في رحلته الرابعة إلى الشرق الأوسط منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، قرر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، تجربة شيء مختلف. بدلاً من التوقف أولاً في إسرائيل، كما يفعل غالبًا، بدأ بزيارة عواصم المنطقة، أملًا في جمع بعض أوراق المساومة التي قد تقنع تل أبيب بالتحرك نحو السلام.
وبالفعل، تعهد عدد من قادة المنطقة بدعم إعادة إعمار غزة بعد الحرب، مع الإصرار على إنهاء العدوان، والتزام الاحتلال بإقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
لكن رغم هذه الجهود، فشلت مناورة بلينكن بسبب تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. بينما يرى مسؤولون في واشنطن وتل أبيب أن الوضع الدبلوماسي "قد يكون واعدًا أكثر مما قد يبدو".
وفي مقاله في صحيفة "واشنطن بوست"، يشير الروائي والصحفي الأمريكي ديفيد إجناتيوس، إلى أن هناك عددًا من العوامل خلف الكواليس، قد تجعل النظرة إيجابية.
اليوم التالي للصراع
يلفت الكاتب، صاحب الرواية الشهيرة "كيان الأكاذيب" -التي تحولت لفيلم من بطولة ليوناردو دي كابريو وراسل كرو- إلى أن بلينكن "يعرف أنه يتفاوض مع إسرائيل التي لا تزال تهتز بشدة بسبب الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر".
لهذا السبب، عرض الوزير الأمريكي اقتراحات التهدئة ليس فقط على نتنياهو، ولكن أيضًا -وبشكل فردي- على كل عضو في حكومة الحرب الإسرائيلية.
وفي أعقاب زيارته للقاهرة، أوضح بلينكن أن محادثاته مع القيادة المصرية شملت "اليوم التالي لانتهاء الصراع".
وقال للصحفيين: "أعتقد أنه كان هناك تردد في الحديث عن بعض القضايا المتعلقة باليوم التالي والاستقرار والأمن على المدى الطويل على أساس إقليمي، لكننا نجد الآن أن شركاءنا يركزون بشدة على ذلك ويريدون المشاركة في هذه الأسئلة".
وأضاف: "إنهم أي -قادة الإقليم- مستعدون بشكل واضح لاتخاذ خطوات، والقيام بأشياء، وتقديم التزامات ضرورية لمستقبل غزة وللسلام والأمن على المدى الطويل في المنطقة".
وأكد بلينكن أن "هناك التزام من السلطة الفلسطينية بالسعي إلى إجراء إصلاحات هادفة وذات معنى".
ليست كافية
حاول المسؤولون الإسرائيليون الرد على مسعى بلينكن من أجل وقف التصعيد السريع في غزة، من خلال التعهد بالانتقال إلى مرحلة جديدة من القتال، تعني عددًا أقل من الشهداء المدنيين والمزيد من المساعدات الإنسانية.
أيضًا، تخطط تل أبيب لتقليص وجود قوات الاحتلال داخل غزة من 21 لواء في بداية العدوان، إلى أربعة أو خمسة ألوية بحلول الشهر المقبل.
وبينما يرجع ذلك -جزئيًا- إلى الضغوط الدولية، تزعم وسائل إعلام عبرية وغربية أن تقليص الأعداد يرجع لأنهم "ضربوا حماس بالفعل"، كما يقول إجناتيوس.
ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أن "أكثر من نصف كتائب حماس الـ 24 لم تعد تعمل وأن أكثر من 60% من قادة الكتائب والسرايا قتلوا".
لكن في الوقت نفسه، يؤكد كاتب العمود الأمريكي أن "إسرائيل لن تسمح بعد للمدنيين الفلسطينيين بالعودة إلى شمال غزة، بحجة أن مقاتلي حماس ما زالوا ينشطون هناك".
مع هذا، وافقت إسرائيل على السماح لفريق تابع للأمم المتحدة بإجراء مسح تفصيلي لاحتياجات المياه والصرف الصحي والصحة والإسكان في شمال غزة، على أن يبدأ ذلك على الفور. كما ذكر وزير الخارجية الأمريكي للصحفيين قبل مغادرته العاصمة المصرية.
لكن، ترددت أقاويل بأن بلينكن يرى أن "خطوات التهدئة الإسرائيلية هذه ليست كافية". حيث تخطط إسرائيل لمواصلة الغارات الجوية والقصف لبعض الأهداف في جنوب غزة، بينما "عدد القتلى المدنيين مرتفع للغاية"، كما ذكر هو نفسه في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي.
مترو غزة
بعد 98 يومًا من العدوان على غزة، يدرك كل من الاحتلال والولايات المتحدة أن المعركة الخاسرة في غزة تكمن تحت الأرض، في شبكة الأنفاق الواسعة التابعة لحماس.
يقول إجناتيوس: "يدرك المسؤولون الإسرائيليون أنهم قللوا في البداية من أهمية "مترو غزة" -كما يطلق عليه- والذي يعتقدون الآن أنه متعرج ومتعرج على مسافة أكثر من 300 ميل تحت شريط يبلغ طوله 25 ميلاً فقط وعرضه 7 أميال.
ويزعم الإسرائيليون مؤخرًا إنهم "رسموا خريطة لهذه الإمبراطورية السرية. وذلك بفضل المخططات الحاسوبية التي تم الاستيلاء عليها، واستجواب أعضاء حماس الذين ساعدوا في بناء الأنفاق، وتكنولوجيا الاستماع وتحديد الموقع الجديدة" كما ذكر في واشنطن بوست.
ورغم تحذير الإسرائيليين من أن "حصار الأنفاق" قد يستمر لعدة أشهر. لكن، يعلم المسؤولون الأمريكيون أنه "من غير المرجح أن توقف إسرائيل القتال حتى يموت مخططو 7 أكتوبر"، وفق إجناتيوس.