قبل ربع قرن، طار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى بيونج يانج للتوقيع على "معاهدة صداقة" مع كيم جونج إيل، التي ساعدت في إحياء علاقات روسيا مع كوريا الشمالية من دون إلزام الجانبين بمساعدة بعضهما البعض في حالة وقوع هجوم عسكري.
وبزيارته الأسبوع الماضي، يكون بوتين قد ذهب إلى أبعد من ذلك في الماضي، حيث وقّع على اتفاق مع كيم جونج أون يذكرنا بالمعاهدة الأمنية لعام 1961 التي كانت قائمة في ظل الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.
وفي ظل انغماس روسيا في حرب دامية مع أوكرانيا، التي جعلها بوتين من أولويات سياسته الخارجية، أصبحت كوريا الشمالية النووية بمثابة شريان حياة حاسم للجيش الروسي.
ورغم أن قمة الأسبوع الماضي كانت قيد الإعداد لسنوات، إلا أنها شكلت نقطة تحول في علاقة روسيا مع كوريا الشمالية، وحذّر المسؤولون الأمريكيون من أنها قد تزعزع استقرار عملية التوازن غير المستقرة في المنطقة.
حرب باردة جديدة
ويقول إدوارد هاول، زميل مؤسسة كوريا في برنامج آسيا والمحيط الهادئ في جامعة هارفارد: "المعاهدة التي وقّعها بوتين مع كيم كانت بمثابة عودة إلى الحرب الباردة، لكن بالطبع في الحرب الباردة لم يكن لدى كوريا الشمالية أسلحة نووية".
بينما كتب جيمي كوونج، زميل برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: "لقد كتبت روسيا الآن كتابيًا مدى رغبتها والتزامها بتعميق وتوسيع تعاونها مع كوريا الشمالية".
وتحدث "كوونج" أن كيم أُعجب بتكنولوجيا الفضاء الروسية والطائرات المقاتلة خلال قمة العام الماضي مع بوتين في أقصى شرق روسيا، ويمكن أن تشمل قائمة أمنياته تقنيات من شأنها أن تساعد برامج كوريا الشمالية الفضائية والصاروخية في وقت واحد، فضلًا عن الدعم الاقتصادي ودعم الطاقة.
وتعاني موسكو وبيونج يانج من شواغل مشتركة تتمثل في العقوبات المفروضة عليهم من قبل أمريكا وحلفائها، وفي هذا الصدد، قال إدوارد هاول: "بالنسبة لكيم جونج أون، أصبح لديه الآن شريك جانح مثله تمامًا".
تنامي القوة العسكرية
فيما، أعرب مسؤولون من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) عن قلقهم بشأن الدعم المحتمل لبرامج كوريا الشمالية الصاروخية والنووية. ونشرت بيونج يانج نسخة من المعاهدة نصت صراحة على التعاون في مجال "الطاقة النووية السلمية"، في حين قال مسؤولون أمريكيون لشبكة "إن بي سي نيوز" إن روسيا ستوفر أيضًا التكنولوجيا لمساعدة برنامج الغواصات النووية لكوريا الشمالية.
وتحدث المحللون أن نطاق الدعم للبرنامج النووي العسكري لكوريا الشمالية سيظل محدودًا على الأرجح، ويرجع ذلك جزئيًا إلى قلق روسيا بشأن تبادل التكنولوجيا الحساسة وأيضًا لأن قلق موسكو كان تاريخيًا بشأن الأسلحة النووية لبيونج يانج.
وبعض الجوانب الأكثر إثارة للقلق في الاتفاقية هي الأكثر تقليدية، إذ تشمل تجارة الأسلحة المتزايدة بين البلدين التي يمكن أن تشجع كوريا الشمالية وتعقد التخطيط الغربي للحرب في حالة نشوب صراع مفتوح في شبه الجزيرة الكورية.
وفي هذا الصدد، قال أنكيت باندا، زميل ستانتون البارز في برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: "لا يزال هناك الكثير مما يمكن لروسيا أن تقدمه لكوريا الشمالية في هذه المرحلة، وهو ما من شأنه أن يحسّن بشكل كبير قدرة كوريا الشمالية على إعادة تشكيل رادعها العسكري التقليدي".
الصين تتابع عن كثب
وقد أدى الاتفاق بين كيم وبوتين إلى خلاف حاد بين روسيا وكوريا الجنوبية. وأشارت سول الأسبوع الماضي إلى أنها قد تزوّد أوكرانيا بأسلحة فتاكة لأول مرة ردًا على المعاهدة.
وبدوره، حذّر بوتين من أن هذا سيكون "خطأ كبيرًا" وأن موسكو ردا على ذلك يمكن أن تتخذ "قرارات من غير المرجح أن ترضي القيادة الحالية لكوريا الجنوبية".
ويُنظر إلى هذه الصفقة أيضًا على أنها صداع للصين، التي أصبحت عالقة بين المخاوف بشأن المنافسة على النفوذ في كوريا الشمالية واحتمال قيام الولايات المتحدة بتوسيع دعمها لكوريا الجنوبية نتيجة لذلك.
ويعتقد إدوارد هاول، زميل مؤسسة كوريا في برنامج آسيا والمحيط الهادئ في جامعة هارفارد، أن الرئيس الصيني شي جين بينج قد يسعى لعقد قمة مع كيم بحلول نهاية العام.