في الثلاثين من مايو 2024، افتتح الرئيس الصيني شي جين بينج، الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني في العاصمة بكين، بحضور عدد من قادة العرب، وفي مقدمتهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إذ هدف هذا المنتدى لتعزيز العلاقات المؤسسية العربية الصينية وتحقيق العديد من الأهداف السياسية والاقتصادية الرئيسية، وهو ما سيكون له العديد من الآثار الإيجابية على الدول العربية.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يتطرق هذا التحليل إلى القضايا الاقتصادية التي تناولها هذا المنتدى، وانعكاسات ومردود مخرجات المنتدى على الدول العربية.
ومن الجدير بالذكر أن منتدى التعاون العربي الصيني تم تأسيسه بموجب قرار من الصين وجامعة الدول العربية، ووقعت الوثيقة بين الطرفين في عام 2004.
محاور استراتيجية
تضمن منتدى التعاون العربي الصيني مجموعة من المحاور المهمة، التي يمكن توضيحها على النحو التالي:
(*) بناء فعّال لمبادرة "الحزام والطريق": تُعتبر مبادرة الحزام والطريق من المبادرات الصينية المهمة، التي تهدف إلى تحقيق تحسينات كبيرة في التجارة والاستثمار الأجنبي وظروف المعيشة لمواطني الدول المُشاركة فيه، فقد أوضح الرئيس الصيني خلال المنتدى أن الجانب الصيني، يهدف إلى بناء "الحزام والطريق" بجودة عالية بين الدول العربية، وتحقيق المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية، وتوثيق أوجه التعاون في مجالات النفط والغاز والتجارة البينية، وتحقيق نمو كبير في مجالات الذكاء الاصطناعي والاستثمار والتمويل والطاقة الجديدة.
(*) تعزيز التعاون الابتكاري: أبدى الجانب الصيني اهتمامه الكبير بدعم الأواصر التكنولوجية مع الدول العربية، إذ أوضح أنه سيتعاون مع الدول العربية في بناء 10 مختبرات مشتركة تشمل العديد من المجالات، منها الصحة والمعلومات الفضائية والزراعة الحديثة والتنمية الخضراء والذكاء الاصطناعي، الذي يُمكّن الدول المُختلفة من تنمية الاقتصاد الحقيقي، وبالإضافة إلى ذلك يحرص الجانب الصيني على تعزيز التعاون المُشترك مع الدول العربية في بناء مركز مشترك لرصد الحطام الفضائي، ومركز للتعاون والتطوير لتطبيقات نظام "بيدو"؛ وهو نظام صيني للملاحة عبر الأقمار الصناعية، يخدم ما يزيد على 200 دولة ومنطقة، وبجانب هذا المركز ستعمل الصين على دعم التعاون في مجالي الفضاء المأهول والطائرات المدنية.
(*) توسيع التعاون المالي والاستثماري: يحتل التعاون المالي أهمية كبيرة لدى الجانب الصيني، إذ سيواصل دفع زيادة العضوية لرابطة المصارف الصينية العربية، والإسراع بتنفيذ مشروعات التعاون في إطار "القروض الخاصة لدفع العملية الصناعية بالشرق الأوسط" و"القروض الخاصة لدفع التعاون المالي بين الصين والدول العربية"، إذ يولي الجانب الصيني اهتمامًا بتعزيز التعاون بين المؤسسات المالية العربية والصينية، من خلال التوسع في إصدار سندات الباندا في الصين، بالإضافة إلى تحفيز المؤسسات المصرفية في الدول العربية؛ للانضمام إلى نظام المدفوعات عبر الحدود (CIPS)، بجانب العمل على زيادة التعاون في مجال العملات الرقمية للبنوك المركزية.
(*) تكامل أكبر للتعاون في مجال الطاقة: يحرص الجانب الصيني على التعاون مع الجانب العربي في تعزيز البحث والتطوير لتقنيات الطاقة الجديدة وإنتاج المعدات الخاصة بها، وسيتم ذلك من خلال دعم شركات الطاقة والمؤسسات المالية الصينية للمشاركة في مشروعات الطاقة المتجددة داخل الدول العربية التي تفوق قدرتها 3 ملايين كيلووات.
(*) توازن التعاون الاقتصادي والتجاري: تسعى بكين لتحقيق توازن أكبر في مستوى العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الجانب العربي، من خلال الإسراع من وتيرة المفاوضات حول اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية، بالإضافة إلى بناء آلية للتعاون في مجال التجارة الإلكترونية، كما أن الجانب الصيني أبدى استعداده لزيادة استيراد المنتجات، خاصة الزراعية والغذائية من الجانب العربي، ومن هنا يتضح أن هذه الإجراءات ستعمل على تنشيط حركة التجارة بين الدول العربية والصين بشكل كبير.
(*) زيادة التواصل الشعبي والثقافي: أكد الجانب الصيني دعمه للتواصل بين الحضارات، من خلال العديد من الوسائل، خاصة تعزيز تدفقات السياح، إذ يهدف وصول العدد الإجمالي للسياح المُتوجهين إلى الدول العربية في الخمس سنوات المُقبلة إلى 10 ملايين سائح، بالإضافة إلى توسيع التعاون الفكري من خلال زيادة حجم وتأثير مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، ومنتدى تنمية الشباب الصيني العربي، والرابطة الصينية العربية للجامعات، هذا فضلًا عن دعوة 200 مسؤول من الأحزاب السياسية العربية لزيارة الصين سنويًا.
آفاق جديدة للتعاون المصري الصيني
شهد المنتدى تطويرًا للعلاقات الاقتصادية بين مصر والصين، في إطار تعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة، على النحو التالي:
(&) تدشين عام الشراكة المصرية الصينية: في إطار احتفالية الجانبان المصري والصيني بالذكرى العاشرة للاستراتيجية الشاملة بين البلدين، اتفق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الصيني شي جين بينج، على تدشين عام الشراكة المصرية الصينية، الذي سيشهد العديد من الفعاليات الاستثمارية والتجارية والاقتصادية والثقافية والسياسية، وهو الأمر الذي يعمل على توطيد العلاقات بين البلدين في كل المجالات بشكل كبير خلال الفترة المقبلة.
(&) توسيع الاستثمارات الصينية: أوضح ليا ليتشيانج، السفير الصيني في القاهرة، أن الاستثمارات الصينية في مصر هي الأسرع نموًا، إذ تشير آخر إحصائية للسفارة الصينية إلى أن حجم الاستثمارات في مصر ارتفع من 500 مليون دولار إلى 1.5 مليار دولار، وتتنوع مجالات الاستثمار الصيني بمصر، فهناك الاستثمارات في المنطقة الصناعية "تيدا المصرية الصينية" بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، كما أن هناك استثمارات كبيرة في صناعة الرخام والجرانيت، ويوضح شكل (1) أن صافي الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر ارتفع من 436.9 مليون دولار في العام المالي 2021/2022 إلى 748.3 مليون دولار في العام المالي 2022/2023، أي بمعدل نمو 71%.
ومن هذا المُنطلق يستهدف الجانب الصيني توسيع الاستثمارات في مصر، إذ تتضمن صناعة السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية وإنتاج الألواح الشمسية والصناعات الكيماوية ومواد البناء، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الصينية المباشرة في مجال إنشاء وإدارة الفنادق.
(&) تعزيز التبادل التجاري: يتضح من شكل (2) أن هناك انخفاضًا في واردات الصين من الدولة المصرية، في حين ترتفع الصادرات الصينية إلى مصر بشكل كبير خلال عام 2023، إذ بلغت صادرات الصين إلى مصر 14.9 مليار دولار، في حين بلغت واردتها من مصر 881 مليون دولار، وهو الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من التعزيز والتوازن، ولتحقيق ذلك تطرقت اتفاقات التعاون إلى السماح بدخول مزيد من المُنتجات المصرية عالية الجودة إلى السوق الصينية، وتسهيل دخول مُدخلات الإنتاج من الصين إلى مصر؛ لتصنيع المُنتج النهائي، وهو الأمر الذي سيُحقق ميزة تنافسية للمُنتجات المصرية تجعلها تستطيع المُنافسة في الأسواق المختلفة.
(&) دعم كبير في مواجهة التحديات: ظهرت أواصر التعاون بين الجانب المصري والصيني، في تأكيد الجانب الصيني مواصلة دعمه للدولة المصرية في الحفاظ على حقوقها المشروعة في الحفاظ على أمنها وسيادتها الوطنية، خاصة حقها المشروع في حماية أمنها المائي والغذائي، وهو الأمر الذي يوضح أن الصين تُساند مصر في قضاياها الخارجية.
انعكاسات مهمة
إن محاور التعاون التي تضمنها منتدى التعاون العربي الصيني تعكس العديد من الأثار الإيجابية، على النحو التالي:
(-) زيادة التبادل التجاري: تأكيد الجانب الصيني تعزيز العلاقات التجارية مع الجانب العربي، وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة، والتوجه نحو التعامل في التجارة من خلال العملات المحلية، سيعمل على زيادة التبادل التجاري بين الدول العربية والصين بشكل كبير، وهو الأمر الذي سينعش موارد هذه الدول، ما يُحقق تحسنًا كبيرًا في موازين مدفوعاتها.
(-) نقل التكنولوجيا الحديثة: سينتج عن تدفق الاستثمارات المباشرة الصينية داخل الدول العربية، نقل واسع للتكنولوجيا المُستخدمة في هذه الاستثمارات المختلفة، إذ إنها تشمل العديد من المجالات، فوجود التكنولوجيا الصينية على الأراضي العربية سيعمل على تدريب عمال الدولة على استخدامها، وهو الأمر الذي سيوطنها داخل البلدان العربية، ما يعمل على تحقيق الزيادة والكفاءة في الإنتاج.
(-) توفير التمويل المُستدام: إن التعاون المالي بين الجانبين العربي والصيني سيسهم في توفير التمويل الذي يُستخدم في تحقيق النمو المتوازن داخل الدول العربية، فالتمويل يُعد من العقبات الأساسية التي تواجه تحقيق التنمية داخل هذه الدول، ومن هنا يُعد انتعاش العلاقات المالية مع الجانب الصيني، من مُحققات التنمية داخل الدول العربية، فسندات الباندا المُستدامة التي طرحتها الدولة المصرية في السوق الصينية كأول دولة تصدرها في الشرق الأوسط وإفريقيا، توفر تمويلًا للعديد من المشروعات التنموية، إذ طرحتها بقيمة 3.5 مليار يوان صيني (478.7 مليون دولار)، وهو الأمر الذي يوسع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد المصري.
(-) زيادة تدفقات السائحين: ينعكس حرص الجانب الصيني على تدعيم التعاون الثقافي والحضاري مع الجانب العربي، على تدفق أعداد كبيرة من السائحين الصينيين إلى الدول العربية، ما يعمل على زيادة النقد الأجنبي داخل هذه الدول، بالإضافة إلى إحداث حالة من الرواج داخل أسواقها نتيجة طلب السائحين على السلع والخدمات المُختلفة، وهو الأمر الذي يُحقق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي في الدول العربية.
(-) تحقيق أمن الطاقة: إن تنشيط التعاون الصيني العربي في مجال مشروعات الطاقة المُتجددة، بالإضافة إلى توفير التمويل لهذه المشروعات، سيعمل على تحقيق أمن الطاقة داخل الدول العربية، فالطاقة المُتجددة أصبحت محض اهتمام جميع الدول؛ نظرًا لقدرتها الكبير ة على سد حاجة الدول من الطاقة، خاصة الطاقة النظيفة التي تتناسب مع إجراءات التكيف مع تغيرات المناخ.
وعليه يُمكن القول إن المنتدى العربي الصيني سيُحقق العديد من العوائد الإيجابية للدول العربية، إذ إن المنتدى تطرق إلى العديد من المجالات الاقتصادية المُختلفة، التي سينتج عن التعاون فيها مع الجانب الصيني، تنميتها ورفع القيمة المُضافة لها في اقتصاديات هذه الدول، فالدول العربية تحتاج إلى العديد من شركاء التنمية من الدول والمؤسسات؛ لدعمها في تحقيق التنمية الاقتصادية المُستدامة.