مع خروج فرنسا من الصدمة التي خلفتها نتائج الانتخابات الأوروبية المفاجئة بصعود التيار اليميني المتشدد والقرار غير المسبوق بحل البرلمان، يتطلع اليسار الفرنسي بكل تياراته إلى توحيد صفوفه قبل خوض غمار الاستحقاق الانتخابي التشريعي، المقرر 30 يونيو الجاري و7 يوليو المقبل، إذ باتت الحاجة ملحة لتجاوز الخلافات والانقسامات بين أحزاب اليسار، والتوافق على رؤية موحدة تمكنهم من مواجهة التهديد المتنامي لليمين المتشدد الذي حقق مكاسب كبيرة في الانتخابات الأخيرة.
نداء ميلانشون للوحدة
وبحسب ما أوضحت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية، أطلق جان لوك ميلانشون، زعيم حزب فرنسا الأبية السابق، نداءً عاجلًا لتحقيق "الاتحاد القوي والواضح" لليسار، مُدركًا أن الوحدة هي السبيل الوحيد لمواجهة تقدم الموجة اليمينية المتشددة.
وعلى الفور، بادرت حركته بإرسال دعوة رسمية إلى الأحزاب الشريكة في ائتلاف "نوبيس" اليساري من أجل الاجتماع والتباحث حول "العمل على الوحدة والوضوح" استعدادًا للاستحقاق الانتخابي المقبل.
البرنامج الواضح
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن المسؤولين في حركة فرنسا الأبية أكدوا أن هذا التوحيد لا يمكن أن يتحقق إلا إذا جرى "على أساس برنامج واضح"، إذ قال النائب البارز مانويل بومبار، إن "هذا الشرط سيمكننا من تقديم بديل حقيقي" للناخبين، في إشارة إلى ضرورة التوافق على رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية موحدة تجمع كل الأطياف اليسارية.
تحالفات قوية
وعلى الرغم من نداءات الوحدة هذه، لا تزال المفاوضات والمشاورات جارية بين مختلف القوى اليسارية لتشكيل تحالفات انتخابية قوية قادرة على منافسة الخصوم.
وكشفت "ليزيكو" عن محاولات لضم بعض الشخصيات الجدلية إلى هذه التحالفات، كما هو الحال مع الوزير السابق جيروم كاهوزاك، الذي أعلن نيته الترشح تحت لافتة "اليسار الوسط".
مستقبل التحالف اليساري
وفي الوقت الذي تعالت فيه الدعوات لتوحيد القوى اليسارية، سلطت الصحيفة الفرنسية الضوء على الآراء المتباينة بشأن مستقبل تحالف "النوبيس" وإمكانية استمراره بعد الانتخابات التشريعية، فقد رأى البعض ضرورة الحفاظ على هذا التحالف الواسع بين الحزب الاشتراكي والشيوعيين والخضر وحركة فرنسا الأبية، بينما دعا آخرون إلى تشكيل تحالف أضيق يضم قوى أقصى اليسار فقط.
خطاب جذاب
وترى الصحيفة أنه إلى جانب التوافق على البرنامج، يتوقف نجاح اليسار الفرنسي على مدى نجاحه في استعادة زخمه، وهو ما يتطلب -حسب رؤية خبراء- خطابًا جذابًا وشخصيات قيادية ملهمة قادرة على حشد الجماهير ورائها.
وأوضحت الصحيفة أن زعيم حركة فرنسا الأبية جان لوك ميلانشون، على سبيل المثال، نجح في الماضي في استقطاب أصوات شرائح واسعة من الطبقات الشعبية والشباب بخطاباته النارية واليسارية.
وإجمالًا، ستحدد قدرة القوى اليسارية على تجاوز خلافاتها وتقديم وجه موحد للناخبين، عبر برنامج واضح وخطاب جذاب وشخصيات قيادية فاعلة، مصير هذا المعسكر في المعركة الانتخابية القادمة ضد اليمين المتشدد.