أطلقت القوات الفرنسية "عملية كبيرة" لاستعادة السيطرة على الطريق الذي يربط "نوميا" عاصمة كاليدونيا الجديدة بالمطار الدولي الرئيسي، حيث تواصلت الاضطرابات العنيفة في المستعمرة الفرنسية الواقعة جنوب غربي المحيط الهادئ، لليوم السادس على التوالي.
ونقلت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، عن مسؤولين إنه تم إرسال أكثر من 600 من رجال الدرك المدججين بالسلاح لتأمين الطريق الإقليمي 1، وهو الطريق الرئيسي الذي يربط العاصمة بالمطار.
وتم إلغاء الرحلات الجوية من وإلى الجزيرة الرئيسية في كاليدونيا الجديدة منذ بدء الاضطرابات، ما أدى إلى تقطع السبل بالمسافرين وقطع طرق التجارة.
وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، إنه تم إطلاق "عملية كبيرة يشارك فيها أكثر من 600 عنصر درك بهدف استعادة السيطرة الكاملة على الطريق الرئيسي الذي يبلغ طوله 60 كيلومترًا" والسماح بإعادة فتح المطار.
"نوميا" تحت الحصار
وقالت عمدة نوميا، سونيا لاجارد، أمس السبت، إنه على الرغم من تراجع أعمال العنف، خلال الليل إلى حد ما، بفضل حظر التجول من الساعة 6 مساءً حتى 6 صباحًا، إلا أننا بعيدون عن العودة إلى الحياة الطبيعية.
وأضافت: "الوضع لا يتحسن، بل على العكس تمامًا، على الرغم من كل النداءات من أجل الهدوء"، واصفة نوميا بأنها "تحت الحصار": "الضرر لا يصدق.. إنه مشهد من الخراب".
ومنذ ما يقرب من أسبوع، اجتاحت أعمال العنف الجزيرة المطلة على المحيط الهادئ، وقال مسؤول أمني لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، إن شخصًا سادسًا لقى حتفه أمس السبت، بعد تبادل لإطلاق النار على أحد الحواجز التي تسد الطرق في الجزيرة.
وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن شخصيْن آخرين أُصيبا بجروح خطيرة في الاشتباك. كما لقي اثنان من رجال الدرك مصرعهما، إلى جانب ثلاثة أشخاص آخرين من السكان الأصليين" الكاناك".
صراع للاستقلال
وقد تم إلقاء اللوم في الاضطرابات على الضائقة الاقتصادية والتوترات الاجتماعية، وقبل كل شيء، الصراع السياسي بين الناشطين المؤيدين للاستقلال ومعظمهم من السكان الأصليين، وسلطات باريس.
واندلعت الاضطرابات، الاثنين الماضى، بسبب خطط باريس لفرض قواعد تصويت جديدة يمكن أن تمنح عشرات الآلاف من السكان غير الأصليين حقوق التصويت، وتقول الجماعات المؤيدة للاستقلال إن ذلك من شأنه أن يضعف أصوات سكان "الكاناك" الأصليين، الذين يشكلون نحو 40% من السكان.
وعلى الرغم من حالة الطوارئ التي فرضتها الحكومة في باريس على المنطقة، فضلاً عن مئات التعزيزات لأجهزة الأمن، يقول السكان إن العنف لا يزال يجعل المغامرة بالخروج أمرًا خطيرًا. وشاهد مراسلو "وكالة فرانس برس" في حي "ماجينتا" بالمدينة سيارات ومباني مشتعلة، فيما حاولت شرطة مكافحة الشغب السيطرة على المكان.
ونفذ مئات من الجنود والشرطة الفرنسيين المدججين بالسلاح دوريات في شوارع نوميا المليئة بالحطام، أمس السبت.
ودفعت أعمال العنف رئيس الوزراء الفرنسي جابرييل أتال، إلى إخراج كاليدونيا الجديدة من خط سير الشعلة الأولمبية التي تجوب العالم وتشق طريقها ببطء إلى باريس لحضور حفل افتتاح ألعاب باريس في 26 يوليو.
200 مليون يورو خسائر
وقدرت مجموعة أعمال محلية الأضرار الناجمة عن الاضطرابات، التي تركزت حول نوميا، بنحو 200 مليون يورو، لكن الأضرار التي لحقت بسمعة الجزر قد تكون أكثر تكلفة.
وتعد السياحة أحد أكثر القطاعات ربحية في كاليدونيا الجديدة، لكن ما يقدر بنحو 3200 سائح ومسافر تقطعت بهم السبل داخل الأرخبيل أو خارجه بسبب إغلاق مطار نوميا الدولي.
وقالت حكومة كاليدونيا الجديدة، أمس الأول الجمعة، إن الجزيرة لديها مخزون من الغذاء يكفي شهرين لكن المشكلة تكمن في التوزيع. وقال مسؤولون فرنسيون إن عمليات توفير الغذاء والدواء للجمهور ستبدأ بفرق تضم متخصصين في إزالة الألغام وإزالة حواجز الطرق التي فخخها النشطاء.
تأجيل الانتخابات لنهاية العام
وتم انتخاب رئيس كاليدونيا الجديدة، لويس مابو، في عام 2021، كأول زعيم من السكان الأصليين، مؤيد للاستقلال عن فرنسا، وقد تم تأجيل انتخابات المجالس والبرلمان في كاليدونيا الجديدة، والتي كان من المقرر إجراؤها في مايو الجاري حتى نهاية العام.
وتقع المنطقة الغنية بالنيكل على بعد 20 ألف كيلومتر (12427 ميلاً) من فرنسا، ويبلغ عدد سكانها 270 ألف نسمة، منهم 41% ميلانيزي و24% من أصل أوروبي، معظمهم فرنسيون.
وساعد اتفاق نوميا لعام 1998 على إنهاء عقد من الصراع، أودى بحياة 80 شخصًا من خلال تحديد مسار للحكم الذاتي التدريجي وقصر التصويت على سكان الكاناك الأصليين والمهاجرين الذين يعيشون في كاليدونيا الجديدة منذ عام 1998.
وتناقش الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، تعديلات في دستور كاليدونيا الجديدة، من شأنها أن تسمح لعدد أكبر من السكان الفرنسيين بالتصويت في انتخابات كاليدونيا الجديدة، التي يخشى أنصار الاستقلال أن تضعف أصوات الكاناك الأصليين.
وتريد فرنسا فتح حقوق التصويت للمهاجرين الذين عاشوا في كاليدونيا الجديدة لمدة 10 سنوات.
وكاليدونيا الجديدة هي إحدى الجزر الخمس الممتدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تسيطر عليها فرنسا، وهي محور خطة الرئيس إيمانويل ماكرون لزيادة نفوذ بلاده في المحيط الهادئ.