في قلب العاصمة الفرنسية باريس، تشتعل الساحة السياسية بمعارك حامية الوطيس، حيث تستعد الأحزاب لخوض غمار الانتخابات الأوروبية غدًا، فيما تُشير كل المؤشرات إلى أن هذا الاستحقاق الانتخابي قد يكون بمثابة زلزال سياسي، يهز أركان المشهد الحزبي في فرنسا، ويرسم ملامح جديدة لتوازنات القوى قبيل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027.
تصدر الجبهة الوطنية
تشير صحيفة "ليزيكو" الفرنسية إلى أنه في خضم الحملات الانتخابية المُكثفة، لا يزال حزب الجبهة الوطنية اليميني المتشدد بقيادة جوردان بارديلا، يتصدر استطلاعات الرأي بشكلٍ لافتٍ، حيث يتوقع أن يحصد أكثر من ثلث الأصوات في هذا الاستحقاق الانتخابي.
وتعتبر هذه النتيجة غير مسبوقة منذ انتخابات عام 1984 عندما حصلت قائمة الوسط، برئاسة سيمون فيل، على 43.3% من الأصوات، متفوقةً بفارق 22 نقطة عن القائمة الثانية التي كان يقودها، ليونيل جوسبان لحزب الاشتراكيين.
مستقبل ماكرون
وتوضح الصحيفة الفرنسية أن هذه النتائج القوية المتوقعة للجبهة الوطنية، يمكن أن تحمل دلالات عميقة على المستقبل السياسي للرئيس إيمانويل ماكرون، إذ جعل بارديلا من هذا الاستحقاق "استفتاءً ضد ماكرون"، حيث يسعى لزيادة الضغط على الرئيس الفرنسي وإظهار القوة الشعبية التي يتمتع بها.
وفي حال حققت الجبهة الوطنية هذه النجاحات، فقد يعزز ذلك موقف بارديلا كأكبر معارض لماكرون، ويجعل من الصعب على الأخير إدارة شؤون البلاد بشكلٍ سلسٍ خلال السنوات المتبقية من ولايته.
سيناريو انتخابات 2019
وبحسب ما تشير "ليزيكو"، فإن نسبة المشاركة المتوقعة في هذه الانتخابات قد تكون مشابهة لتلك التي شهدتها انتخابات 2019 والتي بلغت 50.1%، وهو ما قد يحمل بعض المفاجآت، كما أن الجبهة الوطنية قد تنجح في إزاحة منافستها قائمة حركة "ريكونكويت" اليمينية المتشددة بقيادة ماريون ماريشال من البرلمان الأوروبي، في حال لم تتمكن الأخيرة من تجاوز عتبة 5% من الأصوات.
تحديات اليسار
في المقابل، يواجه اليسار الفرنسي تحديات كبيرة في هذه الانتخابات، حيث تشكل نتائجها خطوة مهمة في إعادة ترتيب أوراقه قبيل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027، فيما يركز المراقبون بشكل خاص على أداء قائمة رافائيل جلوكسمان المرشح عن حزب الاشتراكيين، والذي يأمل في إحياء الأمل بتجديد الديمقراطية الاجتماعية من خلال تحقيق نتيجة قوية تضعه في المركز الثالث أو حتى الثاني، متفوقًا على قائمة اليسار المتشدد "فرنسا الأبية" بقيادة مانون أوبري.
وتتساءل صحيفة ليزيكو عمّا إذا كان جلوكسمان سينجح في استقطاب جزء من الناخبين البيئيين بفضل دعواته للتصدي لتغير المناخ، الأمر الذي قد يسهم في تراجع أداء قائمة الخضر بقيادة ماري توسان، ويهدد بإقصائها من البرلمان الأوروبي في حال لم تتجاوز عتبة 5%..
في المقابل، قد ينجح حزب فرنسا الأبية اليساري في تعبئة قواعده الانتخابية في اللحظات الأخيرة، كما فعل في انتخابات سابقة، مما قد يفاقم من الصراع الداخلي داخل أحزاب اليسار حول استراتيجيتها المستقبلية.
آمال الجمهوريين
أما في معسكر اليمين التقليدي، فيأمل فرانسوا جافييه بيلامي، قائد قائمة حزب الجمهوريين في تحقيق نتيجة مماثلة لتلك التي حققها في 2019 عندما حصل على 8% من الأصوات تقريبًا، لكن هذا الأداء المتواضع لن يساعد الحزب على حسم الجدل الداخلي حول موقفه من الرئيس ماكرون، حيث تنقسم الآراء بين التعاون معه مقابل التلاشي أو المعارضة الشديدة له على حساب التشابه مع اليمين المتشدد.
محطة مهمة نحو انتخابات 2027
وترى ليزيكو أن هذه الانتخابات تعد محطة مهمة على طريق الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027، حيث ستحدد مواقع القوى السياسية وتوازناتها قبل هذا الاستحقاق الكبير، وسيكون على الجميع الاستفادة من نتائجها لتحديد استراتيجياتهم وتعديل مساراتهم بما يتناسب مع الواقع الجديد الذي ستفرزه صناديق الاقتراع هذا الأحد.