كشفت قمة الناتو الـ75 أن المجتمع الدولي يسير نحو تصعيد مستمر ومزيد من التوترات التي من شأنها أن تزعزع الأمن والاستقرار الدوليين، كما أزاحت الستار لأول مرة وبشكل علني عن وجود قوتين متحاربتين، هما أوروبا وأمريكا من ناحية، وروسيا والصين وكوريا الشمالية من ناحية أخرى، وهو ما يراه الخبراء بأنه عودة إلى الحرب الباردة مرة أخرى، لكن بشكل أوسع.
وانتهت قمة الناتو الـ75 بتأكيد دعم أوكرانيا بالمال والسلاح لمواجهة روسيا، واتخاذ خطوات تصعيدية أمريكية بنشر صواريخ في ألمانيا، بجانب اتهام الصين لأول مرة بشكل مباشر بدعم روسيا ومدها بالعتاد اللازم، والتلويح باتخاذ عقوبات ضدها إذا استمرت في ذلك الأمر.
تقهقر وتدهور وردع متبادل
وحول هذا الأمر، أكد أشرف العشري، مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية، أن الإجراءات التي اتخذها الناتو لدعم أوكرانيا مثل طائرات "F-16" المقاتلة المقرر وصولها إلى سماء كييف خلال أيام، بجانب دعم مالي يقارب 43 مليار دولار، من المفترض أنها ستلعب دورًا كبيرًا في تغيير معادلة الحرب تجاه أوكرانيا، وهو بلا شك سيدخلها مرحلة حاسمة في الأسابيع والأشهر المقبلة.
ويرى "العشري" في حديثه لـ"القاهرة الإخبارية" أن الناتو يريد بذلك تغيير المعادلة على الأرض، التي تُظهر التفوق الروسي بلا شك، والرئيس الأمريكي بايدن مصمم على إلحاق الأذى العسكري بروسيا في المرحلة المقبلة، من خلال مساندة أوكرانيا وتغيير موازين القوى، مهما كانت التكاليف والأسلحة المقدمة.
تلك الإجراءات من شأنها أن تطيل أمد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كما يقول مدير تحرير الأهرام، مشيرًا إلى أن الهدف من ذلك حشر الكرملين في الزاوية، التي من الممكن أن تؤدي في مجملها إلى وجود استحقاقات وخطوات جادة نحو السلام، وربما أيضا تؤدي إلى مزيد من الردع المتبادل بين "أوكرانيا - الناتو" وروسيا.
ذلك التصعيد سيخلق بلا شك علاقات شائكة ومتشابكة بين روسيا وأوكرانيا، خلال المرحلة المقبلة، وستزيد من التقهقر والتدهور في الإمكانات بين الطرفين، وهو ما سيجعل الأمور تصل إلى التهديد المباشر في نقطة معينة من الصراع، وذلك ظهرت بوادره في التصريحات الروسية الأخيرة بوضعها آليات جديدة في التعامل مع الناتو للدفاع عن مصالحها مهما كلفها الأمر.
عودة الحرب الباردة
بالنسبة للخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية في ألمانيا، فيعتقد مدير تحرير الأهرام، أنها تعد تحولًا في قوة الدفع العسكرية الأمريكية باتجاه تمركزها العسكري في ألمانيا، وهو ما يُشكل خطرًا كبيرًا على الأمن في أوروبا تجاه روسيا، ما يستمر معه التصعيد الأمريكي الروسي من خلال الملعب الألماني.
وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية من تلك الخطوة إلى مضايقة روسيا والوصول معها إلى شبح المواجهة المباشرة، بجانب المواجهات السياسية والأمنية، والأمر من شأنه أن يزيد العبء على روسيا من خلال إنفاق المزيد من التكاليف المالية لدعم وحشد قواتها، ومن جانب آخر زيادة العقوبات المفروضة عليها.
وأكد الكاتب الصحفي أن تلك الخطوة الأمريكية ستجعل المنطقة ملتهبة بصورة كبيرة بين روسيا والناتو، خلال الأشهر المقبلة، التي تحاول من خلالها كما أشرنا إلى حشر روسيا في الزاوية، وإلحاق الهزيمة بها، وهو ما يجعل عودة الحرب الباردة أمرًا مفروغًا منه، ولا يبدو من ذلك القرار وجود رغبة تلوح في الأفق لوجود أي تهدئة بين روسيا وأمريكا، بل على العكس المزيد من التصعيد السياسي والأمني والعسكري دون وجود مواجهة مباشرة.
تغير المعادلة تجاه الصين
في القمة 75، وجه الزعماء اتهامات مباشرة ربما تكون أول مرة للصين بدعهما روسيا بصورة كبيرة، وذلك الأمر يرى مدير تحرير الأهرام، أنه يشير إلى أن الناتو يريد تصعيد المواجهة السياسية والأمنية مع الصين بعد روسيا بجانب كوريا الشمالية، كونهما يمدان الكرملين بذخائر عسكرية وربما أسلحة بعيدة المدى.
ويأتي ذلك، بسبب عدم وفاء الصين بوعودها في تقديم اقتراحات السلام والتسوية السياسية بين روسيا وأوكرانيا، التي تعهد بها الرئيس الصيني منذ انطلاق الحرب، ولذلك كان الاتهام المباشر لها ضمن معادلة جديدة سيعمل عليها الناتو، خلال المرحلة المقبلة تجاه الصين بعدما صرحوا علانية بأن صبرهم نفذ من بكين بسبب تأييدها لبوتين.
هذا الخط المتشدد الجديد تجاه الصين، تقوده كما يقول العشري، الولايات المتحدة الأمريكية نظرًا لفشل كل اجتماعات تهدئة الأجواء بينها وبين أمريكا في ظل إدارة بايدن، وربما محاولة منها لعرقلة جهود بكين في سيطرتها على آسيا ونفوذها بأوروبا والمحيط الهادئ وأيضًا الشرق الأوسط وأوروبا، بهدف وأد أي نجاحات صينية في أي ملفات عالمية.
وضع أكثر اشتعالا
وفي قراءته لخطاب الناتو في قمته الـ75، يرى مدير تحرير الأهرام أنه يشير بقوة إلى مزيد من التصعيد العالمي وعودة الحرب الباردة واصطفاف الصين وروسيا وكوريا الشمالية أمام الناتو، حتى وإن كانت الصين لا تبدي ذلك بشكل علني، لكنها تؤيد الموقف الروسي بشكل خفي، والأمر سيؤجج الصراع في أوكرانيا وربما يؤثر على ملف تايوان.
وبات واضحًا أن مثلث الرعب كما وصفه الكاتب الصحفي يشكل رعبًا للناتو، وسنشهد في المستقبل القريب محاولة من جانب الحلف الأطلسي لتوفير مزيد من آليات المواجهة والردع لمحاولة كسر شوكة ذلك التجمع الثلاثي، الذي ربما تنضم إليه إيران، وفرض المزيد من العقوبات، والجميع الآن في مرحلة استعراض العضلات العسكرية من كل الأطراف.
في المجمل، يرى العشري أن الفترة المقبلة ستشهد الساحة الدولية مزيدًا من التوترات في المجتمع وسيشتعل الصراع في أوكرانيا وستتأزم العلاقات الصينية الروسية مع الناتو، ولن يستطيع أحد إخفاء جبل الثلج الذي انهار في القمة 75، وظهرت العلاقات المتوترة وظهرت الأقطاب المتحاربة بسببه، وسيستمر سباق التسلح، وهو ما يؤدي إلى مضاعفات دولية كبيرة على الأمن والاستقرار خاصة في أوروبا ومنطقة آسيا.