في محاولة لتهدئة الأوضاع المتأزمة بإقليم كاليدونيا الجديدة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعليق مشروع قانون دستوري مثير للجدل كان من شأنه تغيير قواعد الانتخابات في الإقليم.
وجاء هذا القرار بعد أسابيع من الاضطرابات العنيفة، والمواجهات الدامية بين قوات الأمن الفرنسية ومتظاهرين من السكان الأصليين "الكاناك" الرافضين للإصلاحات المقترحة.
تعليق الإصلاحات
وقال ماكرون: "لا يمكننا أن نترك أي غموض خلال هذه الفترة، يجب تعليقه لإعطاء قوة كاملة للحوار على الأرض والعودة إلى النظام".
وعلى الرغم من موافقة البرلمان الفرنسي بغرفتيه على هذا الإصلاح، إلا أنه كان ينتظر انعقاد مؤتمر دستوري لكلا المجلسين ليصبح جزءًا من القانون الأساسي، إلا أنه مع حل البرلمان قبل انتخابات مبكرة دعا إليها ماكرون، لم يكن من الممكن عقد المؤتمر بحلول الموعد النهائي في 30 يونيو، وهو اليوم الذي سيتوجه فيه الناخبون الآن إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى من الانتخابات.
شرارة الاضطرابات
ووفقًا لصحيفة "لوموند" الفرنسية، خططت إدارة ماكرون لإجراء إصلاحات انتخابية في كاليدونيا الجديدة، من شأنها تغيير قوائم الناخبين وإعطاء حقوق التصويت لعشرات الآلاف من غير السكان الأصليين الكاناك.
وأثارت الخطوة غضب الكاناك، الذين يشكلون حوالي 41% من إجمالي سكان الإقليم، إذ يخشون أن تؤدي إلى تقويض مساعيهم للحصول على الاستقلال.
وفي 13 مايو، اشتعلت شرارة الاضطرابات في كاليدونيا الجديدة، ردًا على محاولات الحكومة الفرنسية تمرير الإصلاحات الانتخابية.
وأقام كل من أنصار الاستقلال والموالين لفرنسا حواجز في الشوارع، لتتحول أجزاء من العاصمة نوميا إلى مناطق حرب أهلية، كما تم إغلاق مطارها الدولي، واضطرت الحكومات إلى إجلاء السياح العالقين عبر رحلات خاصة.
وحذر رؤساء حكومات أربع مناطق فرنسية أخرى في بداية الأزمة من مغبة تصاعد حدة التوتر في كاليدونيا الجديدة إلى "حرب أهلية"، إذا أصرت باريس على المضي قدمًا في تطبيق القانون الجديد لتوسيع حق الاقتراع، ودعوا الحكومة الفرنسية إلى سحب هذا المشروع كليًا لضمان عدم انزلاق الوضع إلى مزيد من العنف والفوضى.
الوصول إلى الطوارئ
أمام تصاعد العنف، أعلنت فرنسا في 15 مايو حالة الطوارئ في كاليدونيا الجديدة، وأرسلت مئات من قوات التعزيز العسكرية لمساعدة الشرطة في احتواء الاضطرابات، كما ذكرت صحيفة "لوموند".
خلال هذه الأحداث، سقط تسعة قتلى، آخرهم رجل يبلغ من العمر 34 عامًا، إثر مواجهات مع قوات الأمن.
وأشارت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية إلى إطلاق فرنسا "عملية كبرى" في إقليم كاليدونيا الجديدة في بداية الأزمة، بهدف استعادة السيطرة على الطريق الرئيسي الذي يربط المطار الرئيسي بالعاصمة نوميا، وسط أعمال شغب واسعة النطاق اندلعت احتجاجات على إصلاح دستوري مثير للجدل منذ أسبوع.
وأوضحت الصحيفة أن العملية تضمنت نشر أكثر من 600 من رجال الشرطة، بمن فيهم مئة ضابط من وحدة النخبة لمكافحة الإرهاب، لإزالة الحواجز التي أقامها المتظاهرون على طول الطريق الإقليمي رقم 1 البالغ طوله 60 كيلومترًا.
تاريخيًا، كان إقليم كاليدونيا الجديدة، الواقع في جنوب المحيط الهادئ، مستعمرة فرنسية قبل أن يحصل على حكم ذاتي جزئي في عام 1998 بموجب اتفاق "نون"، الذي أعطى السكان الأصليين "الكاناك" الحق في تقرير المصير من خلال سلسلة من ثلاثة استفتاءات على الاستقلال، والتي جرت في أعوام 2018 و2020 و2021، ورفض السكان في جميعها الاستقلال عن فرنسا.
على الرغم من قرار ماكرون، فإن الوضع في كاليدونيا الجديدة لا يزال متوترًا.
لويس مابو، رئيس حكومة الإقليم، أعرب عن تعازيه لأسرة الضحية الأخيرة، وحثّ على "إزالة الحواجز على الفور والعودة إلى السلام".
من جهتها، دعت حركة تحرير الكاناك "باليكا" إلى "إعادة بناء السلام والروابط الاجتماعية".