بينما ركّزت المساعدات الغربية المقدمة لأوكرانيا على مدى العامين الماضيين على القدرات الهجومية - مثل الدبابات المتقدمة ومعدات إزالة الألغام والصواريخ بعيدة المدى - يعيش الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هذه الأيام ضغوطًا تتعلق بانخفاض الدعم، بعد أن تعلقت المساعدات التي تقدمها الإدارة الأمريكية.
وبينما تبقى أموال المساعدات الطارئة لكييف رهينة أدراج الكونجرس، أشار كل من إيما أشفورد، وكيلي جريكو، الأستاذان المساعدان في جامعة جورج تاون، إلى أنه رغم الجهود الغربية لدفع روسيا إلى التراجع، لكن انتصار كييف وشركائها الغربيين لا يتطلب بالضرورة استعادة أجزاء معينة من الأراضي، بل يتطلب حرمان الرئيس الروسي من هدفه المتمثل في إخضاع أوكرانيا".
وأشارا في تحليلهما المنشور بـ"فورين أفيرز"، إلى أنه إذا تمكنت أوكرانيا من الدفاع عن الأراضي التي تسيطر عليها في الأشهر المقبلة باستخدام قدرات دفاعية - مثل الألغام المضادة للدبابات والتحصينات الخرسانية - فقد تحرم روسيا من الطريق لتحقيق النصر الكامل، وربما تفتح الباب للمفاوضات.
نحو النصر
أشار التحليل إلى أن هناك قيودًا حقيقية على ما يستطيع الغرب أن يقدمه لأوكرانيا، لأن الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا يتحول ضد التمويل الإضافي الضخم، كما أن مخزونات الذخيرة الغربية بدأت في التناقص.
وفي العام الماضي، حققت أوكرانيا القليل من المكاسب الملموسة على الأرض، حتى مع وجود كميات هائلة من الدعم الغربي والأسلحة المتقدمة.
كما أنه من غير المرجح وصول أي من المعدات التي تطلبها أوكرانيا الآن، بما في ذلك النسخة الأطول مدى من نظام المهام التكتيكية للجيش (ATACMS)، أو الطائرات المقاتلة من طراز F-16.
مع ذلك، تلفت أشفورد وجريكو إلى أن هذا ليس الوقت المثالي للسعي إلى مفاوضات السلام أيضًا.
وقالا: "على الرغم من الجمود الواضح في ساحة المعركة، فمن غير المرجح أن يوافق بوتين على وقف إطلاق النار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024، ويأمل أن تمنحه رئاسة ترامب صفقة أفضل".
كذلك، يضغط البيت الأبيض بشكل متزايد على أوكرانيا للتحول إلى استراتيجية دفاعية في عام 2024، وقد بدأ زيلينسكي والقيادات العسكرية ببطء في قبول الحاجة إلى هذا التحول، إذ أعلنوا نوفمبر الماضي، توسيع التحصينات الدفاعية.
استراتيجية الدفاع
قال جاك واتلينج، الخبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة - معهد عسكري بريطاني - إن الغرب يواجه خيارًا حاسمًا في الوقت الحالي، إما دعم أوكرانيا حتى يتمكن قادتها من الدفاع عن أراضيهم والاستعداد لهجوم عام 2025، أو التنازل عن ميزة لا يمكن استردادها لروسيا".
يلفت التحليل إلى أن وجهات نظر مماثلة تسري في كييف "حيث يبدو أن الدفاع شر لا بد منه"، لكن حتى الآن لم تنجح حرب المناورة التي شنتها كييف، التي حاولت فيها القوات الأوكرانية اختراق الخطوط الروسية واستعادة الأراضي بسرعة، ولا محاولاتها لتقويض الدعم الشعبي الروسي للحرب، من خلال هجمات الطائرات دون طيار على موسكو.
وأكد التحليل أن "بوتين ليس قريبًا من الاعتراف بالهزيمة، لأنه لا يزال يعتقد أن جيشه قادر على تحقيق النصر، وهو يعتقد أنه قادر على الصمود أمام الدعم الغربي لكييف - وفي نهاية المطاف هزيمة أوكرانيا - من خلال استنزاف قدراتهم".
لكن حتى الآن، كانت دفاعات أوكرانيا تتألف في الأساس من خنادق ضحلة وليس تحصينات ثابتة، إذ شنت دفاعًا متنقلًا، وهجمات كر وفر، على القوات الروسية وخطوط الإمداد.
ومن أجل التحول إلى الدفاع في أوكرانيا، ستحتاج كييف إلى بناء نظام من الخطوط الدفاعية يتكون من خنادق عميقة، ومواقع إطلاق نار مُجهزة، وخنادق، وألغام مضادة للدبابات، وحواجز هرمية خرسانية مضادة للدبابات.
كما يجب أن تكون الدفاعات أيضًا سميكة ومتعددة الطبقات، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف القوة العسكرية الروسية تدريجيًا إذا حاولت قواتها العبور.
وينبغي لأوكرانيا أن "تُبقي السماء متنازعة عليها"، وضمان عدم تمتع أي من الجانبين بالتفوق الجوي.
ورغم أن القادة الأوكرانيين يصرون على أن أعدادًا صغيرة من المقاتلات الغربية، مثل طائرات F-16، ستكون كافية لتحقيق التفوق الجوي في ساحة المعركة، إلا أن الرادار الروسي سيرصد هذه الطائرات قبل وقت طويل من وصول الطيارين الأوكرانيين إلى مدى يسمح بتدمير الدفاعات الجوية الروسية، خاصة أنظمة صواريخ S-400.
كما يتعين على أوكرانيا أن تعمل على توسيع إنتاجها المحلي من الأسلحة، والحد من اعتمادها على إمدادات الأسلحة الغربية "هذا من شأنه أن يشير إلى موسكو بأنه حتى لو تضاءل الدعم الغربي لأوكرانيا، فإن القوات الروسية ستواجه مقاومة عسكرية شديدة".
خيار مؤلم
تتطلب الاستراتيجية الدفاعية من كييف أن تتخلى عن أهدافها المتمثلة في استعادة كل الأراضي التي فقدتها لصالح روسيا، وترك الأوكرانيين يعيشون في الأراضي المحتلة تحت الحكم الروسي "وهو خيار مكلف ومؤلم، حتى عندما تكون احتمالات استعادة هذه الأراضي ضئيلة للغاية".
ينصح التحليل أن تصحب الاستراتيجية الدفاعية استراتيجية سياسية مقابلة من البيت الأبيض "فيجب على إدارة بايدن أن توضح أنها لا تسعى إلى دعم كييف في العمليات الهجومية المستقبلية، لكنها تركز بدلًا من ذلك على تزويد أوكرانيا بقدرات دفاعية".
وأضاف: "يجب أن تكون الرسالة من البيت الأبيض بسيطة: تتمتع أوكرانيا بفرصة أفضل للتمسك بأراضيها الحالية ومواصلة القتال من خلال قواعد الدفاع".
ولجعل هذه الاستراتيجية ذات مصداقية في موسكو، سيحتاج البيت الأبيض إلى التوقف عن مشاغبة الكونجرس، وأن يسعى إلى تسوية بميزانية أصغر لتمويل أنظمة دفاعية أقل تكلفة لأوكرانيا والمساعدة على بناء قاعدتها الصناعية الدفاعية.
كما ستحتاج إدارة بايدن إلى بناء إجماع غربي حول هذا النهج الجديد. لذلك، ينبغي لهذه الاستراتيجية أن تكون جذابة للدول الأوروبية التي تعاني نقص الدعم الشعبي للحرب، بما في ذلك ألمانيا.
لكن، يلفت التحليل إلى أن الترويج لهذا الأمر سيكون أصعب بكثير في أوروبا الشرقية "حيث يتمثل الخوف الشائع في بولندا ودول البلطيق في أن أي فشل في استعادة كل أراضي أوكرانيا سيبعث برسالة إلى الكرملين مفادها أن أي عدوان في المستقبل قد يُكافأ".