في خطوة استثنائية لاحتواء التوترات المُتصاعدة في كاليدونيا الجديدة، أعلنت الحكومة الفرنسية أن الرئيس، إيمانويل ماكرون، سيتوجه إلى هذا الأرخبيل الفرنسي في المحيط الهادئ "في وقت مبكر من مساء اليوم" على رأس "بعثة خاصة".
تأتي هذه الزيارة الرئاسية المفاجئة، وسط اشتباكات عنيفة مُستمرة منذ 8 أيام بين المتظاهرين والقوات الأمنية الفرنسية، أسفرت عن سقوط قتلى وإصابات، وتدخلات لإجلاء السياح الأجانب، بعد تصويت البرلمان الفرنسي لصالح تغيير قواعد الانتخابات المحلية؛ لتسمح للمستوطنين الفرنسيين الذين قضوا 10 سنوات في الجزر بالتصويت، إذ يرى الكاناك، السكان الأصليون، الذين يشكلون 40% من سكان الجزر، أن هذا الإصلاح سيضعف تأثيرهم السياسي ويمهد الطريق لضم الأرخبيل إلى فرنسا بشكل دائم، وهو ما يتناقض مع اتفاقية السلام التي أبرمت عام 1998 ومنحت الجزر حكمًا ذاتيًا جزئيًا.
تحرك ماكرون
وسط تصاعد الأزمة في كاليدونيا الجديدة، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية بريسكا ثيفينو، أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيتوجه إلى الأرخبيل "في وقت مبكر من مساء اليوم" لإرسال "بعثة خاصة" هناك، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وصرحت ثيفينو للصحفيين قائلة: "لقد أعلن رئيس الجمهورية، خلال مجلس الوزراء، أنه سيتوجه إلى هناك في وقت مبكر من مساء اليوم لإرسال بعثة خاصة".
ويأتي هذا الإعلان المفاجئ عن زيارة ماكرون في أعقاب تصاعد أعمال العنف والاشتباكات بين المتظاهرين الكانك وقوات الأمن الفرنسية في الأرخبيل الفرنسي على مدى 8 أيام متواصلة.
ومن المتوقع أن يجري الرئيس الفرنسي مشاورات مع المسؤولين المحليين وممثلي الكانك، في محاولة للتوصل إلى حل للأزمة الراهنة والتوترات العرقية المستمرة في هذا الإقليم الاستراتيجي البعيد.
إجلاء السياح العالقين
أشارت صحيفة "لوفيجارو" إلى أنه في خضم الأزمة المتفاقمة، عملت أستراليا ونيوزيلندا على التحرك السريع لإجلاء رعاياهما العالقين في كاليدونيا الجديدة، فقد أعلنت كانبرا وويلينجتون عن استعدادهما لإرسال طائرات عسكرية لإجلاء السياح، بعد أن تم إغلاق المطار الدولي؛ بسبب الاحتجاجات والحواجز على الطرق الرئيسية.
وحصلت الحكومتان على موافقة السلطات الفرنسية للقيام بهذه العملية الإنسانية الطارئة، إذ يُقدر عدد السياح الأستراليين والنيوزيلنديين العالقين في الجزر بنحو 550 شخصًا، ضمن ما يزيد على 3 آلاف سائح من جنسيات مختلفة.
أولى رحلات الإجلاء
وفي خطوة عملية أولى، أعلن وزير الخارجية النيوزيلندي ونستون بيترز، عن اعتزام بلاده إرسال أول رحلة إجلاء في وقت مبكر من اليوم الثلاثاء، على أن تنقل نحو 50 شخصًا من ذوي الاحتياجات الملحة من العاصمة نوميا إلى أوكلاند.
وأكد بيترز أن هذه ستكون أولى رحلات سلسلة من الرحلات المخطط لها لإعادة المواطنين النيوزيلنديين إلى بلادهم، معربًا عن ارتياح حكومته لتمكنها من الوفاء بهذا الالتزام تجاه رعاياها المحاصرين في ظروف صعبة للغاية.
معاناة السياح العالقين
أبدى السياح العالقون ارتياحهم الشديد لخطط إجلائهم، بعد أن عانوا أسبوعًا كاملًا من الخوف والقلق في ظل الاضطرابات الأمنية، إذ صرح السائح الأسترالي ماكسويل ونشستر لوكالة الأنباء الفرنسية بأنهم كانوا "في قمة السعادة" لسماع نبأ إجلائهم، بعد أن اضطروا للنوم في حالة تأهب وقلق مستمر خشية تعرضهم للنهب واعتداءات المتظاهرين.
ويأمل المسؤولون الأستراليون والنيوزيلنديون في مواصلة عمليات الإجلاء على عدة رحلات، حتى إعادة جميع رعاياهم سالمين إلى بلادهم، متابعين عن كثب التطورات الأمنية الميدانية في كاليدونيا الجديدة.
إجراءات أمنية مشددة لاستعادة النظام
على صعيد آخر، أشارت صحيفة "لوباريزيان" إلى تكثيف السلطات الفرنسية من إجراءاتها الأمنية المشددة لاستعادة السيطرة على الوضع الميداني في كاليدونيا الجديدة، فقد أرسلت باريس ما يزيد على 1000 عنصر من قوات الأمن المدربة إلى الأرخبيل، بينهم قوات مكافحة الشغب وفرق عسكرية خاصة.
وفككت القوات العشرات من الحواجز والمتاريس التي أقامها المتظاهرون على الطرق الرئيسية، لا سيما على طريق المطار الدولي البالغ طوله 60 كيلومترًا والذي ظل مقفلًا لعدة أيام، إلا أن المسلحين أعادوا بناء تلك الحواجز مرة أخرى في تحدٍ سافر للسلطات.
كما شهدت ضواحي العاصمة نوميا اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن التي استخدمت القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريقهم.
تحذيرات من حرب أهلية
من جانبهم، حذر رؤساء حكومات أربع مناطق فرنسية أخرى من مغبة تصاعد الأزمة في كاليدونيا الجديدة إلى "حرب أهلية"، إذا أصرت باريس على المضي قدمًا في تطبيق القانون الجديد لتوسيع حق الاقتراع، ودعوا الحكومة الفرنسية إلى سحب هذا المشروع كليًا لضمان عدم انزلاق الوضع إلى مزيد من العنف والفوضى.
وينظر السكان الأصليون الكانك إلى هذا القانون على أنه محاولة جديدة من قبل "الدولة الاستعمارية الفرنسية" لطمس هويتهم وتقويض تمثيلهم السياسي وحقوقهم على أرضهم التي طالما عانوا من التمييز عليها.
دعوات للحوار والحل السلمي
على الرغم من تلك المخاوف والاحتقان، لا يزال هناك من الأصوات المنادية بضرورة التهدئة والدخول في حوار بناء لحل الأزمة بالطرق السلمية، إذ بحسب ما تشير صحيفة "لوفيجارو" دعت عمدة العاصمة نوميا، سونيا لاجارد، إلى تأجيل البت في مشروع القانون من قبل البرلمان الفرنسي، كخطوة حسن نية تمهيدًا لجلسات تفاوض مع ممثلي الكانك.
كما أكدت جماعة "خلية تنسيق العمل الأرضي" الكانكية أنها تسعى لحل سلمي؛ رغم مواصلتها لإقامة الحواجز، مُشيرة إلى أن احتجاجاتها جاءت بعد فترة طويلة من التجاهل والإقصاء من قبل السُلطات الفرنسية.
وأضافت إحدى السكان المحليات "لقد اضطررنا للوصول إلى هذا المستوى من التدهور لكي ينتبه لنا المسؤولون ويسمعوا صوتنا."