الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"ليسوا محترفين".. الجيش الإسرائيلي يفتقر لـ"الانضباط"

  • مشاركة :
post-title
جنود إسرائيليون يتمركزون شمال قطاع غزة مع بدء العدوان – أرشيفية

القاهرة الإخبارية - أحمد صوان

منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في مطلع أكتوبر الماضي، أسرع العشرات من العسكريين والسياسيين والجنرالات السابقين وخبراء السياسة الدفاعية الأمريكيين لتقديم النصائح إلى القيادة الإسرائيلية. حيث ظنّ الأمريكيون أنهم تعلموا من غزواتهم في العراق وأفغانستان.

لكن، يلفت رافائيل كوهين، مدير برنامج "الاستراتيجية والعقيدة" في مشروع القوات الجوية التابع لمؤسسة راند، إلى أن وضع جيش الاحتلال في غزة يختلف كثيرًا عما شهدته الحروب الأمريكية في بداية القرن الحالي.

يقول: "لقد خسرت الولايات المتحدة حربها في أفغانستان. وحققت -في أفضل الأحوال- نتيجة مشوشة في العراق. ولا تمثل أي من الحربين ما يُمكن اعتباره "النموذج الأمريكي" لاستخدامه في محاربة جماعة مثل حماس".

ويشير "كوهين" إلى أن الناصحين في الولايات المتحدة لم يجروا مقارنة صحيحة "فبادئ ذي بدء، كانت العراق وأفغانستان أكبر كثيرًا وتقعان على مسافة نصف العالم؛ بينما غزة أصغر بكثير وأكثر إحكامًا، وتقع بجوار إسرائيل مباشرة".

وأكد أن الحرب بين إسرائيل وحماس "مرتبطة بالتاريخ الطويل والمضطرب للعلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية".

أمّا أهم العوامل من وجهة نظره، فإن الجيش الإسرائيلي (IDF) يختلف اختلافًا جوهريًا عن الجيش الأمريكي.

مكانة خاصة

يلفت كوهين إلى أن هناك عقدًا غير معلن في المجتمع الإسرائيلي: "فرغم كل الاضطرابات والفوضى في المجتمع والسياسة الإسرائيلية، سيكون الجيش موجودًا دائمًا للحفاظ على سلامة المواطنين".

هكذا اعتادت إسرائيل تمجيد جيشها قبل "طوفان الأقصى"، في مزيج من القومية والإيمان العميق -وإن كان في غير محله كما يقول كوهين- بأن براعتها العسكرية لا تقهر.

لكن، يأتي تبجيل الأمريكيين لقواتهم العسكرية من عزلتهم عنها -أقل من 1% من الأمريكيين في الخدمة الفعلية وغالبًا ما ينحدرون من عائلات عسكرية- ومنذ نهاية التجنيد الإجباري في عام 1973، أصبح الجيش الأمريكي، على نحو متزايد طبقة محاربين منفصلة عن المجتمع.

ومن المفارقة أنه "مع انخفاض عدد الأمريكيين الذين لديهم اتصالات مباشرة بجيشهم، تزايدت شعبيتها".

على النقيض، يعتبر الجيش الإسرائيلي في جوهره "تجمعًا عسكريًا وليس جيشًا محترفًا"، وفق كوهين.

يقول: "لقد تم تصميم الجيش الإسرائيلي، عمدًا، ليكون ما أسماه رئيس الوزراء المؤسس لإسرائيل، ديفيد بن جوريون "جيش الشعب". وهو انعكاس للمجتمع نفسه".

وبينما كان هناك جدل نشط حول ما إذا كان ينبغي للجيش الإسرائيلي أن ينتقل إلى قوة محترفة بالكامل، والتوترات القائمة بشأن إعفاء اليهود المتشددين من التجنيد. يتمتع الجيش بمكانة خاصة في المجتمع.

لذلك نجد الرتب العليا في الجيش الإسرائيلي هي أسماء مألوفة في دولة الاحتلال، وغالبًا ما يمتهنون السياسة بعد تقاعدهم.

جنود إسرائيليون يتمركزون في مستوطنة ناحال عوز قرب قطاع غزة في أكتوبر الماضي – أرشيفية
تحديات الاستعداد

في صباح 7 أكتوبر 2023، تغيرت علاقة الإسرائيليين بجيش الاحتلال. فقد فشل ليس فقط في حماية الجمهور الإسرائيلي في واحدة من أكبر الخسائر في تاريخ الجولة الصهيونية. بل فشل حتى في حماية جنوده.

يقول كوهين: "خلال صباح يوم واحد، حطمت حماس إحساس الإسرائيليين بالأمن، إلى جانب ثقتهم في قدرة الجيش الإسرائيلي.".

لذلك، يسود الشعور بالفشل الشخصي، بل والعار الذي يثقل كاهل الضباط الإسرائيليين كل يوم.

استعدادًا للرد على حماس، حشدت إسرائيل نحو 360 ألف جندي احتياطي -ما يقرب من 4% من إجمالي السكان- ما أدى إلى زيادة حجم قواتها ثلاث مرات.

لكن حتى قبل الحرب، عانى الاحتياطي الإسرائيلي من نقص الاستثمار في القوة النظامية، وفي تحديات الاستعداد.

في يناير 2023، وجد تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) أن 6% فقط ممن أنهوا خدمتهم الإلزامية استوفوا شرط الخدمة الاحتياطية، المتمثل في الخدمة لمدة 20 يومًا على الأقل على مدى ثلاث سنوات.

وفي ذروة الاحتجاجات التي عمت إسرائيل ضد الإصلاح القضائي في العام الماضي، شهدت بعض وحدات الاحتياط النخبوية تغيبًا عن التدريبات بنسبة تزيد على 40%.

ولفت كوهين إلى أن "هذا يعني أن الجيش الإسرائيلي يعهد بالكثير من القدرة النارية للجنود الذين كانوا خارج الزي العسكري لفترة من الوقت".

علاوة على ذلك، فإن جنود الاحتياط من القطاع المدني يقدرون بنحو 10% إلى 15% من القوى العاملة التكنولوجية في البلاد. ما يجعل إطالة وقتهم داخل الجيش من شأنه إحداث اضطراب اقتصادي كبير.

هكذا، تعمل إسرائيل على إنهاء عملياتها العسكرية في أقل وقت ممكن تجنبًا للخراب الاقتصادي.

عدم الانضباط

يفخر الإسرائيليون بعدم وجود القيود الهيكلية التي تعاني منها جيوش الولايات المتحدة والدول الأخرى. حيث الضباط أصغر سنًا من نظرائهم، فنجد ضباطًا في العشرينيات من العمر يقودون مجندين في أواخر سن المراهقة.

لذا، ينتشر في وحدات الجيش الإسرائيلي، في كثير من الأحيان، الطابع غير الرسمي، وعدم الاهتمام الواضح بالبروتوكول العسكري الأساسي.

يقول كوهين: "يظهر هذا التجاهل في القتال أيضا. لذلك، تلفت البيانات المستمدة من عدوان غزة الحالية إلى أن الضباط، من الملازمين إلى رتبة كولونيل، يشكلون ما يقرب من ربع إجمالي الخسائر القتالية التي تكبدها الجيش الإسرائيلي حتى الآن".

يضيف: "لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما إذا كان وجود عدد أكبر من الرقباء الأكبر سنا وضباط الصف -وعدد أقل من الضحايا من الضباط- كان من شأنه أن يخلق قوة أكثر انضباطا، وفي نهاية المطاف، يتجنب بعض هذه المشاكل".

وأكد أن "هذا الافتقار إلى الانضباط العسكري يشكل أهمية بالغة في إدارة الحرب اليوم. لكن الأمر سيكون أكثر أهمية عندما تنتهي الحرب وينتقل الصراع إلى مرحلة إعادة الإعمار".

وفي مقارنة بين الدولة العبرية وراعيتها الغربية يقول كوهين: "تريد الولايات المتحدة أن تتحرك إسرائيل ببطء، في حين أن الجيش الإسرائيلي مصمم ثقافياً وهيكلياً للقتال بسرعة وبقوة. تريد الولايات المتحدة أن تكون إسرائيل منضبطة، في حين أن الجيش الإسرائيلي مصمم ليكون العكس".

وأكد: "قد ترغب الولايات المتحدة في أن تكون الاستراتيجية الإسرائيلية هادئة ومنعزلة، لكن بالنسبة للجيش وقادته المكلفين بهذه الحرب، فإن المعركة شخصية للغاية".