بينما تتصاعد أوار الحرب في أوكرانيا والسودان والساحل الإفريقي، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يحاول المجتمع الدولي إنهاء هذه الصراعات أو السيطرة عليها في عام 2024؛ لكن الكثير من قادة هذه الصراعات يدفعون بالمزيد من التعزيزات العسكرية لتأجيج القتال، فيما يسعى آخرون إلى الخروج بأقصى قدر من المكاسب.
وفي تحليلهما المنشور في "فورين بوليسي" الأمريكية يلفت كمفورت إيرو رئيس مجموعة الأزمات الدولية، ونائبه ريتشارد أتوود، إلى أن وتيرة الصراعات الدولية آخذة في التصاعد من عام 2012، بعد تراجعها في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. مشيرين إلى احتمالية تصاعد عدد من هذه الصراعات بقوة في العام الجديد.
العدوان على غزة
أشار المحللان إلى أن العالم نسى لعقود -أو تناسى- الدفع بالجهود الدبلوماسية من أجل الشعب الفلسطيني.. "فقد تلاشت جهود صنع السلام. والتهمت دولة الاحتلال الإسرائيلي المزيد من مساحات الأراضي الفلسطينية، وتزايدت وحشية المستوطنين الصهاينة، وأصبح الاحتلال أكثر قسوة من أي وقت مضى". لافتين إلى أن هذا أحد أهم العوامل التي فجّرت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي.
يُشدد التحليل على أن عمليات جيش الاحتلال لن تقضي على حماس، كما يزعم القادة الإسرائيليون، وأن "محاولة القيام بذلك قد تقضي على ما تبقى من غزة"؛ كما تفاقمت حالة عدم الثقة التي شعر بها الكثيرون تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بسبب فشل حكومته في منعه.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ المسؤولون الأمريكيون في التشكيك بتكلفة العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة ومدته بشكل أكثر صراحة. لكن الرئيس بايدن رفض الدعوة إلى وقف إطلاق النار، أو فرض أية شروط على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل؛ كما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن الدولي الذي طالب بوقف إطلاق النار.
وأكد التحليل أنه في ظل الوضع الحالي، فإن الأرجح استمرار العمليات لأسابيع وربما أشهر أخرى، تليها حملة متواصلة وأقل كثافة "ويبدو أن الاحتلال العسكري الموسع أمر محتمل، حتى لو نفى نتنياهو أن هذه هي نيته. وستسيطر قوات الاحتلال على مساحات واسعة من القطاع، وستواصل غاراتها، بينما يتجمع الفلسطينيون بالمخيمات".
القتال في السودان
تحولت المعارك بين الجيش الوطني السوداني ومليشيا الدعم السريع إلى حرب شاملة، وأدى القتال إلى إزهاق أرواح الآلاف من الأشخاص، وتشريد ملايين آخرين، ووضع السودان على حافة الانهيار.
يشير التحليل كذلك إلى أن "شبح الإبادة الجماعية يخيّم مرة أخرى على دارفور الغربية"، بعد ما امتدت عمليات المليشيا المتمردة إلى أعمال قتل عرقية، حيث ذبحت المدنيين، ثم استولت على المدن الكبرى في دارفور، وظهرت قصص جديدة تصف الوحشية ضد المساليت (مجتمع غير عربي ضايقته الميليشيات لسنوات).
وبالنسبة لجهود صنع السلام، يشير المحللان لمجلة "فورين بوليسي" إلى اجتماع فاشل لممثلي الطرفين في جدة العام الماضي، ولفتا إلى أن القاهرة "تلعب دورًا حاسمًا في كبح جماح المتحاربين"، لكن فشلت آخر المحادثات التي كان من المزمع عقدها برعاية أمريكية وإفريقية نهاية الشهر الماضي "لكن التحدي الآخر هو أن الدبلوماسيين الأمريكيين كانوا حذرين لعدة أشهر من إبرام صفقة بين حميدتي والبرهان، خوفًا من إثارة غضب السودانيين".
وحذّر التحليل من أن كلًا من ميليشيا الدعم السريع والجيش السوداني "لن يتوقفوا عن القتال دون أن يكون لهم رأي فيما سيأتي بعد ذلك. لذلك هناك حاجة إلى دبلوماسية أكثر إلحاحًا. فمن الممكن أن يتردد صدى انهيار السودان لعقود من الزمن في جميع أنحاء مناطق الساحل والقرن الإفريقي والبحر الأحمر".
الحرب الروسية الأوكرانية
يرى المحللان أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا "صارت لعبة كرة قدم سياسية في واشنطن، لكن ما يحدث على أرض المعركة سوف يحدد أمن أوروبا في المستقبل". فبينما تضاءل الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا، ولم يحقق جيشها سوى القليل من المكاسب على الأرض، يحسب الكرملين أن الوقت في صالحه.
بينما تستعد أوكرانيا لمواجهة شتاء قاتم، أصبح الخلاف بين المسؤولين الأوكرانيين والغربيين أكثر وضوحًا، مع تراجع الدعم من الغرب. وعلى الرغم من دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس الأمريكي لأوكرانيا، لكن هناك كتلة من المشرعين الجمهوريين تمنع تقديم حزمة مساعدات كبيرة تهدف إلى إمداد كييف حتى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024.
أمّا أوروبا، فعلى الرغم من كل دعمها الخطابي لأوكرانيا، كانت بطيئة في إمداد كييف بما تحتاجه، وأمام بدء محادثات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي -كإشارة دعم قوية من بروكسل- يعارض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان تقديم المساعدة إلى كييف.
وفي الوقت نفسه، يلفت التحليل إلى أنه لا يوجد ما يشير إلى أن المفاوضات مع الكرملين توفر مخرجًا، وبينما يقول المسؤولون الروس إنهم سيتحدثون، فإن القنوات الخلفية لموسكو والتصريحات العامة للكرملين تشير إلى أن أهدافها تظل كما هي عندما شنت حربها الشاملة. فهي لا تريد الأرض فحسب، بل إنها تريد أيضًا استسلام أوكرانيا وتجريدها من السلاح في ظل حكومة خاضعة.
الساحل الإفريقي
شهدت الأعوام الثلاث الماضية تقلبات سياسية مدعومة شعبيًا في بلدان الساحل الإفريقي الباحثة عن الأمان، مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ما تسبب في تغيير جذري في العلاقات الخارجية بين الدول الثلاث -التي عانت من الجماعات الإرهابية والتدخل الفرنسي لعقود- وبعض عواصم غرب إفريقيا الأخرى المتوترة. في الوقت نفسه، سحبت باريس جنودها وسط تصاعد المشاعر المعادية لفرنسا، بينما اقترب الحُكّام الجُدد من روسيا.
وشكلت المجالس العسكرية التي تولت إدارة بلدانها تحالفاتها الخاصة، على أمل ردع التدخل الأجنبي. وبين الشباب لا يزال قادة الجيش يتمتعون بشعبية كبيرة "كما أن أسوأ السيناريوهات، الذي اعتقد بعض المسؤولين الأوروبيين، وهو أن انسحاب قواتهم قد يسبب انهيار تلك الدول، لم تتحقق".
ورغم تراجع المتمردين في هذه البلاد، ولكن يلفت التحليل إلى أنه "مع خبرتهم الواسعة في حرب العصابات، يبدو من غير المرجح أن يستسلموا بهدوء. كما أن بعض المتمردين لديهم روابط عائلية مع زعيم تنظيم القاعدة المحلي، إياد غالي -وهو انفصالي سابق من الطوارق تحول إلى إرهابي- والذي يقدم نفسه الآن على أنه بطل ضد الجيش. ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تجديد صفوف الإرهابيين"وبينما قد تحقق الهجمات مكاسب قصيرة المدى، لكن السلام بمرور الوقت يعتمد على الحوار وعقد الصفقات".