خلال السبع سنوات الماضية، تضاعف عدد اللاجئين في العالم، إذ بلغ عددهم في منتصف عام 2023 حوالي 36.4 مليون شخص بحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وهو الأمر الذي ترتب على التوترات الجيوسياسية التي تنتشر في العالم أجمع، فعلى المستوى العالمي توجد الأزمة الروسية الأوكرانية، وعلى المستوى الإقليمي تنتشر العديد من الأزمات التي تُسبب ارتفاع عدد اللاجئين، ما انعكس على الدول المُستقبلة لهم في شتى النواحي.
وتأسيسًا على ما سبق يتطرق هذا التحليل إلى الإجابة عن سؤال أساسي وهو "ما هي انعكاسات تزايد تدفق اللاجئين على الدول المُستقبلة لهم"؟
مؤشرات واضحة
يُمكن الاستدلال على أزمة اللاجئين بشكل عام من خلال المؤشرات التالية:
(-) ارتفاع عام في أعداد اللاجئين: يتضح من الشكل (1) أن عام 2023 شهد طفرة كبيرة في عدد اللاجئين على مختلف المستويات، إذ ارتفع عدد النازحين داخليًا إلى 62.17 مليون شخص، بالمُقارنة بـ 39.93 مليون شخص، كما ارتفع عدد اللاجئين تحت ولاية المفوضية إلى 30.51 مليون شخص، بالمُقارنة بـ 19.94 مليون شخص في عام 2017، أي ارتفعت بنسبة 53.01 %، وبالنسبة للاجئين تحت ولاية الأونروا ارتفع إلى 5.94 مليون شخص في عام 2023، بالمُقارنة بـ 5.44 مليون شخص في عام 2017، ونتيجة الأحداث المُتصاعدة ارتفع عدد طالبي اللجوء إلى 6.08 مليون شخص في عام 2023، بالمقارنة بـ 3.09 مليون شخص في عام 2017، وكما قدرت المفوضية عدد النازحين قسرًا بحوالي 114 مليون شخص في النصف الأول من عام 2023، ويتضح من هذه الأرقام الارتفاع العام في أعداد اللاجئين.
(-) الدول الأكثر استقبالاً: ازداد عدد اللاجئين في العديد من الدول خلال عام 2023 كما يوضح الشكل (2)، إذ بلغ عدد اللاجئين في الأردن حوالي 4 ملايين لاجئ، إذ يُعتبر الأردن من أكثر الدول المتأثرة من الأزمة السورية، حيث يُمثل اللاجئون أكثر من ثلث سكان الأردن، وفي لبنان يزداد عدد اللاجئين بالنسبة للفرد الواحد في العالم، حيث يُقدر عددهم بحوالي 2.8 مليون لاجئ، إذ يوجد 1.5 مليون لاجئ سوري و13 ألفًا و715 لاجئًا من جنسيات أخرى، بينما يوجد 9 ملايين لاجئ في مصر، وفي تركيا بلغ عدد اللاجئين السوريين 3.22 مليون لاجئ.
انعكاسات محورية
يُسبب التزايد الكبير في أعداد اللاجئين، مجموعة من الانعكاسات على الدول المُستقبلة، والتي يُمكن توضيحها على النحو التالي:
(-) زيادة الاستهلاك المحلي: إن تزايد عدد اللاجئين داخل الدولة، يعمل على إحداث حالة من الضغط على جانب الطلب في السوق، ففي حالة زيادة الطلب بقدر يفوق الزيادة في عرض السلع، يترتب على الأمر ارتفاع معدلات التضخم، وهو الأمر الذي تم ملاحظته في العديد من الدولة المُستقبلة للاجئين، إذ يوضح الشكل (3) أن معدلات التضخم ارتفعت بشكل كبير في كل من لبنان والأردن، إذ بلغت 70.4% في مارس 2024 و 69.8 % في أبريل 2024 على التوالي، وكانت معدلات التضخم في مصر أقل نسبة، إذ سجلت 32.5% في أبريل 2024، ولكنها أكبر من مستوياتها في عام 2022 التي سجلت بها 13.2 %، ويرجع انخفاض نسبة التضخم في مصر بالمُقارنة بـالأردن ولبنان؛ بسبب الجهود الكبيرة للحكومة المصرية في امتصاص الموجات التضخمية المُصدرة إليها من الأزمات العالمية والإقليمية.
ومن هنا يُمكن القول إن تزايد تواجد اللاجئين داخل الدول النامية يجعل معدلات التضخم ترتفع بمُعدل أعلى من مُعدلها الطبيعي، نتيجة الضغط الكبير على السلع والخدمات المتاحة، خاصة في ظل بُطء سلاسل الإمداد العالمية التي ترتبت على الأزمة الروسية الأوكرانية، وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، الأمر الذي أثر بشكل كبير على حجم المعروض من السلع داخل هذه الدول، ومع مُعاناة الدول النامية بالفعل من ارتفاع كبير في عدد السكان، يجعل توافد أعداد كبيرة من اللاجئين داخلها، يُمثل ضغطًا كبيرًا في أسواق السلع والخدمات.
(-) تضخم أسعار سوق العقارات: يشهد سوق العقارات في الدولة المُستقبلة للاجئين، تضخمًا كبيرًا في أسعار الوحدات المختلفة، وهو الأمر الذي يرجع إلى أن فئة من اللاجئين تمتلك قدرًا عاليًا من السيولة النقدية، مما جعلها تدفع أكثر من المواطن الأصلي مُقابل استخدام الوحدة سواء بالإيجار أو التمليك، فوفقًا للتقرير الصادر عن البنك المركزي في تركيا، ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 32.39% على أساس سنوي، وهو ما يُمكن الاستدلال عليه من مؤشر الإسكان في تركيا، الذي يتم قياسه من أسعار الممتلكات السكنية، إذ يوضح الشكل ( 4) الارتفاع الكبير في هذا المؤشر في أبريل 2024، كما ارتفعت أسعار المنازل في بيروت بنسبة 25% في يناير 2024، وهو الحال أيضًا في مصر، فقد شهدت أسعار العقارات في نهاية عام 2023 ارتفاعًا كبيرًا، بسبب ظاهرة " الهلع الشرائي".
وعليه يُمكن القول إن القاسم المشترك بين هذه الدول في ارتفاع أسعار العقارات بها، هو توافد عدد كبير من اللاجئين إليها في عام 2023، وهو ما أحدث عدم استقرار كبير في سوق العقارات داخلها.
(-) انخفاض مستوى الخدمات: يترتب على الإقبال الشديد على طلب الخدمة المُقدمة من الدولة، انخفاض مستوى الخدمة بشكل كبير، فوجود اللاجئين من الجنسيات المختلفة داخل الدولة، تعني مقاعد إضافية في المدراس تزيد من كثافة الفصول، الأمر الذي يُضعف خدمة التعليم في الدولة، وبالقياس على مختلف الخدمات الحكومية، تأتي المُحصلة النهائية لذلك هي انخفاض مستوى الخدمة المُقدمة لمواطني الدولة، إذ أنه مع تدفق اللاجئين ستنخفض إمدادات الكهرباء والمياه والغاز في المناطق التي يقطنونها بشكل كبير، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها، وهو الأمر الذي يؤثر سلبًا على مواطني الدول المُستقبلة للاجئين.
(-) تغيير أولويات الحكومات: يؤثر تواجد اللاجئين بشكل مُكثف داخل الدولة، على ترتيب الأولويات الاقتصادية للحكومات المختلفة بشكل مُغاير لهدف التنمية الاقتصادية، إذ أنه في الأوقات العادية تقوم الحكومات بتوجيه أولوياتها الاقتصادية نحو تحقيق فائض في الصادرات من خلال زيادة الإنتاج بشكل يفوق الطلب المحلي، الذي يتحقق عن طريق زيادة الإنفاق الاستثماري في القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الزراعة والصناعة والسياحة، ولكن مع تزايد توافد اللاجئين سيصبح الهدف الأولى للحكومات، هو تغطية الطلب الداخلي على السلع والخدمات المُتفاقم من وجود اللاجئين؛ لمواجهة الموجات التضخمية المرتفعة، وهو الأمر الذي له تكلفة فرصة بديلة، تُحرم هذه الاقتصاديات من نمو حقيقي ومُستدام.
(-) تُأثر سوق العمل: ينتُج عن التنافس الكبير بين العمالة المحلية داخل الدولة واللاجئين، انخفاض المعروض من العمل أمام مواطني الدولة، وهو الأمر الذي يُعرضهم لفقدان وظائفهم، ومن ناحية أخرى يؤثر تزاحم اللاجئين في سوق العمل، على انخفاض الأجور بشكل كبير للغاية، وهو الأمر الذي يؤثر على العمالة غير الرسمية، مما يرفع معدلات البطالة داخل الدول المُستقبلة للاجئين، ومن هنا ترتفع نسب الفقر.
(-) زيادة عجز الموازنة العامة: يزداد عجز الموازنة في حالة زيادة الإنفاق الحكومي بشكل يفوق زيادة الإيرادات، ومع تزايد عدد اللاجئين داخل الدول، يرتفع الإنفاق الحكومي بشكل كبير جدًا، يفوق الزيادة في الإيرادات، ففي هذا الإطار أشارت وزارة التخطيط الأردنية إلى أن الأردن تحمل تكاليف تُقدر بحوالي 63 مليار دولار حتى نهاية عام 2022، نتيجة استضافة اللاجئين، وفي مصر قُدرت التكلفة المباشرة للاجئين أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا، وعليه في ظل انخفاض الإيرادات لمعظم دول المنطقة نتيجة التوترات الإقليمية والعالمية الراهنة، سيتزايد عجز الموازنة، نتيجة هذا الإنفاق المُتزايد من استضافة اللاجئين.
وفي النهاية يُمكن القول إن تفاقم أزمة اللاجئين في العالم، تؤثر بشكل أكبر على الدول النامية، التي تواجه العديد من التحديات الاقتصادية داخلها؛ بسبب تأثُرها بالأزمات التي تتأجج في العالم أجمع، إذ أن هذه الدول تدفع فاتورة اقتصادية كبيرة، نتيجة تواجُد اللاجئين داخلها، حيث إن تزاحم اللاجئين في أسواق السلع والخدمات، وأسواق العمالة، يخلق العديد من الضغوط داخلها، الأمر الذي يُحتم على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات عاجلة نحو مُعالجة ملف اللاجئين، ومُساندة الحكومات المُضيفة في إدارة مسار مُستدام للتنمية الاقتصادية.