى بدولة غينيا الاستوائية.

(&) مدى احتمالية انسحاب القوات الغربية من النيجر: تجدر الإشارة إلى أن فرنسا لديها نحو 1500 جندي، وألمانيا لديها من 60 إلى 100 جندي يتمركزون في نيامي للحفاظ على قاعدة نقل جوي هناك، و1100 جندي أمريكي (وفقًا لما أعلنه مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون إفريقيا ديفيد شن) كما أن أمريكا لديها "القاعدة الجوية 201" وهي قاعدة كبيرة للطائرات بدون طيار في منطقة أغاديز بالنيجر، إضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي أرسل في فبراير 2023 كتيبة مكونة من (50- 100 جندي) لتدريب الجنود في النيجر لمدة ثلاث سنوات، وعليه، يمكن القول، إن استمرار عدم استقرار الأوضاع في النيجر قد يدفع بعض القوى الغربية إلى سحب قواتها، لكن لن يحدث هذا القرار بشكل عاجل، بل ستنتظر هذه القوى رؤية ما ستؤول إليه الأوضاع في هذا البلد، وما الذي ستفعله "الإيكواس" مع المجلس العسكري الجديد بالنيجر وهل سيمتثل لقراراتها وجهودها الدبلوماسية أم ستكون القوة العسكرية الخيار الوحيد؟..

لذلك، بعد أن أفادت تكهنات بأن المجلس العسكري بالنيجر يسعى لإخراج القوات الفرنسية من البلاد، خاصة بعد أعلانه في 4 أغسطس الجاري، إلغاء عدد من اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا، فإن وزيرة الخارجية الفرنسية "كاثرين كولونا"، أكدت في تصريحات لإذاعة "فرانس إنفو" مساء 5 أغسطس الجاري، "إن بلادها لن تسحب قواتها من النيجر"، وجاء ذلك بعد تأكيدها في 4 أغسطس الجاري، "أن السلطات الشرعية في النيجر وحدها مخولة بإلغاء الاتفاقيات العسكرية المشتركة مع باريس". هذا بالإضافة إلى أن خروج القوات الغربية من النيجر، يفتح الباب أمام روسيا وخاصة مجموعة "فاجنر" الروسية لزيادة أنشطتها العسكرية في النيجر.

(&) احتمالية تزايد وتيرة الأنشطة الإرهابية: يمكن القول إن سماح الرئيس "بازوم" بوجود قوات غربية في بلاده وإبرام اتفاقيات عسكرية مع بعض القوى الغربية، يرجع إلى رغبته في مساندة نيامي في عمليات مكافحة الإرهاب، وهذا هو السبب في احتلال النيجر مكانة متقدمة في عملية مواجهة الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا، وعليه، فإن استمرار أزمة النيجر وفشل جميع جهود الوساطة والتحركات الدبلوماسية، ولجوء بعض الدول إما للخيار العسكري أو سحب القوات الغربية من البلاد، كل هذه الخيارات، قد تؤدي إلى حالة من الفراغ الأمني وعدم الاستقرار ليس فقط بالنيجر، لكن بمختلف دول شمال وغرب إفريقيا، إذ إن التنظيمات الإرهابية تستغل أوضاع عدم الاستقرار هذه لتعزيز نفوذها، وخاصة إذ كان البلد محل النزاع يمتلك ثروات، فالنيجر لديها قوة هائلة من اليورانيوم جعلها من أحد أكبر مصدري اليورانيوم في العالم، ما يجعلها مطمعًا من قِبل الجماعات الإرهابية، خاصة، تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ما قد يؤدي إلى تسريع وتيرة الهجمات الإرهابية في دول القارة خاصة بمنطقة الساحل الغربي.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الأوضاع في النيجر تشهد ارتباكًا وتعقيدًا خاصة بعد إعلان "تشياني" رئيس "المجلس الوطني لحماية الوطن"، مساء 4 أغسطس الجاري، عن مرسوم "يحدد تكوين وعمل المجلس المكون من 16 عضوًا"، فضلًا عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين النيجر وعدد من الدول الإفريقية والغربية، هما (فرنسا وأمريكا ونيجيريا وتوجو) إضافة إلى رفع اللهجة التصعيدية ضد الإيكواس والغرب، ثم مناشدة "بازوم" للغرب، بقوله، "أنا محتجز كرهينة، وستكون هناك عواقب وخيمة على بلدنا ومنطقتنا والعالم بأسره"، كل هذه التطورات مجتمعة تشكل تحديًا خطيرًا سيلقي بظلاله الأمنية على مختلف بلدان القارة الإفريقية، واستمرار هذه الأزمة سيدفع بتصاعد الأنشطة الإرهابية هناك، ما سيؤثر على مسار الديمقراطية وأعمال التنمية في القارة التي يعاني غالبية دولها من سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية وأيضًا الأمنية.