بعد 6 أشهر عصيبة من 2023، شهدت اضطرابات وأعمال عنف في قلب باريس ومدن عدة فرنسية؛ يتوجه الرئيس إيمانويل ماكرون، في رحلة تاريخية وحاسمة نحو بقعة بعيدة من العالم هي كاليدونيا الجديدة (مستعمرة فرنسية في أوقيانوسيا)، التي تقع فريسة للانقسام السياسي بين استقلالها عن باريس أو بقائها ضمن المستعمرات الفرنسية.
وأدرجت كاليدونيا الجديدة في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي من عام 1946 إلى 1947، بعد أن أحالت فرنسا معلومات بشأنها والأقاليم التابعة لها بموجب المادة 73 (هـ) من ميثاق الأمم المتحدة.
وفي عام 1986، أعادت الجمعية العامة إدراج كاليدونيا الجديدة في القائمة، إذ رأت أن "كاليدونيا الجديدة إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي في إطار المعنى الوارد في الميثاق"، بحسب موقع الأمم المتحدة على شبكة الإنترنت.
وفي عام 1853 اتجهت فرنسا في أثناء عهد نابليون الثالث، لاستعادة مكانتها العالمية كإمبراطورية استعمارية، قادرة على مقارعة البريطانيين عن طريق التوسع واحتلال أقاليم ما وراء البحر.
وخلال ذلك العام، قاد الأميرال أوجست فيبريير ديبوانت، حملة عسكرية لاستعادة مكانة بلاده عن طريق التدخل بكاليدونيا الجديدة، الواقعة بجنوب غربي المحيط الهادئ على بعد 1200 كلم شرق أستراليا.
مهمة الوحدة
ويطمح "ماكرون" خلال زيارته إلى كاليدونيا الجديدة لتحقيق التقدم في المفاوضات الدستورية المُتعثرة حول مستقبل الأرخبيل، الذي يتطلع منذ سنوات عديدة إلى تقرير مصيره والاستقلال عن فرنسا، وتأتي هذه الزيارة بعد مرور خمس سنوات على آخر زيارة له إلى المنطقة في 2018.
وعلى مدى يومين، سيجري الرئيس الفرنسي زيارة إلى نوميا، عاصمة كاليدونيا الجديدة، إذ من المقرر أن يجري مقابلة تلفزيونية تُعرض على قناة "تي أف 1" الفرنسية.
وسيضع الرئيس الفرنسي خلال زيارته شعارات "الوحدة والثقة"، ثم يواصل جولته، الأسبوع المقبل، إلى كل من فانواتو وبابوا غينيا الجديدة، وسيعلن التزام فرنسا تجاه منطقة المحيط الهادئ، بحسب ما أشار بيان صادر عن قصر الإليزيه.
وفي مايو 2018، كان الهدف من زيارة الرئيس الفرنسي، إطلاق سلسلة من الاستفتاءات حول الاستقلال المقررة في اتفاق نوميا عام 1998، الذي نقل صلاحيات واسعة إلى مؤسسات جديدة للإدارة المحلية. وأشار "ماكرون" آنذاك إلى أن "فرنسا ستكون أقل جمالًا دون كاليدونيا الجديدة".
تمسك فرنسي
وبعد مرور خمس سنوات، لا يزال مستقبل كاليدونيا الجديدة غير واضح، إذ تتمسك الحكومة الفرنسية بأن مستقبل الأرخبيل سيتحقق "داخل فرنسا"، في ظل مطالبات بالحصول على الاستقلال وحق تقرير المصير، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وبعد ثلاثة استفتاءات، بما في ذلك الأخير في نهاية 2021، الذي قاطعته جبهتا الكاناك والتحرير الوطني الاشتراكي، لا تزال الساحة السياسية منقسمة بين القوى المؤيدة والمعارضة للاستقلال، ويشعر السكان بالإحباط من تقاعس القادة السياسيين.
في هذا السياق، يعتزم الرئيس الفرنسي، التشجيع على التخلص من العقبات التي تحول دون التوصل لاتفاق، عندما يستضيف الطرفين في باريس، نهاية أغسطس، من قبل حكومة إليزابيث بورن لعقد أول اجتماع "ثلاثي الأطراف" حول وضع الأرخبيل، منذ أكتوبر 2019، وسيشجع ماكرون بحزم كلا الطرفين على تجاوز المعوقات.
وذكر أحد مستشاري الحكومة لوكالة "فرانس برس" أن هذا الزيارة تعد "طريقة لتأكيد أن ماكرون ليس هو من يتفاوض على الاتفاق".
استقرار سياسي ضعيف
وتشهد كاليدونيا الجديدة استقرارًا سياسيًا ضعيفًا، إذ شهد الأرخبيل 17 حكومة منذ عام 1999، إلى جانب رفض السكان بشكل كبير تقاعس السياسيين المسؤولين عن إيجاد حلول للمشكلات السياسية والاقتصادية التي تواجههم.
ومن المنتظر أن يحاول الرئيس الفرنسي، خلال زيارته تحفيز القادة على العمل معًا لإيجاد حلول وتحقيق التقدم في المفاوضات الدستورية.