في محاولة لإبرام صفقة دبلوماسية بالشرق الأوسط تجنب إسرائيل خوض معركة أخرى على الحدود مع لبنان، أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، من وصفته "فورين بوليسي" بأنه مبعوث متمرس، هو عاموس هوكستين، كبير مستشاريه لأمن الطاقة، الذي وصف بأنه "مهندس محادثات الحدود البحرية الإسرائيلية - اللبنانية".
على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، رافق هوكستين، أنتوني بلينكنن، وزير الخارجية، في رحلته الرابعة إلى المنطقة، إذ تم تكليفه بمحاولة تخفيف التوترات بين إسرائيل وحزب الله "في محاولة لتجنب جبهة جديدة في الحرب التي يمكن أن تكون أكثر دموية من الجبهة الحالية ضد حماس".
وبالفعل، عقد هوكستين اجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين كبار هذا الأسبوع، وتوجه إلى بيروت، اليوم الخميس، لمواصلة المناقشات حول كيفية منع اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله.
شيء ما
أشارت الحكومة اللبنانية إلى رغبتها في استئناف المحادثات، بشأن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى الحرب بين إسرائيل ولبنان عام 2006، فيما يحتفظ حزب الله بوجود عسكري كبير في المنطقة.
أمس الأربعاء، قال هيرزي هاليفي، رئيس أركان جيش الاحتلال، أمام حشد من الجنود الإسرائيليين، إن أداءهم في القتال الأخير في غزة أقنعه بأنهم سينجحون في خوض حرب بلبنان أيضًا.
وبحسب بيان لجيش الاحتلال الإسرائيلي، قال هاليفي لجنوده: "لقد قاتلنا في غزة، لذا نعرف كيف نفعل ذلك في لبنان إذا اضطررنا لذلك، بعد ما فعلتموه في غزة لا توجد قرية بلبنان لا يمكنكم دخولها وتدميرها".
ولفت تقرير "فورين بوليسي"، الذي أعده روبي جرامر، مراسل الدبلوماسية والأمن القومي للمجلة، إلى أنه "في ظل الوضع الراهن، يتفق الجانبان اللبناني والإسرائيلي على ضرورة تغيير شيء ما على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ولكن لا يعرف أي من الطرفين كيفية الوصول إلى هناك".
في الوقت نفسه، يخشى المسؤولون والمراقبون من أن احتمال نشوب حرب كاملة بين إسرائيل وحزب الله يتزايد مع مرور الأيام، إذ تعزز المناوشات عبر الحدود فرصة حدوث حسابات - أو خطوات - خاطئة يمكن أن تتحول إلى حرب.
ويعترف هؤلاء بأن احتمالات تحقيق أي إنجاز دبلوماسي في محادثات الحدود بين إسرائيل ولبنان "ضئيلة".
وتناوش إسرائيل وحزب الله بعضهما البعض عبر ضربات محدودة عبر الحدود لعدة أشهر، ثم ما لبثت إسرائيل أن صعّدت من حدة المواجهة في الأيام الأخيرة، بعد اغتيال قائد كبير في حزب الله، وسام حسن الطويل، في جنوب لبنان، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، بالقرب من بيروت، في هجومين منفصلين.
جبهة أخرى
ينقل التقرير عن فراس مقصد، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن: "ما لدينا هنا هو سباق مع الزمن. من ناحية، هناك هذا الجهد الدبلوماسي الذي تقوده الولايات المتحدة وهوكستاين، ومن ناحية أخرى طبول الحرب تقرع".
لذلك، تراهن الإدارة الأمريكية على هوكستين، الذي يراه كثيرون الوحيد القادر على جلب إسرائيل ولبنان إلى طاولة المفاوضات"، بسبب "اتصالاته العميقة وسمعته النادرة في المنطقة"؛ حسب التقرير.
ويدعم حلفاء غربيون آخرون الجهود الدبلوماسية الأمريكية، خاصة فرنسا - القوة الاستعمارية السابقة للبنان - التي أرسلت أواخر العام الماضي، عددًا من كبار المسؤولين إلى لبنان، بما في ذلك كاثرين كولونا، وزيرة الخارجية، وجان إيف لودريان، المبعوث الفرنسي الخاص إلى لبنان، في محاولة لتخفيف التوترات بين إسرائيل وحزب الله ووضع الأساس لمحادثات دبلوماسية.
لكن رغم الجهود الفرنسية "يعتقد المسؤولون في بيروت وتل أبيب أن الولايات المتحدة وحدها هي التي تمتلك النفوذ لدى الجانبين للتوصل إلى أي اتفاق دائم"، كما يؤكد جرامر.
وأشار "مقصد" إلى نقطة واحدة لصالح مستشار الرئيس الأمريكي، هي أنه من مصلحة الجانبين بدء محادثات دبلوماسية ومنع نشوب حرب كبرى.
وقال: "إن تكلفة مثل هذه الحرب ستكون باهظة للغاية ومدمرة لكلا الجانبين، لدرجة أنني لا أرى كيف يمكن أن يكون من مصلحة إسرائيل الانغماس في حرب مدمرة ضد حزب الله، خاصة ولا تزال عملية غزة مستمرة".
في الوقت نفسه، يفسر البعض الخطاب الأخير لزعيم حزب الله، حسن نصر الله، باعتباره تضمن إشارات بأنه "مستعد لقبول المحادثات".
فرغم تعهده بالانتقام لمقتل العاروري، قال نصر الله أيضًا إن هناك "فرصة تاريخية للتحرير الكامل لجميع أراضينا وتحرير جميع أراضينا، وإنشاء معادلة تمنع العدو من انتهاك سيادتنا"، وهو ما تم تفسيره على أنه "إشارة إلى محادثات الحدود بين لبنان وإسرائيل".
ومع ذلك، أوضح نصر الله أن أي مناقشات من هذا القبيل لن تتم إلا بعد انتهاء العدوان على غزة.
أوراق التوت
يرى التقرير أنه "من المرجح أن يحتاج لبنان إلى ورقة توت من إسرائيل لبدء المحادثات"، وأن إحدى أوراق التوت المحتملة هي إشارة إسرائيل إلى استعدادها لمناقشة بعض النقاط الـ13 المتنازع عليها على طول الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، التي لم يتم حلها بعد.
وهناك سبل أخرى محتملة، منها موافقة الجانبين على التراجع عن ضرباتهما عبر الحدود، أو بالنسبة للجانب الإسرائيلي إقناع حزب الله بالموافقة على سحب بعض قواته، خاصة قوات النخبة "رضوان"، على الأقل بعيدًا عن الحدود الإسرائيلية، ويعتبرها الإسرائيليون واحدة من أكبر التهديدات على الحدود الشمالية.
لكن الأمريكيين يقولون إن إيران هي التي تملك الصوت الحاسم في تحركات حزب الله المقبلة، بغض النظر عن مدى التقارب بين الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية خلال المحادثات المستقبلية.
ينقل التقرير عن جوناثان بانيكوف، مسؤول استخباراتي أمريكي سابق يعمل الآن في المجلس الأطلسي، إن هناك فرصة للدبلوماسية، لكنه "متشكك بشأن حجم التأثير الذي تمارسه الحكومة اللبنانية على الفاعل الإيراني، وهذا يجعل الأمر أكثر صعوبة من مفاوضات هوكستين بشأن النزاع الحدودي البحري".
وعلى الجانب الآخر، قد لا تمنح حكومة نتنياهو الائتلافية - المؤلفة من ساسة يمينيين متطرفين - رئيس الوزراء أي مجال للمناورة بشأن المفاوضات مع لبنان.
وأضاف بانيكوف: "نحن في أخطر وقت للتصعيد إلى حرب أوسع من أي وقت مضى منذ بداية الصراع بين إسرائيل وحماس"، واصفًا المنطقة بأنها "على حد السكين".