وصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إقليم كاليدونيا الجديدة، بعد أكثر من أسبوع من الاضطرابات العنيفة التي أسفرت عن مقتل 6 أشخاص وإصابة المئات، في محاولة منه لإطفاء نار الأزمة التي اندلعت بسبب مشروع قانون فرنسي لتوسيع قوائم الناخبين وإعطاء حق التصويت لعشرات آلاف المقيمين غير الأصليين الذي قضوا أكثر من 10 أعوام في الإقليم الواقع بالمحيط الهادئ.
وترى جبهة تحرير الكاناك (السكان الأصليين)، أن هذا الإصلاح سيضعف تأثيرهم السياسي ويمهد الطريق لضم الأرخبيل إلى فرنسا بشكل دائم، وهو ما يتناقض مع اتفاقية السلام التي أبرمت عام 1998 ومنحت الجزر حكمًا ذاتيًا جزئيًا.
فرص نجاح ضعيفة
وفقًا لصحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، يرافق "ماكرون"، ثلاثة من كبار الوزراء، هم وزير الداخلية جيرالد دارمانين الذي كان مشاركًا في إعداد الإصلاح الانتخابي، ووزير الدفاع سيباستيان لوكورنو الذي تولى ملف كاليدونيا الجديدة سابقًا، إضافة إلى وزيرة الشؤون الخارجية للمناطق البعيدة ماري جوفينو، وهو ما يفسره نيكولاس فيرنز، الأكاديمي بجامعة موناش، بعدم رغبة ماكرون في إشراك وسطاء محايدين كما تطالب الحركة الانفصالية، الأمر الذي يضعِف فرص نجاح المفاوضات.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنه من المتوقع أن يقضي "ماكرون" نحو 12 ساعة في كاليدونيا الجديدة، بعد تعديل برنامجه لبقية الأسبوع قبل الانتخابات الأوروبية في يونيو المقبل.
وأشار فيرنز إلى أن "دارمانين" كان مشاركًا في إعداد الإصلاح الانتخابي، بينما كان ليكورنو وزيرًا للشؤون الخارجية عندما قررت الحكومة إجراء الاستفتاء الثالث والأخير على استقلال الإقليم في عام 2021.
تعثر المفاوضات
تواجه زيارة ماكرون انتقادات لاذعة من قادة جبهة تحرير الكاناك، الذين اعتبروا أنه لا يمكن توقع الكثير منها، إذ أشارت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية إلى أن روش وامتان، رئيس مجلس الشيوخ في الإقليم، صرح بأنهم "لا يتوقعون شيئًا" من الزيارة، مؤكدًا أن إلغاء الإصلاح الانتخابي هو المفتاح لعودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات.
من جهته، دعا جيمي ناونا، المتحدث باسم الجبهة تحرير الكاناك، إلى انسحاب القوات الفرنسية وإرسال بعثة حوار محايدة عالية المستوى، قائلًا: "لقد فقدنا الثقة في ماكرون"، كما طالب بإلغاء الإصلاح الانتخابي حتى يتم استئناف المفاوضات في بيئة آمنة وهادئة.
وأوضح "ناونا" أن المحادثات التي سبقت أعمال العنف خرجت عن مسارها بسبب وقوف الحكومة الفرنسية إلى جانب الجماعات المناهضة للاستقلال.
إجلاء السياح العالقين
وأشارت صحيفة "لوفيجارو" إلى أنه في خضم الأزمة المتفاقمة، عملت أستراليا ونيوزيلندا على التحرك السريع لإجلاء رعاياهما العالقين في كاليدونيا الجديدة، وأعلنت كانبرا وويلينجتون عن استعدادهما لإرسال طائرات عسكرية لإجلاء السياح، بعد أن تم إغلاق المطار الدولي؛ بسبب الاحتجاجات والحواجز على الطرق الرئيسية.
وحصلت الحكومتان على موافقة السلطات الفرنسية للقيام بهذه العملية الإنسانية الطارئة، إذ يُقدر عدد السياح الأستراليين والنيوزيلنديين العالقين في الجزر بنحو 550 شخصًا، ضمن ما يزيد على 3 آلاف سائح من جنسيات مختلفة.
زيارات رئاسية سابقة
لا تعد زيارة "ماكرون" إلى كاليدونيا الجديدة الأولى من نوعها، إذ سبقه رؤساء فرنسيون آخرون في ظروف مشابهة من التوتر والاضطرابات في هذا الإقليم البعيد.
ففي عام 1985، زار الرئيس آنذاك فرانسوا ميتران الإقليم في ذروة موجة من الاحتجاجات والاضطرابات، بصورة مفاجئة.
وتشير ليبراسون إلى أن زيارة ماكرون الحالية تأتي في سياق مماثل، إذ يسعى الرئيس الفرنسي إلى التدخل شخصيًا في محاولة لاحتواء الأزمة والتوصل إلى حل سياسي.
وسبق أن زار ماكرون كاليدونيا الجديدة في يوليو 2023، في زيارة عارضتها جبهة تحرير الكاناك، واضطر حينها إلى تغيير برنامجه وإلغاء بعض لقاءاته بسبب هذا المقاطعة، في مؤشر على حدة الخلافات القائمة مع الحركة الانفصالية.
تاريخيًا، كان إقليم كاليدونيا الجديدة، الواقع في جنوب المحيط الهادئ، مستعمرة فرنسية قبل أن يحصل على حكم ذاتي جزئي في عام 1998 بموجب اتفاق "نون"، الذي أعطى السكان الأصليين "الكاناك" الحق في تقرير المصير من خلال سلسلة من ثلاثة استفتاءات على الاستقلال، والتي جرت في أعوام 2018 و2020 و2021، ورفض السكان في جميعها الاستقلال عن فرنسا.