الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تداعيات عابرة... ما الاقتصادات التي تأثرت بالمواجهات الإسرائيلية الإيرانية؟

  • مشاركة :
post-title
تداعيات الهجوم الإيراني على الاقتصادات.. صورة تعبيرية

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في الـ 14 من أبريل، تعرضت المنطقة الإقليمية والعالم أجمع إلى صدمة في المؤشرات الاقتصادية المختلفة؛ وهو ما حدث بسبب أن هذه المؤشرات تعتمد على التوقعات المُستقبلية للتوترات في المنطقة، فالضربات الإسرائيلية الإيرانية تعمل على إحداث توتر جيوسياسي كبير، مما يؤثر على مسار اقتصاديات دول المنطقة والاقتصاد العالمي.

وتأسيسًا عما سبق يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على التأثيرات الاقتصادية للهجوم الإيراني، وما سيتبعه من رد إسرائيلي مُحتمل، وذلك على المستوى الإقليمي والعالمي.

والجدير بالذكر هنا أن توبياس أدريان، المستشار المالي لصندوق النقد الدولي، أوضح عند إصدار تقرير الاستقرار المالي العالمي بأنهم " قلقون للغاية بشأن التطورات في الشرق الأوسط".

ارتدادات اقتصادية

يُمكن التعرف على الارتدادات الاقتصادية للضربات الإسرائيلية الإيرانية من خلال جزئيين وذلك على النحو التالي:

أولاً: على مستوى الاقتصاد العالمي:

(-) تأثُر الأسواق المالية العالمية: تأثرت الأسواق المالية العالمية سلبيًا بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، إذ انخفضت قيمة الأسهم الأمريكية بشكل كبير، كما بلغت تقلبات أسواق الأسهم أعلى تقلباتها منذ سته أشهر، ويتضح من الشكل رقم (1) أن مؤشر وول ستريت انخفض بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في الـ 14 من أبريل، كما هو موضح من انحدار المنحنى باللون الأحمر.

الشكل رقم (1) يوضح انخفاض مؤشر وول ستريت بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل

وفي نهاية تعاملات يوم الخامس عشر من أبريل، ووفقًا للشكل (2) تعرضت العديد من مؤشرات أسواق المال العالمية إلى الانخفاض بنسبة كبيرة بعد الهجوم الإيراني، فقد خسر مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 1.4% وهو مؤشر لجميع الأسهم التي يتم تداولها داخل بورصة شنغهاي بالصين، كما خسر مؤشر هانج سينج في هونج كونج 1.9%، وانخفض مؤشر نيكي 225 في طوكيو بنسبة 1.2%، وفي كوريا الجنوبية انخفض مؤشر كوسبي بنسبة 2.3%، في حين انخفض مؤشر S&P/ASX200 بنسبة 2%، كما انخفض مؤشر S&P500 بنسبة 2%، وهو ما يوضح الانعكاس السلبي للهجوم الإيراني على إسرائيل على أسواق المال العالمية.

ولكن بدأت هذه البورصات تقلص من خسائرها وتحقق مكاسب في الـ 18 من أبريل، مع تنفيذ ضربة إيرانية واحدة من الجانب الإيراني وعدم وجود رد إسرائيلي حتى الآن، إذ صعدت أسهم البورصة اليابانية والأسهم الأوربية، وهو ما يوضح الارتباط الكبير بين وضع البورصات العالمية والأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

المصدر: مواقع البورصات المختلفة

(-) تأثُر أسعار النفط: يُعتبر النفط واحدًا من أكثر السلع طلبًا في مختلف الدول، كما يُعتبر معيارًا للنشاط الاقتصادي العالمي، وبتتبع صدمة أسواق النفط من يوم 13 أبريل حتى 17 أبريل، اتضح أن أسعار خام برنت ارتفعت إلى أعلى مستوى له من سته أشهر ، بتسجيله 92.18 دولار للبرميل في 13 أبريل بالمُقارنة بـ 89.90 دولار في اليوم السابق له، وذلك في يوم الجمعة مع تحذير حلفاء إسرائيل من هجوم إيراني وشيك، ولكن مع توقعات السوق بأن الهجوم سيكون لمرة واحدة ومن الشكل (3)، انخفضت الأسعار في يوم الاثنين الموافق 15 أبريل، حيث انخفض سعر خام برنت إلى 89.70 دولار مع مخاوف الطلب وتوترات الشرق الأوسط، ولكن في صباح يوم الثلاثاء بعد إعلان إسرائيل أنها سترد على الهجوم الإيراني، حدث ارتفاع في أسعار النفط، إذ ارتفع سعر خام برنت إلى 90.42 دولار، وارتفع سعر خام غرب تكساس إلى 85.73 دولار، ولكن أسعارهم استقرت في 17 أبريل مع الهدوء الحذر في المنطقة، وهو ما يوضح أن مع حدوث رد إسرائيلي على إيران وتوقعات الرد الإيراني عليها، ستصل ارتفاعات النفط إلى مستويات قياسية، ما يؤثر على النشاط الاقتصاد العالمي بشكل كبير.

ومن هنا يرجع سبب ارتباط أسعار النفط العالمية بالتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، إلى أن منطقة الشرق الأوسط تُمثل ثلث إمدادات النفط العالمية، وأن إيران هي أحد المنتجين الرئيسيين لمنظمة أوبك، حيث إنها تنتج 3 ملايين برميل يوميًا، كما أن إيران تحتل موقعًا استراتيجيًا في مضيق هرمز، ما يجعل التوتر داخلها يؤثر على إمدادات الطاقة العالمية، وهو ما يؤثر على العرض العالمي من النفط، ما يرفع من أسعاره بشكل كبير.

المصدر: وزارة البترول والثروة المعدنية

(-) ارتفاع معدلات التضخم: تؤثر التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير على معدلات التضخم في دول العالم؛ بسبب التأثيرات السلبية لهذه التوترات على حركة شحن البضائع والسلع في البحر الأحمر وقناة السويس، إذ ارتفعت أسعار حاويات الشحن القادمة من جنوب شرق أسيا إلى أوربا، بنسبة 40 إلى 50% مقارنة بعام 2023، ومع التوترات الجديدة بين إيران وإسرائيل سترتفع أسعار الشحن بشكل أكبر من ذلك، إذ أنه في أعقاب الهجوم الإيراني أغلقت العديد من الدول المجال الجوي الخاص بها، وعلى الرغم من إعادة فتحه إلا أنه فُرض عليه العديد من القيود، كما ستستمر "لوفتهانزا "تمديد تعليق رحلاتها إلى طهران وبيروت حتى نهاية أبريل، مما يُقيد من حركة التجارة العالمية، ومن هنا يُنتج عن ذلك ارتفاع كبير في أسعار السلع العالمية، مما يدفع معدلات التضخم في الدول الكبرى إلى الارتفاع، وخاصة وأنها تُعاني بالفعل من مشكلات تضخمية داخلها بعد الأزمة الروسية الأوكرانية.

ثانياً: على مستوى اقتصاد المنطقة:

تتأثر المنطقة الإقليمية بشكل كبير من الضربات الإيرانية الإسرائيلية، وذلك على النحو التالي:

(-) ارتفاع معدلات التضخم: ستتأثر دول منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير من ارتفاع معدلات التضخم بها؛ بسبب الضربات الإيرانية الإسرائيلية، إذ أنه مع تزايد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، ستتأثر دورة الإنتاج والتشغيل داخل هذه الدول، كما ستتأثر حركة الاستيراد داخلها، مما يعمل على تفاقم أسعار السلع والخدمات المختلفة، هذا مع معاناة هذه الدول بالفعل من معدلات تضخم مرتفعة كما يوضح الشكل ( 4 )، إذ أنه وفق آخر تقارير رسمية لمعدلات التضخم، عانت سوريا من تضخم نسبته 139.6%، ولبنان من تضخم قدره 123.21%، بينما بلغت نسبته في تركيا 68.49%، و35.8% في إيران، و 16.9% في اليمن، وهو ما يرفع توقعات أن تزداد معدلات التضخم في هذه الدول من جراء التوتر الحالي في المنطقة، إذ تذهب التقديرات أن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 15% وارتفاع تكاليف الشحن تؤدي إلى زيادة التضخم بنسبة 0.7%، وهو ما سيضر بثقة الأعمال والاستثمار.

وكما ذكرنا في جزئية التأثير على المستوى العالمي أن أسعار النفط العالمية تتأثر من توترات المنطقة، وأن أسعار الشحن من المتوقع أن ترتفع أكثر مما هي عليه؛ لارتفاع تكاليف التأمين مع تزايد التوترات وتعطل حركة الطيران، فإن ذلك سيؤثر على سعر السلعة التي تستوردها دول الشرق الأوسط، مما يرفع من سعر بيعها داخلها بشكل كبير، وهو ما يؤثر على حركة البيع والشراء.

الشكل رقم (4 ) يوضح معدلات التضخم في بعض دول الشرق الأوسط

(-) ارتفاع تكلفة الديون: تتجه التوقعات إلى أن تقوم الدول الكبرى بتعديل توجهاتها نحو تخفيض أسعار الفائدة، إذ أنه في الفترة الأخيرة ارتفعت معدلات الفائدة في العديد من الدول؛ بسبب رفع الفيدرالي لها واستقرارها عند نسبة تتراوح بين 5.25% إلى 5.5% في مارس 2024 بالمُقارنة بـ 0.25% في أبريل 2021، ومن المتوقع أن يُحدث عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، توترات داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال الفترة المُقبلة، ومن منطلق أن معظم دول المنطقة مُثقلة بالديون الخارجية، فإن ارتفاع سعر الفائدة في الدول الكبرى سيرفع من تكلفة هذه الديون بشكل كبير، مما يخلق العديد من الأزمات داخل دول منطقة الشرق الأوسط، فتكلفة الدين الخارجي تمتص جزءًا كبيرًا من معدلات النمو، خاصة وأن دول المنطقة ما زالت تُعاني من مشاكل في تحقيق معدلات نمو مرتفعة.

(-) تأثُر بورصات المنطقة: تتأثر الأسواق المالية بأي توتر سواء كان على مستوى التصريحات، أو ما يفوق ذلك، إذ أن هذا السوق يعتمد على التوقعات المستقبلية التي يبلورها المستثمرين في المنطقة، من رؤيتهم حول المسارات المستقبلية للأوضاع المختلفة، وهو الأمر الذي جعل معظم بورصات الخليج تتراجع بعد الهجوم الإيراني، فقد تراجع المؤشر الرئيسي لسوق الأسهم السعودية بنسبة 0.30%، كما انخفض مؤشر بورصة قطر بنسبة 1.42%، وتراجع مؤشر بورصة السوق الأول في الكويت بنسبة 0.86%، وكما انخفض مؤشر بورصة مسقط بنسبة 0.22%، ولكن سرعان ما عدلت هذه البورصات من مؤشراتها نحو جنى مكاسب، بعد توقعات بأن هذه الضربة ستكون هجمة واحدة من الجانب الإيراني، ولكن إذا نفذ الاحتلال الإسرائيلي وعوده نحو الرد على إيران ستتكبد بورصات منطقة الشرق الأوسط خسائر كبيرة.

(-) ضعف نشاط السياحة: إن السياحة من القطاعات الهامة التي ترتبط ارتباط وثيق بمستويات الأمان السائدة في الدول ومنطقتها، وهو ما سيُكبد دول الشرق الأوسط خسائر كبيرة في عائدات السياحة، إذ ستقل حركة السياحة الوافدة إلى دول المنطقة بشكل كبير مع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، مما يؤثر سلبًا على أداء موازين المدفوعات داخلها وحجم السيولة الدولارية.

وعليه يُمكن القول إن الضربات الإيرانية الإسرائيلية سيكون لها تأثير واسع على اقتصاديات دول المنطقة ودول العالم المختلفة، كما تبين من تبعات الهجوم الإيراني في يوم السبت الماضي، فتوسيع رقعة الصراع والتوتر في المنطقة، يؤثر على المؤشرات الاقتصادية العالمية، وعلى القرارات النقدية التي تتخذها الدول الكبرى، مما ينعكس بدوره على اقتصاد منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير للغاية، ومن هنا فإذا قامت إسرائيل بالرد على إيران خلال الأيام المُقبلة، ستختلف الصورة المتفائلة لصندوق النقد والبنك الدوليين، وستنتشر السيناريوهات المتشائمة حول الأوضاع الاقتصادية عالميًا وإقليميًا.